بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا عن العلاقات السورية الإيرانية؟ ج 5
نشر في الحوار نت يوم 05 - 04 - 2011

ومنذ الثورة، وعلى قاعدة تصدير الثورة، والقبول الذي وجدته من طرف الكثير من مكونات الحركة الإسلامية، وفي غياب طرف سياسي إقليمي عربي أو إسلامي قوي وواضح في انتمائه الإسلامي الحقيقي الأصيل يقف في وجه الهيمنة الأمريكية في المنطقة، إذا ما استثنينا تصدي الحركة الإسلامية في أفغانستان في ذلك الوقت للأمبراطورية السوفياتية، والذي كانت تنظر إليه أمريكا في ذلك الوقت بعين الرضا، وكانت داعمة لتلك الحركة وإن بطرق غير مباشرة حتى مراحله الأخيرة جدا، والصدى الذي كان للثورة في أوساط الأقليات الطائفية الشيعية في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي، أصبحت الثورة " الإسلامية " في إيران محط أنظار الكثيرين وأملهم في إنهاء الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية خصوصا. وهي التي ليس ثمة أحرص منها على إنهاء أي قوة أخرى تريد الصعود في المنطقة. وهي التي سارعت لإسقاط إمارة أفغانستان الإسلامية الفتية الناشئة. وهي التي عملت كل ما في وسعها، ولم تدخر أية وسيلة ولا أي جهد لإسقاط نظام البعث وقائده الرفيق صدام حسين. لألا يبقى لها أي منافس من المنطقة في المنطقة وفي الجوار الإسلامي. وهي المهادنة بالكامل تقريبا لتركيا ولباكستان كقوتين إقليميتين ذات طبيعة سنية في الأصل، ولكنها مازالت مطمئنة للحكم العلماني التكفيري فيهما، وهي التي يمكن أن تكون أول شريك مع أي قوة أو جهة لمنع أي إمكانية لوصول الحركة الإسلامية لسدة الحكم فيهما وإقامة نظام إسلامي حقيقي فيهما.
ولهذه الإعتبارات كلها، أخذت إيران تبحث على أن يكون لها دور سواء مباشر، أو غير مباشرة عن طريق أذرع لها في المنطقة العربية الأكثر توترا وتفجرا. وكانت الفرصة سانحة لها في جنوب لبنان حيث كان التأييد المطلق لها من قبل نسبة كبيرة من الطائفة الشيعية هناك، حيث تمت بيعة قائد الثورة " الإمام الخميني" ثم من بعده مرشد الثورة علي خامنائي، وكانت كل الظروف والعوامل سانحة لأي جهة أن تتدخل في التركيبة الطائفية في لبنان، وأن يكون لها أي دور تريده، نظرا لقيام للوضع المتفجر ودائم التفجر في ذلك الوقت هناك بسبب :
1- التركيبة الطائفية الراسخة والمقننة دستوريا للشعب اللبناني.
2- وجود المقاومة الفلسطينية هناك.
3- الإحتلال الصهيوني لجنوب لبنان بعد الإجتياح الذي انتهى بقواته سنة 1982 إلى العاصمة بيروت.
4- الحرب الأهلية المشتعل أوارها هناك.
5- غياب الدولة.
6- النفوذ الكبير الذي كان للنظام السوري قي ذلك الوقت من خلال وجود جيشه هناك، ومن خلال التنظيمات التابعة له، ولعل حركة أمل ذات التركيبة الطائفية الشيعية والطبيعة العلمانية ذات الصلة التنظيمية والسياسية بالنظام السوري كان أهمها، على قاعدة عقيدة البعث والنزعة القومية العربية بحسب السائد بالمنطقة عموما في ذلك الوقت.
كل هذه الظروف كانت سانحة لإيران لتأسيس حزب الله ورعايته ومده بكل أسباب القوة، خاصة وأن مناطق تواجده ونفوذه كانت بالجنوب حيث تمركز قوات الإحتلال الصهيوني الغازية، وحيث أن الإحتكاك به كان مباشرا ويوميا.
فبعد العناق الذي حصل بين نظام البعث العلماني القومي العربي الطائفي الذي أصبح بعد ذلك وراثي، ونظام الملالي الصفوي الطائفي المذهبي بعد الثورة الإيرانية مباشرة، والذي كان على قاعدة الصراع الذي كان قائما بين حركة الإخوان المسلمين، والعداء الذي كان مستفحلا بين نظام البعث في العراق بقيادة الرفيق صدام حسين، ما كان لسوريا أن تنازع إيران أي وجود لها في لبنان، حيث كان لها سيطرة ونفوذ كبير بعدما سمح لها الكيان الصهيوني، وبدعوة من الموارنة وقوات الكتائب ذراعهم العسكري قي الحرب الأهلية بالوجود العسكري، للمشاركة في إخراج الفلسطينيين من لبنان. والحقيقة أنه ما كان لإيران أن تصل إلى لبنان، ولا أن تؤسس منظمة حزب الله، ولا أن تجعل منه قوة على خطوط التماس مع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة لأنه، إذا فرضنا جدلا أنه بإمكان إيران أن تؤسس حزب الله، وأن يكون لها نفوذ سياسي واقتصادي واجتماعي هناك، فإنه لولا الوجود السوري على نفس الحدود مع لبنان، ولولا النفوذ السياسي والأمني والعسكري والإجتماعي، ولولا الطبيعة الطائفية للنظام، ما كان لإيران أن تجعل من حزب الله قوة عسكرية ضاربة يصبح بموجبها إلحاق هزيمتين عسكريتين محققتين كبيرتين واضحتين بالكيان الصهيوني، الذي لم تستطع الأنظمة العربية والحركات والتنظيمات المسلحة مجتمعة، وفي فترات مختلفة من وجوده بالمنطقة، أن تلحق به هزيمة واحدة. وهو الذي كان دوما يحقق عليها انتصارات كبيرة، كان يحتل فيها الأراضي التي لا يمكن أن يعيدها ولا يمكن أن تستعاد إلا بمثل ما أخذت به. وهو الذي لا يقبل بإعادتها إلا بشروطه المذلة والمهينة التي تضمن له المصالح والمنافع التي كان يريدها ويحصل عليها من خلال احتلاله لها. وهو الذي اعتاد أن يحصل من النظام العربي المهزوم والعامل بكل أسباب الهزيمة دائما أكثر مما يطلب ومما يريد، ويكون له من الشروط أكثر مما يشترط. هذا النظام الذي مكن للوجود الصهيوني، وللهيمنة والنفوذ الأمريكي، وللمشروع الغربي الصهيوني بالمنطقة عموما ومازال، هو الذي يعتبر اليوم من أهم أسباب التمكين للمشروع الصفوي الشيعي الجعفري فيها.
لم تستطع إيران أن تجعل من حزب الله قوة ضاربة إلا من خلال النظام السوري وحضوره العسكري الضارب والكاسح في الساحة اللبنانية، لأنه إذا كانت تستطيع أن تزوده من المال بكل ما يريد وبكل ما تريد وبما هو في حاجة إليه، فإنها لا تستطيع الكثير من كل ذلك لو لا النظام السوري إن لم أقل شيئا من ذلك. وليس ممكنا لها أن تزوده بمثل ما زودته وتزوده به من الأسلحة الثقيلة والنظم الصاروخية وكل ما يحتاجه من معدات وتدريب لتحقيق النصر على خامس قوة عسكرية في العالم تقريبا، وعلى أول قوة عسكرية في المنطقة، ويلحق بالمؤسسة الصهيونية أكثر من هزيمة، سواء على المستوى العسكري أو النفسي أو الإستخباراتي أو الأمني أو الإعلامي ..
فإذا كان يمكن لإيران أن تكون لها جغرافيا علاقة مباشرة مع أقليات الطائفة الشيعية في المنطقة العربية، سواء في العراق أو الكويت أو السعودية أو البحرين أو قطر أو الإمارات العربية المتحدة أو عمان أو اليمن، ..فإنه لا يمكن أن تكون لها علاقة مباشرة، وليس ممكنا لها ذلك إلا عبر سوريا، لأنه النظام الوحيد الذي وجدت أن بينها وبينه علاقة طائفية، وكان ممتنا لإيران بقبولها له، خلافا لما هو عليه الرأي الفقهي الجعفري التاريخي القاضي بتكفير الطائفة العلوية الحاكمة اليوم في سوريا. ولم تكن إيران قد فعلت ذلك إلا لمصالح ولحسابات إستراتيجية لا تتحقق لها إلا من خلال تجاوز ذلك الموقف الفقهي التاريخي، وهي صاحبة المدرسة الفقهية التي، بالإستناد إلى فهم معين للتقية خاصة عند الشيعة فيها، فإن الغاية فيها تبرر الوسيلة مطلقا تماما كما في المدرسة المثالية العلمانية الحديثة الميكيافيلية، والمدرسة الوضعية المادية الماركسية.
وما كان للنظام السوري أن يقبل بهذه العلاقة، إلا لإيمانه الراسخ بالطائفة وبالطائفية وليس بالعروبة وبالقومية العربية، وإلا للعزلة التي أصبح يعيشها في محيطه العربي بعد أن أصبح العداء مستفحلا بينه وبين نظام البعث في العراق الذي من المفروض، مرجعيا فكريا وثقافيا وقوميا عربيا، أن لا يكون هناك نظام أوثق علاقة به أكثر منه. وهو الذي كانت علاقاته فاترة ببقية الأنظمة الرجعية التقليدية بعد أن كان معاديا لها من موقع الحداثة والتقدمية، والموقف من الحرية والإشتراكية والوحدة ومن النهضة العربية.
غريب أمر هذا النظام السوري الذي جمع بين كل المتناقضات، كأمر كل النظام العربي في المنطقة العربية، وكأمر كل النخبة التقليدية اليمينية والعلمانية العربية الهجينة الدخيلة اليسارية القومية العربية منها والماركسية اللينينية وغيرها.
- فهو نظام تقدمي علماني اشتراكي
- وهو نظام قومي عربي وحدوي.
- وهو نظام طائفي أسري وراثي.
- وهو نظام معاد للكيان الصهيوني.
- وهو داعم للمقاومة في لبنان وفلسطين.
- وهو غير المعترف بها، بل المناهض لها ربما، في أفغانستان وفي باكستان وفي كشمير وفي الشيشان وفي العراق وفي الصومال...
- وهو الذي كان له وجود ونفوذ في لبنان حتى مع الوجود الصهيوني المحتل له .
- وهو الذي تم احتلال الأراضي السورية في عهده ومازالت محتلة (هضبة الجولان ومزارع شبعا التي أعلن تنازله عنها لفائدة لبنان والمقاومة في لبنان).
- وهو المانع منعا باتا لتشكل أي مقاومة سورية لتحرير تلك الأرض المغتصبة.
- وهو الذي يعتزم مساندة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين ويحتضنها، ومحسوبة عليه ومحسوبا عليها.
- وهو المانع والمحارب لها في عقر دارها.
- وهو الحليف العسكري لأمريكا والسعودية في إخراج القوات العراقية من الكويت.
- وهو المشتبك والمختلف معهما اليوم في لبنان على خلفية مسؤوليته على اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحرير ذراع السعودية في لبنان.
- وهو الحليف الإستراتيجي في المنطقة للنظام الصفوي الطائفي المذهبي في إيران.
لا أرى في كل هذا أي فائدة لسوريا وللشعب السوري المقهور والمغلوب على أمره، والذي تبقى عليه وحده كغيره من الشعوب العربية خاصة والإسلامية عامة رفع الظلم والغبن والقهر على نفسه. بل الثابت أن خسائر كثيرة وكبيرة يلحقها هذا النظام بهذه الصفة بالشعب السوري.
فإذا كانت سوريا من خلال نظامها طبعا حاضنة وداعمة للمقاومة في جنوب لبنان، فليس ذلك في الحقيقة إلا لصالح ولمصلحة إيران، لأن كل انتصارات حزب الله في لبنان محسوبة في النهاية لها إقليميا ودوليا وعسكريا وشعبيا وطائفيا ومذهبيا..وإن كان ذلك مكسبا وطنيا لبنانيا وعربيا إسلاميا كذلك، ولا أرى في ما أرى أي كبير مصلحة لسوريا وللشعب السوري في ذلك.
كان يمكن أن يحسب للنظام السوري ويكون مكسبا له، دعمه واحتضانه للمقاومة في لبنان وفي فلسطين المحتلة، لو لم تكن أرض شعبه، التي هي في النهاية أرض كل العرب والمسلمين، في الجولان ومزارع شبعا، التي أصبح الكيان الصهيوني يدافع عن حق سوريا فيها لإنهاء ذريعة وسبب مواصلة ملاحقة المقاومة له من الجنوب اللبناني، محتلة ومن نفس العدو، ولو لم يكن مانعا لانطلاق أي مقاومة من الداخل السوري لتحريرها. لأن فتح جبهة ثالثة مشروعة على العدو يكبده من الخسائر أكثر مما يتكبده من خلال جبهتين في كل من لبنان وفلسطين، وينقص من الخسائر التي يلحقها بجبهتي المقاومة الوطنية الإسلامية منها والعلمانية حين تكون ثلاث جبهات، ويمنى فيها العدو بثلاث هزائم عوض هزيمتين، ويمضي فيها من الوقت حين تكون ثلاث جبهات للمقاومة أقل منه حين تكون جبهتان فقط، ويعاد فيها الحق إلى أصحابه، بل يستعيد فيها أصحاب الحق حقوقهم بدون قيد ولا شرط، ولما لا بشروطهم.
فإذا كان النظام السوري يقوم بكل ذلك في لبنان خدمة لإيران، من خلال جعل من سوريا جسرا لها عبر حزب الله بالجنوب اللبناني، فإن علاقته بالمقاومة الفلسطينية التي أصبحت اليوم مقاومة إسلامية كذلك، لها شأن آخر ومدلول آخر.
لقد كانت علاقة النظام السوري بالمقاومة الفلسطينية مختلفة كغيره من الأنظمة العربية المختلفة حربا وسلما، ائتلافا واختلافا، مبدئيا وانتهازيا. وكان يمكن أن يكون الأمر أكثر استساغة وأكثر قبولا حين تكون علاقة النظام السوري القومي العربي العلماني بتنظيمات وفصائل وأحزاب وحركات ذات طبيعة قومية عربية أو علمانية وإن لم تكن قومية. وكان يمكن أن تكون علاقته بأنظمة علمانية من جنسه أكثر قبولا وأكثر استساغة. وهو القومي العلماني، والذي لم يكن منه كل ذلك على النحو المطلوب والممكن والواضح، وهو الذي أصبحت علاقاته، في ظل التشكل الجديد الذي انتهت إليه المنطقة، والتحولات التي شهدتها والتي لم يكن مواكبا لها ولا متأثرا بها، أكثر وثوقا وأكثر قربا، ليس من منطلق مبدئي ولكنها الإنتهازية ومن موقع المضطر إلى ذلك اضطرارا، بالتنظيمات الإسلامية، ومن منطلق طائفي بالنظام الصفوي الطائفي المذهبي الإيراني، والذي ظل محافظا فيها بالمقابل على عدائه للحركة الإسلامية المعاصرة بالداخل السوري. وقد كان ذلك على عكس ما كان عليه النظام الإيراني ذي الطبيعة "الإسلامية " الذي يسعى لتكوين وبعث وتأسيس منظمات وأحزاب وحركات وفصائل أسلامية شيعية تحديدا، وهو غير المعني في الأصل بغير ذلك، وليس معنيا في الحقيقة إلا بذلك، ويعمل على ذلك، وهو الذي يحيط نفسه اليوم بالعديد من هذه الكيانات والمكونات من الطيف الإسلامي، ولا يمانع في أن تكون له علاقات حتى ببعض التنظيمات ومكونات الحركة الإسلامية غير الشيعية، ليحصل له ما يمكن أن يحصل من أوجه الإستفادة منها ومن العلاقة بها، بما في ذلك ما يمكن أن يحصل له من إخفاء للصفة الطائفية المذهبية المثبتة بوضوح وبعبارات صريحة على صفحات الدستور الإيراني، وهي الصفة التي أصبح مدانا بها ومحسوبة عليه، دون أن يعني ذلك، وإن كان هذا ما ليس معلوما وليس واضحا، ولعله ليس موجودا أصلا، عدم القبول بعلاقات مع أي من مكونات الحركة العلمانية، سواء على أساس وخلفية طائفية أو قومية أو غير ذلك من الخلفيات والأسس إذا كان له في ذلك مصلحة، تماما كما هي العلاقة مع الأنظمة العلمانية في العالم. وهو الذي يلتقي اليوم في لبنان عبر سوريا وعبر حزب الله مع كل من له معه مصلحة من مختلف فسيفساء الطيف السياسي والطائفي. كذلك يبدو النظام السوري في شبكة التحالفات على أكثر من أساس في لبنان، وهو الذي ليس إلا خادما للمصالح الإيرانية كذلك، سواء من خلال علاقته بحزب الله أومن خلال علاقته بالنظام الإيراني.
وإذا كانت السعودية صاحبة نفوذ سياسي كذلك في لبنان من خلال ثقلها ونفوذها المالي، وإذا كانت إيران صاحبة نفوذ سياسي من خلال نفوذها الطائفي والعسكري من خلال حزب الله ومن خلال سوريا ومن خلال مكونات النسيج السياسي لها، فإن سوريا ليس لها من الأمر إلا قليلا، ولعله ليس لها منه شيئا أصلا، وأن الأمر كله ينتهي في النهاية لإيران، ولتحقيق الأهداف الإيرانية، على المدى الطويل خاصة، في المنطقة.
وإذا كان من الطبيعي احتضان النظام السوري لفصائل المقاومة العلمانية القومية واليسارية، وهي الفصائل التي خفتت أصواتها وخبا بريقها وتولت القهقرى، وهي في هزيع ليلها الأخير، فإنه من غير الطبيعي أن يكون حاضنا للمقاومة الإسلامية التي تعيش ربيع حياتها. وهي صاحبة الصولات والجولات، ومحققة الإنتصارات الحقيقية، أكثر من غيرها من مكونات حركة المقاومة العلمانية صاحبة الهزائم، سواء من خلال السلطة والجيوش النظامية أو من خارجها، وصاحبة مشروع ثقافة الهزيمة والإنهزام والتحلل والإنحلال والإحتلال. وهي صاحبة مشروع ثقافة الجهاد والشهادة والإستشهاد في سبيل الله التي هي ثقافة النصر والتحرر والتحرير وتقرير المصير.
وإذا كان صحيحا أن تاريخه هو تاريخ محاربة ومناهضة ومعاداة كل من يختلف معه سواء بالداخل أو بالخارج، سواء في المقاومة أو في المعارضة، إلا أن حربه على الحركة الإسلامية التي يقرب منها اليوم من شاء ويبعد عنها من شاء، ويعادي منها من شاء ويوالي من شاء.. ليست ككل الحروب.
وهو الذي مازال مستمرا على نهجه في قمع المعارضة العلمانية، وفي الضرب بقوة لكل ما هو إسلامي، وفي الوقت الذي يضرب فيه النظام الإيراني بقوة على أيدي كل ما هو علماني بالداخل، وكل ما هو إسلامي غير شيعي، فإن النظام السوري كان دائما يضرب كل ما هو معارضة علمانية حقيقية، وكان أشد حرصا على ضرب وبقوة أكبر على يد كل ما هو إسلامي. وإذا كان له قبول ببعض ما هو علماني مهادن وحليف ومعاضد، فإنه لا قبول له بأي إسلامي على أي نحو من الأنحاء وعلى أي مستوى من المستويات.
في إطار هذه السياسة العامة المتناقضة بالداخل والخارج، يبدو النظام السوري من الحاضنين للمقاومة الإسلامية الفلسطينية من قبيل حركة المقاومة الإسلامية " حماس " و" الجهاد " ومن المساندين والداعمين لها، وليس الأمر في الحقيقة كذلك، ولكن الذي يبدوا أكثر وثوقا وأكثر وضوحا، ولعله الأقرب إلى الصواب والصحة أن المقاومة هي الحاضنة له، وهو المتحصن بها في هذا الوضع الإقليمي والدولي بالعالم وبالمنطقة. (يتبع)
علي شرطاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.