القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    عاجل : ترامب يدعو إلى الإجلاء الفوري من طهران    كاس العالم للاندية 2025: تشلسي يفوز على لوس انجلس بثنائية نظيفة    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يفوز وديا على المنتخب الايطالي الرديف 3 - 1    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    طقس الليلة    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا عن العلاقات السورية الإيرانية؟ ج 5
نشر في الحوار نت يوم 05 - 04 - 2011

ومنذ الثورة، وعلى قاعدة تصدير الثورة، والقبول الذي وجدته من طرف الكثير من مكونات الحركة الإسلامية، وفي غياب طرف سياسي إقليمي عربي أو إسلامي قوي وواضح في انتمائه الإسلامي الحقيقي الأصيل يقف في وجه الهيمنة الأمريكية في المنطقة، إذا ما استثنينا تصدي الحركة الإسلامية في أفغانستان في ذلك الوقت للأمبراطورية السوفياتية، والذي كانت تنظر إليه أمريكا في ذلك الوقت بعين الرضا، وكانت داعمة لتلك الحركة وإن بطرق غير مباشرة حتى مراحله الأخيرة جدا، والصدى الذي كان للثورة في أوساط الأقليات الطائفية الشيعية في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي، أصبحت الثورة " الإسلامية " في إيران محط أنظار الكثيرين وأملهم في إنهاء الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية خصوصا. وهي التي ليس ثمة أحرص منها على إنهاء أي قوة أخرى تريد الصعود في المنطقة. وهي التي سارعت لإسقاط إمارة أفغانستان الإسلامية الفتية الناشئة. وهي التي عملت كل ما في وسعها، ولم تدخر أية وسيلة ولا أي جهد لإسقاط نظام البعث وقائده الرفيق صدام حسين. لألا يبقى لها أي منافس من المنطقة في المنطقة وفي الجوار الإسلامي. وهي المهادنة بالكامل تقريبا لتركيا ولباكستان كقوتين إقليميتين ذات طبيعة سنية في الأصل، ولكنها مازالت مطمئنة للحكم العلماني التكفيري فيهما، وهي التي يمكن أن تكون أول شريك مع أي قوة أو جهة لمنع أي إمكانية لوصول الحركة الإسلامية لسدة الحكم فيهما وإقامة نظام إسلامي حقيقي فيهما.
ولهذه الإعتبارات كلها، أخذت إيران تبحث على أن يكون لها دور سواء مباشر، أو غير مباشرة عن طريق أذرع لها في المنطقة العربية الأكثر توترا وتفجرا. وكانت الفرصة سانحة لها في جنوب لبنان حيث كان التأييد المطلق لها من قبل نسبة كبيرة من الطائفة الشيعية هناك، حيث تمت بيعة قائد الثورة " الإمام الخميني" ثم من بعده مرشد الثورة علي خامنائي، وكانت كل الظروف والعوامل سانحة لأي جهة أن تتدخل في التركيبة الطائفية في لبنان، وأن يكون لها أي دور تريده، نظرا لقيام للوضع المتفجر ودائم التفجر في ذلك الوقت هناك بسبب :
1- التركيبة الطائفية الراسخة والمقننة دستوريا للشعب اللبناني.
2- وجود المقاومة الفلسطينية هناك.
3- الإحتلال الصهيوني لجنوب لبنان بعد الإجتياح الذي انتهى بقواته سنة 1982 إلى العاصمة بيروت.
4- الحرب الأهلية المشتعل أوارها هناك.
5- غياب الدولة.
6- النفوذ الكبير الذي كان للنظام السوري قي ذلك الوقت من خلال وجود جيشه هناك، ومن خلال التنظيمات التابعة له، ولعل حركة أمل ذات التركيبة الطائفية الشيعية والطبيعة العلمانية ذات الصلة التنظيمية والسياسية بالنظام السوري كان أهمها، على قاعدة عقيدة البعث والنزعة القومية العربية بحسب السائد بالمنطقة عموما في ذلك الوقت.
كل هذه الظروف كانت سانحة لإيران لتأسيس حزب الله ورعايته ومده بكل أسباب القوة، خاصة وأن مناطق تواجده ونفوذه كانت بالجنوب حيث تمركز قوات الإحتلال الصهيوني الغازية، وحيث أن الإحتكاك به كان مباشرا ويوميا.
فبعد العناق الذي حصل بين نظام البعث العلماني القومي العربي الطائفي الذي أصبح بعد ذلك وراثي، ونظام الملالي الصفوي الطائفي المذهبي بعد الثورة الإيرانية مباشرة، والذي كان على قاعدة الصراع الذي كان قائما بين حركة الإخوان المسلمين، والعداء الذي كان مستفحلا بين نظام البعث في العراق بقيادة الرفيق صدام حسين، ما كان لسوريا أن تنازع إيران أي وجود لها في لبنان، حيث كان لها سيطرة ونفوذ كبير بعدما سمح لها الكيان الصهيوني، وبدعوة من الموارنة وقوات الكتائب ذراعهم العسكري قي الحرب الأهلية بالوجود العسكري، للمشاركة في إخراج الفلسطينيين من لبنان. والحقيقة أنه ما كان لإيران أن تصل إلى لبنان، ولا أن تؤسس منظمة حزب الله، ولا أن تجعل منه قوة على خطوط التماس مع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة لأنه، إذا فرضنا جدلا أنه بإمكان إيران أن تؤسس حزب الله، وأن يكون لها نفوذ سياسي واقتصادي واجتماعي هناك، فإنه لولا الوجود السوري على نفس الحدود مع لبنان، ولولا النفوذ السياسي والأمني والعسكري والإجتماعي، ولولا الطبيعة الطائفية للنظام، ما كان لإيران أن تجعل من حزب الله قوة عسكرية ضاربة يصبح بموجبها إلحاق هزيمتين عسكريتين محققتين كبيرتين واضحتين بالكيان الصهيوني، الذي لم تستطع الأنظمة العربية والحركات والتنظيمات المسلحة مجتمعة، وفي فترات مختلفة من وجوده بالمنطقة، أن تلحق به هزيمة واحدة. وهو الذي كان دوما يحقق عليها انتصارات كبيرة، كان يحتل فيها الأراضي التي لا يمكن أن يعيدها ولا يمكن أن تستعاد إلا بمثل ما أخذت به. وهو الذي لا يقبل بإعادتها إلا بشروطه المذلة والمهينة التي تضمن له المصالح والمنافع التي كان يريدها ويحصل عليها من خلال احتلاله لها. وهو الذي اعتاد أن يحصل من النظام العربي المهزوم والعامل بكل أسباب الهزيمة دائما أكثر مما يطلب ومما يريد، ويكون له من الشروط أكثر مما يشترط. هذا النظام الذي مكن للوجود الصهيوني، وللهيمنة والنفوذ الأمريكي، وللمشروع الغربي الصهيوني بالمنطقة عموما ومازال، هو الذي يعتبر اليوم من أهم أسباب التمكين للمشروع الصفوي الشيعي الجعفري فيها.
لم تستطع إيران أن تجعل من حزب الله قوة ضاربة إلا من خلال النظام السوري وحضوره العسكري الضارب والكاسح في الساحة اللبنانية، لأنه إذا كانت تستطيع أن تزوده من المال بكل ما يريد وبكل ما تريد وبما هو في حاجة إليه، فإنها لا تستطيع الكثير من كل ذلك لو لا النظام السوري إن لم أقل شيئا من ذلك. وليس ممكنا لها أن تزوده بمثل ما زودته وتزوده به من الأسلحة الثقيلة والنظم الصاروخية وكل ما يحتاجه من معدات وتدريب لتحقيق النصر على خامس قوة عسكرية في العالم تقريبا، وعلى أول قوة عسكرية في المنطقة، ويلحق بالمؤسسة الصهيونية أكثر من هزيمة، سواء على المستوى العسكري أو النفسي أو الإستخباراتي أو الأمني أو الإعلامي ..
فإذا كان يمكن لإيران أن تكون لها جغرافيا علاقة مباشرة مع أقليات الطائفة الشيعية في المنطقة العربية، سواء في العراق أو الكويت أو السعودية أو البحرين أو قطر أو الإمارات العربية المتحدة أو عمان أو اليمن، ..فإنه لا يمكن أن تكون لها علاقة مباشرة، وليس ممكنا لها ذلك إلا عبر سوريا، لأنه النظام الوحيد الذي وجدت أن بينها وبينه علاقة طائفية، وكان ممتنا لإيران بقبولها له، خلافا لما هو عليه الرأي الفقهي الجعفري التاريخي القاضي بتكفير الطائفة العلوية الحاكمة اليوم في سوريا. ولم تكن إيران قد فعلت ذلك إلا لمصالح ولحسابات إستراتيجية لا تتحقق لها إلا من خلال تجاوز ذلك الموقف الفقهي التاريخي، وهي صاحبة المدرسة الفقهية التي، بالإستناد إلى فهم معين للتقية خاصة عند الشيعة فيها، فإن الغاية فيها تبرر الوسيلة مطلقا تماما كما في المدرسة المثالية العلمانية الحديثة الميكيافيلية، والمدرسة الوضعية المادية الماركسية.
وما كان للنظام السوري أن يقبل بهذه العلاقة، إلا لإيمانه الراسخ بالطائفة وبالطائفية وليس بالعروبة وبالقومية العربية، وإلا للعزلة التي أصبح يعيشها في محيطه العربي بعد أن أصبح العداء مستفحلا بينه وبين نظام البعث في العراق الذي من المفروض، مرجعيا فكريا وثقافيا وقوميا عربيا، أن لا يكون هناك نظام أوثق علاقة به أكثر منه. وهو الذي كانت علاقاته فاترة ببقية الأنظمة الرجعية التقليدية بعد أن كان معاديا لها من موقع الحداثة والتقدمية، والموقف من الحرية والإشتراكية والوحدة ومن النهضة العربية.
غريب أمر هذا النظام السوري الذي جمع بين كل المتناقضات، كأمر كل النظام العربي في المنطقة العربية، وكأمر كل النخبة التقليدية اليمينية والعلمانية العربية الهجينة الدخيلة اليسارية القومية العربية منها والماركسية اللينينية وغيرها.
- فهو نظام تقدمي علماني اشتراكي
- وهو نظام قومي عربي وحدوي.
- وهو نظام طائفي أسري وراثي.
- وهو نظام معاد للكيان الصهيوني.
- وهو داعم للمقاومة في لبنان وفلسطين.
- وهو غير المعترف بها، بل المناهض لها ربما، في أفغانستان وفي باكستان وفي كشمير وفي الشيشان وفي العراق وفي الصومال...
- وهو الذي كان له وجود ونفوذ في لبنان حتى مع الوجود الصهيوني المحتل له .
- وهو الذي تم احتلال الأراضي السورية في عهده ومازالت محتلة (هضبة الجولان ومزارع شبعا التي أعلن تنازله عنها لفائدة لبنان والمقاومة في لبنان).
- وهو المانع منعا باتا لتشكل أي مقاومة سورية لتحرير تلك الأرض المغتصبة.
- وهو الذي يعتزم مساندة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين ويحتضنها، ومحسوبة عليه ومحسوبا عليها.
- وهو المانع والمحارب لها في عقر دارها.
- وهو الحليف العسكري لأمريكا والسعودية في إخراج القوات العراقية من الكويت.
- وهو المشتبك والمختلف معهما اليوم في لبنان على خلفية مسؤوليته على اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحرير ذراع السعودية في لبنان.
- وهو الحليف الإستراتيجي في المنطقة للنظام الصفوي الطائفي المذهبي في إيران.
لا أرى في كل هذا أي فائدة لسوريا وللشعب السوري المقهور والمغلوب على أمره، والذي تبقى عليه وحده كغيره من الشعوب العربية خاصة والإسلامية عامة رفع الظلم والغبن والقهر على نفسه. بل الثابت أن خسائر كثيرة وكبيرة يلحقها هذا النظام بهذه الصفة بالشعب السوري.
فإذا كانت سوريا من خلال نظامها طبعا حاضنة وداعمة للمقاومة في جنوب لبنان، فليس ذلك في الحقيقة إلا لصالح ولمصلحة إيران، لأن كل انتصارات حزب الله في لبنان محسوبة في النهاية لها إقليميا ودوليا وعسكريا وشعبيا وطائفيا ومذهبيا..وإن كان ذلك مكسبا وطنيا لبنانيا وعربيا إسلاميا كذلك، ولا أرى في ما أرى أي كبير مصلحة لسوريا وللشعب السوري في ذلك.
كان يمكن أن يحسب للنظام السوري ويكون مكسبا له، دعمه واحتضانه للمقاومة في لبنان وفي فلسطين المحتلة، لو لم تكن أرض شعبه، التي هي في النهاية أرض كل العرب والمسلمين، في الجولان ومزارع شبعا، التي أصبح الكيان الصهيوني يدافع عن حق سوريا فيها لإنهاء ذريعة وسبب مواصلة ملاحقة المقاومة له من الجنوب اللبناني، محتلة ومن نفس العدو، ولو لم يكن مانعا لانطلاق أي مقاومة من الداخل السوري لتحريرها. لأن فتح جبهة ثالثة مشروعة على العدو يكبده من الخسائر أكثر مما يتكبده من خلال جبهتين في كل من لبنان وفلسطين، وينقص من الخسائر التي يلحقها بجبهتي المقاومة الوطنية الإسلامية منها والعلمانية حين تكون ثلاث جبهات، ويمنى فيها العدو بثلاث هزائم عوض هزيمتين، ويمضي فيها من الوقت حين تكون ثلاث جبهات للمقاومة أقل منه حين تكون جبهتان فقط، ويعاد فيها الحق إلى أصحابه، بل يستعيد فيها أصحاب الحق حقوقهم بدون قيد ولا شرط، ولما لا بشروطهم.
فإذا كان النظام السوري يقوم بكل ذلك في لبنان خدمة لإيران، من خلال جعل من سوريا جسرا لها عبر حزب الله بالجنوب اللبناني، فإن علاقته بالمقاومة الفلسطينية التي أصبحت اليوم مقاومة إسلامية كذلك، لها شأن آخر ومدلول آخر.
لقد كانت علاقة النظام السوري بالمقاومة الفلسطينية مختلفة كغيره من الأنظمة العربية المختلفة حربا وسلما، ائتلافا واختلافا، مبدئيا وانتهازيا. وكان يمكن أن يكون الأمر أكثر استساغة وأكثر قبولا حين تكون علاقة النظام السوري القومي العربي العلماني بتنظيمات وفصائل وأحزاب وحركات ذات طبيعة قومية عربية أو علمانية وإن لم تكن قومية. وكان يمكن أن تكون علاقته بأنظمة علمانية من جنسه أكثر قبولا وأكثر استساغة. وهو القومي العلماني، والذي لم يكن منه كل ذلك على النحو المطلوب والممكن والواضح، وهو الذي أصبحت علاقاته، في ظل التشكل الجديد الذي انتهت إليه المنطقة، والتحولات التي شهدتها والتي لم يكن مواكبا لها ولا متأثرا بها، أكثر وثوقا وأكثر قربا، ليس من منطلق مبدئي ولكنها الإنتهازية ومن موقع المضطر إلى ذلك اضطرارا، بالتنظيمات الإسلامية، ومن منطلق طائفي بالنظام الصفوي الطائفي المذهبي الإيراني، والذي ظل محافظا فيها بالمقابل على عدائه للحركة الإسلامية المعاصرة بالداخل السوري. وقد كان ذلك على عكس ما كان عليه النظام الإيراني ذي الطبيعة "الإسلامية " الذي يسعى لتكوين وبعث وتأسيس منظمات وأحزاب وحركات وفصائل أسلامية شيعية تحديدا، وهو غير المعني في الأصل بغير ذلك، وليس معنيا في الحقيقة إلا بذلك، ويعمل على ذلك، وهو الذي يحيط نفسه اليوم بالعديد من هذه الكيانات والمكونات من الطيف الإسلامي، ولا يمانع في أن تكون له علاقات حتى ببعض التنظيمات ومكونات الحركة الإسلامية غير الشيعية، ليحصل له ما يمكن أن يحصل من أوجه الإستفادة منها ومن العلاقة بها، بما في ذلك ما يمكن أن يحصل له من إخفاء للصفة الطائفية المذهبية المثبتة بوضوح وبعبارات صريحة على صفحات الدستور الإيراني، وهي الصفة التي أصبح مدانا بها ومحسوبة عليه، دون أن يعني ذلك، وإن كان هذا ما ليس معلوما وليس واضحا، ولعله ليس موجودا أصلا، عدم القبول بعلاقات مع أي من مكونات الحركة العلمانية، سواء على أساس وخلفية طائفية أو قومية أو غير ذلك من الخلفيات والأسس إذا كان له في ذلك مصلحة، تماما كما هي العلاقة مع الأنظمة العلمانية في العالم. وهو الذي يلتقي اليوم في لبنان عبر سوريا وعبر حزب الله مع كل من له معه مصلحة من مختلف فسيفساء الطيف السياسي والطائفي. كذلك يبدو النظام السوري في شبكة التحالفات على أكثر من أساس في لبنان، وهو الذي ليس إلا خادما للمصالح الإيرانية كذلك، سواء من خلال علاقته بحزب الله أومن خلال علاقته بالنظام الإيراني.
وإذا كانت السعودية صاحبة نفوذ سياسي كذلك في لبنان من خلال ثقلها ونفوذها المالي، وإذا كانت إيران صاحبة نفوذ سياسي من خلال نفوذها الطائفي والعسكري من خلال حزب الله ومن خلال سوريا ومن خلال مكونات النسيج السياسي لها، فإن سوريا ليس لها من الأمر إلا قليلا، ولعله ليس لها منه شيئا أصلا، وأن الأمر كله ينتهي في النهاية لإيران، ولتحقيق الأهداف الإيرانية، على المدى الطويل خاصة، في المنطقة.
وإذا كان من الطبيعي احتضان النظام السوري لفصائل المقاومة العلمانية القومية واليسارية، وهي الفصائل التي خفتت أصواتها وخبا بريقها وتولت القهقرى، وهي في هزيع ليلها الأخير، فإنه من غير الطبيعي أن يكون حاضنا للمقاومة الإسلامية التي تعيش ربيع حياتها. وهي صاحبة الصولات والجولات، ومحققة الإنتصارات الحقيقية، أكثر من غيرها من مكونات حركة المقاومة العلمانية صاحبة الهزائم، سواء من خلال السلطة والجيوش النظامية أو من خارجها، وصاحبة مشروع ثقافة الهزيمة والإنهزام والتحلل والإنحلال والإحتلال. وهي صاحبة مشروع ثقافة الجهاد والشهادة والإستشهاد في سبيل الله التي هي ثقافة النصر والتحرر والتحرير وتقرير المصير.
وإذا كان صحيحا أن تاريخه هو تاريخ محاربة ومناهضة ومعاداة كل من يختلف معه سواء بالداخل أو بالخارج، سواء في المقاومة أو في المعارضة، إلا أن حربه على الحركة الإسلامية التي يقرب منها اليوم من شاء ويبعد عنها من شاء، ويعادي منها من شاء ويوالي من شاء.. ليست ككل الحروب.
وهو الذي مازال مستمرا على نهجه في قمع المعارضة العلمانية، وفي الضرب بقوة لكل ما هو إسلامي، وفي الوقت الذي يضرب فيه النظام الإيراني بقوة على أيدي كل ما هو علماني بالداخل، وكل ما هو إسلامي غير شيعي، فإن النظام السوري كان دائما يضرب كل ما هو معارضة علمانية حقيقية، وكان أشد حرصا على ضرب وبقوة أكبر على يد كل ما هو إسلامي. وإذا كان له قبول ببعض ما هو علماني مهادن وحليف ومعاضد، فإنه لا قبول له بأي إسلامي على أي نحو من الأنحاء وعلى أي مستوى من المستويات.
في إطار هذه السياسة العامة المتناقضة بالداخل والخارج، يبدو النظام السوري من الحاضنين للمقاومة الإسلامية الفلسطينية من قبيل حركة المقاومة الإسلامية " حماس " و" الجهاد " ومن المساندين والداعمين لها، وليس الأمر في الحقيقة كذلك، ولكن الذي يبدوا أكثر وثوقا وأكثر وضوحا، ولعله الأقرب إلى الصواب والصحة أن المقاومة هي الحاضنة له، وهو المتحصن بها في هذا الوضع الإقليمي والدولي بالعالم وبالمنطقة. (يتبع)
علي شرطاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.