عاجل: رئيس الجمهورية يقرر حلّ شركة الاتّصالية للخدمات وانتداب أعوانها    99 يوم توريد.. احتياطي تونس من العملة الصعبة    دولة إفريقية تعلن عن "ذبح الفيلة".. وتوزيع لحومها    ترامب: الرئيس الصيني "عنيد للغاية"    الحرب على غزة... خسائر جديدة للاحتلال بالقطاع ومجازر بحق المجوّعين    اليوم نهائي بطولة الرابطة الثانية بين مستقبل المرسى و الشبيبة القيروانية    طقس اليوم...تواصل ارتفاع الحرارة لتصل إلى هذه المعدلات    طقس الاربعاء: الحرارة تصل الى 39 درجة بهذه المناطق    طقس الأربعاء : تواصل إرتفاع درجات الحرارة    انطلاق حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى في يوم التروية...تفاصيل هذا الركن    عملية زرع كبد ناجحة في مستشفى فطومة بورقيبة بالمنستير    بن عروس : المصالح الطبية البيطرية تواصل برنامجها الميداني للمراقبة الصحية للاضاحي    نتنياهو: الثمن الذي ندفعه في الحرب باهظ    اشتكته فاطمة المسدي .. 37 سنة سجنا في حقّ شاب    آخر جوائزها من غزّة ... وداعا... سيدة المسرح سميحة أيوب    وزير الخارجية يسلم الرئيس الفنلندي دعوة من رئيس الجمهورية لزيارة تونس    تفكيك شبكة لبيع أدوات الكترونية للغش في البكالوريا    رئاسة الحكومة تحدّد عطلة العيد    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزير الدفاع؟    برنامج استثنائي للنقل    حذاري من حجر الأساس للتطبيع مع الصهيونية    المعهد الفرنسي بتونس ينظم قراءة شعرية لمجموعة "فلسطين متشظية"    عاجل/ غزة: استشهاد العشرات في إطلاق نار قرب مركز لتوزيع المساعدات    عاجل: فريق من البياطرة على ذمة المواطنين يوم العيد: التفاصيل    رابطة حقوق الإنسان تستنكر الجريمة "الشنيعة" التي أودت بحياة مهاجر تونسي جنوب فرنسا    نابل.. حركة بطيئة في أسواق الأضاحي وسط تذمر من غلاء الأسعار    صفاقس.. لحم الخروف ب68 دينارا و البلدية تشن حملة على" الجزارة"    معهد تونس للفلسفة يصدر مرجعا بيبليوغرافيا لفائدة المختصين    في ندوة دولية حول مكافحة الفساد في الرياضة: سوء التصرف المالي صلب الجامعات والجمعيات والتلاعب بالنتائج ابرز تجليات الفساد الرياضي في تونس    ''يجيش لبالك فوائد العظم المصموط في فطور الصباح''... تعرف عليها    عطلة بيومين بمناسبة عيد الإضحى    ''علاش ما هوش باهي'' تنظيف المنزل في يوم عرفة؟ تعرف على السر وراء هذه العادة التونسية    متى يكون الوقت المثالي لشواء لحم العيد؟ دليل ونصائح للتونسيين    وزارة التربية تتابع ظروف سير الامتحان في يومه الثاني    دراسة جديدة.. الطريق لعلاج أوجاع الركبة يبدأ من الأذن    بشرى سارة لمتساكني هذه الجهة: افتتاح نقطة لبيع الموز المورد والسكر المدعم بهذه السوق..    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني يرتقي في الترتيب العالمي    كيريوس ينسحب من بطولة ويمبلدون بسبب الإصابة    عاجل/ العثور على جثة طفلة عمرها 5 سنوات متفحّمة داخل كومة تبن..    بعد الانتصار على بوركينا فاسو... المنتخب التونسي يحقق تقدمًا جديدًا في ترتيب الفيفا    الدورة الثامنة للمعرض الدولي لزيت الزيتون من 12 الى 15 جوان الجاري بسوسة    هل يجوز صيام يوم العيد؟    هذا موضوع التفكير الإسلامي في باك الآداب 2025    في المحرس: افتتاح معرض سهيلة عروس في رواق يوسف الرقيق    هام/ الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تقدم جملة من التوصيات الوقائية لضمان سلامة الأضاحي..    تنفس... ركّز... وأقرى مليح!    مجزرة جديدة قرب مركز مساعدات برفح ومقتل 3 جنود شمالا    ياسين القنيشي يحرز فضية مسابقة دفع الجلة لفئة في ملتقى باريس لألعاب القوى    عبد السلام العيوني يحطم رقمه الشخصي في ملتقى باريس لألعاب القوى    خطير/ دراسة تحذّر: "الخبز الأبيض يسبّب السرطان"..    مبادرة إنسانية في جبنيانة: سائق نقل ريفي يرافق تلاميذ البكالوريا مجانًا    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب تركيا قبالة سواحل مرمريس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة برئيسة الحكومة..    كأس العالم للأندية: تشلسي يدعّم صفوفه بالبرتغالي إيسوغو    جريمة قتل تونسي في فرنسا: وزارة الداخلية تصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    أغنية "يا مسهرني" تورطه.. بلاغ للنائب العام المصري ضد محمود الليثي    أولا وأخيرا .. من بنزرت لبن قردان    المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي يفوز بجائزة العويس الثقافية    









تحاليل الشروق : بين الجبالي والمرزوقي - الزواج المتعثر والطلاق الصعب
نشر في الشروق يوم 05 - 07 - 2012

برغم ما يلف المشهد من ضبابية وغموض وتداخل فان الصورة تكاد تكون واضحة بخصوص تجاذب وصراع بين رأسي السلطة التنفيذية أي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.

الصراع لم يعد خافيا بل ظهر مؤخرا إلى العلن على خلفية عدد من الوقائع التي أثبتت أنّ مواجهة مفتوحة قد اندلعت بين السيدين منصف المرزوقي وحمادي الجبالي، مواجهة يحضر فيها الماضي والحاضر والإعداد كذلك للمستقبل، كما يحضر فيها أيضا نزاع الصلاحيات والسعي للحضور الإعلامي والسياسي.

بات واضحا اليوم الاختلاف بين الرجلين في طريقة التعاطي مع الملفات المطروحة والنظر إلى صيغ إدارة شؤون البلاد ، والغريب أنّ ذلك يحدث على الرغم من وجود قانون منظم للسط العموميّة جرى التفاوض بشأنه بين أطراف الترويكا مباشرة إثر انتخابات 23 أكتوبر قبل أن يُصادق عليه المجلس الوطني التأسيسي ويقع اعتماده بصفة رسميّة لإدارة الحكم خلال هذه المرحلة الانتقاليّة الثانية.

لكن ليس الخلاف حول الصلاحيات الذي فجّرته عملية تسليم البغدادي المحمودي للسلطات الليبيّة والتباين بخصوص إقالة محافظ البنك المركزي والتسرّع في خصوص ما بات يُعرف بمنح الحريات الخمس للمغاربيين، ليس ذلك الخلاف وحده الّذي يميّز الرجلين بل هناك عدّة مسائل أخرى ألقت شيئا فشيئا بظلالها على حالة التباعد بينهما في النظرة إلى أولويات الحياة الوطنية واستحقاقات المرحلة القادمة.

أسلوب عمل ومنهجيتان

السيّد حمّادي الجبالي يتحرّك منذ توليه مسؤوليّة رئاسة الحكومة وكأنّه غير معني بالوضع القانوني الّذي تدور فيه العملية السياسية في البلاد (أي الوضع الانتقالي) وهو ينشط في إطار هادئ ويعمل على أن يُحقّق أشياء ما في الواقع بما ينفع الناس وبما يخدم أهداف الثورة دونما ارتجال أو ارتماء في المجهول.

كلّ المصادر ومنها تصريحاته الصحفيّة الأخيرة تؤكّد أنّ الجبالي في طريقه إلى أن يكون فوق الحسابات الحزبيّة والشخصيّة الضيّقة بما فيها تلك الّتي تهمّ حزبه أي حركة النهضة، وبدا وكأنّه وعبر أسلوب عمله وانفتاحه على قطاعات وفئات واسعة من النخب والسياسيين والفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين أقرب إلى أن يكون رجل الدولة لا رجل الحزب أو المناضل السياسي.

واتّضح من خلال إصراره على أنّه لم يرتكب أيّ خطإ أو زلّة في ملف البغدادي المحمودي أنّه سائر في ذلك الأسلوب الّذي يوفّر له الاحترام حينما أشار في المجلس الوطني التأسيسي إلى أنّه مارس صلاحياته ولم يتعدّ على أحد كما أنّه خيّر الصمت تجاه بعض المسائل الّتي قدّر العديدون أنّها على صلة بالأمن القومي وهيبة الدولة ، وأيضا حينما أشار بنفس المناسبة إلى أنّ هناك فرق بين العمل الحكومي وشؤون الترويكا والعلاقة بين مكوّناتها.

في المقابل بات السيّد المنصف المرزوقي أكثر نفعيّة وبحثا عن وهج إعلامي وسياسي يوفّر له رصيدا يضمن له ربح الانتخابات القادمة ومواصلة رئاسة البلاد ، لكنّ الرجل ظهر مرتبكا ومتذبذبا حينما تجاوز ما يمنحه قانون تنظيم السلط العموميّة من صلاحيات محدّدة ومحدودة بل أيضا حينما بدا وكأنّه يبحث لنفسه ولمؤسّسته عن صلاحيات وأدوار جديدة ومنها على سبيل الذكر الملف الاقتصادي حيث أحاط نفسه بمستشارين اقتصاديين واجتماعيين والحال أنّ القانون لا يمنحه شيئا في هذا الباب على الإطلاق هذا إضافة إلى ما يقوم به من زيارات وعروض مسرحيّة وتحركات أقرب إلى «الشعبويّة» منها إلى هيبة مؤسّسة الرئاسة.

إطار متجانس و«حاشية» مشتّتة

البعض يحمّل رئيس الدولة المسؤوليّة في ما آلت إليه أوضاعه وما لحق صورته من اهتزاز لدى قطاعات واسعة من الرأي العام المحلّي والدولي ، فمؤسّسة الرئاسة أصبحت وكأنّها سفينة بلا ربّان وأنّ حاشية الرئيس متنافرة وغير منسجمة ليس فقط في ما بينها بل أيضا مع رؤى الرئيس وتوجهاته ممّا أحدث العديد من الشروخ والمطبات من تصريحات واستقالات وانسحابات وأخطاء متتالية من هذا المستشار أو ذاك، هذا دون أن ننسى «بيع القصور الرئاسيّة» و«البرنوس» و«المظلة»....
أيّة نصيحة تلقّاها السيّد الرئيس من مستشاريه عندما فعل ما فعل» بخصوص ملف البغدادي المحمودي أو في ما ينوي على الأرجح فعله في خصوص ملف محافظ البنك المركزي؟ على الرغم ممّا في الملفين من حساسيّة وأهميّة بالغة ليس فقط على صورته هو بل على هيبة مؤسسات الدولة وعلى حالة الإئتلاف الحاكم.

يرى العديدون أنّ المرزوقي أضحى مسكونا بهاجس «كرسي الرئاسة» أكثر من أيّ شيء آخر وأنّ مسعاه منذ تولّيه المنصب هو البحث عن أضواء وكسب نقاط يُمكن أن تُطيل مدّة جلوسه على ذلك الكرسي وتمنحه آمالا إضافيّة في الفوز في الانتخابات القادمة والتي رشّحه لها أحد أقرب مستشاريه والحال أنّ تلك الانتخابات ما تزال في طيّ المجهول بل إنّ النظام السياسي الّذي ستدور وفقه تلك الانتخابات لم تتحدّد بعد ملامحه.

والسؤال الّذي يُطرح في هذا الصدد هو :هل ندم «المرزوقي» على رئاسة دون صلاحيات؟.

في المقابل يبدو أنّ رئيس الحكومة قد توفّر على فريق حكومي متجانس ومتقارب في الرؤى والتصورّات ومنضبط لنواميس العمل الحكومي ، فعدا استقالة الأمين العام لحزب الرئيس محمّد عبّو والتي رآها البعض «ضربة من المرزوقي للجبالي» ، عدا ذلك يسير الفريق الحكومي في توافق ويبدو أنّ أسلوب عمل الجبالي قد وفّر قدرا من الثقة للوزراء وكتّاب الدولة للتحرّك والعمل ومنحهم فرصا حقيقيّة للانجاز بعيدا عن ما يُقال في هذا المكان أو ذاك، بل أنّ رئيس الحكومة أوضح أنّ قرارات حكومته تتّخذ بالتشاور المعمّق وإن حصل اختلاف فبالأغلبيّة.

يتحكّم الجبالي كما يجب في قصر الحكومة بالقصبة بينما لا يتحكّم المرزوقي في كلّ ما يدور في قصر قرطاج وتلك إحدى الفروقات بين رجيلن أحدهما ممسك بزمام أموره وآخر منفلتة عنه الكثير من الملفات والقضايا.

رئيس الحكومة قراراته ثابتة ومدروسة وناجزة وقليل الظهور، ورئيس دولة قراراته مضطربة متداخلة ومهزوزة وكثير الظهور.

إسناد وغياب إسناد

ميزة أخرى تضع الرجلين على طرفي نقيض، بين رئيس حكومة مسنود بحركة جماهيريّة واسعة ومهيكلة (حركة النهضة) توفّر له السند والمعونة في كلّ وقت وتحمي قراراته وتسعى إلى التضامن الكامل مع خياراته وتوجهات حكومته بل مرات تسبقه بأن توفّر وتجهّز له الأرضية الملائمة لاتخاذ القرار، وبين رئيس دولة يتضّح من يوم إلى آخر أنّه اصبح «بلا سند» وأنّ ظهره معرّض لكلّ الضربات والهجمات ليس فقط من معارضيه ومنافسيه بل أيضا من أقرب الناس إليه بل من أناس هو من ساهم في «صناعتهم» وضمن لهم ولوج باب السياسة من الباب الكبير ، فمبدأ «التضامن» المفقود في قصر قرطاج مفقود أيضا داخل «حزب الرئيس» الّذي أكلته الخلافات ونخرته الصراعات والاتهامات وأضحى يمثّل ثقلا كبيرا على السيّد المرزوقي ، فهذا الحزب الّذي أوصله إلى ما هو فيه اليوم هو نفس الحزب الّذي بدأ «يحفر» له قبر نهايته أو مطبات فشله.

الفرق بيّن وواضح بين شخص غادر جبّته الحزبيّة أو يكاد وبين رجل ما يزال حزبهُ «يحلم» بالنقاوة الثوريّة ويستهدف قطع رموز الماضي واستعمال الغضب الشعبي تماما كما عمل على ذلك قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 بشكل يوحي وكأنّ الرئيس والمقربين منه في حزب المؤتمر أو حتّى أولئك الّذين انشقّوا عنه ( كتلة وفاء) لا يرون مستقبلهم خارج عبارات فلول النظام السابق وأزلامه والقطع مع الماضي والتشكيك في المعارضين وحتّى «الشركاء» .

الجبالي تشعر انه ثابت في قراراته وأنّ وراءه جهاز (حركة النهضة) وهو يمثله ويتحمّل تبعات اختياراته دون أن يكون رهينة بين يديه إلى درجة تبدو وكأنّ الرجل على غاية من الانسجام مع ذلك الجهاز ، في الضفة الأخرى نكاد نرى رئيسا دون «جهاز» لا حزبي ولا إعلامي.

يبدو رئيس الحكومة أكثر وضوحا في أسلوب عمله وتوجهاته وقراءاته لمتطلبات الحاضر مستشرفا آفاق المستقبل بشكل جيّد، ويبدو أيضا أنّ «بيت القصيد» في المواجهة بين الرئاستين تصبّ في خانة التحضير للمرحلة المقبلة بين رؤية ترمي إلى التأسيس لنظام سياسي برلماني تكون فيه أغلب الصلاحيات التنفيذيّة بيد رئيس الحكومة ورؤية أخرى تسعى إلى فرض تعديل في ذلك التوجّه نحو نظام سياسي رئاسي تكون فيه لرئيس الدولة البعض من الصلاحيات تتجاوز ما هو موجود في نظام السلط المؤقتة المعتمد حاليّا.

المواجهة إذن قائمة وهي تجري بين من يفكّر في أنّه «وقتي» وعليه استعجال الأمور والأحداث لربح البعض من المكاسب والأنصار والمؤيدين وبين من يعمل وكأنّه يملك «سلطة دائمة» ، فالجبالي مطمئن لتوجه حركة لنهضة نحو نظام برلماني يضمن لها البقاء في السلطة وتنفيذ برامجها والمرزوقي يسعى لتغليب نظام سياسي مختلف (رئاسي معدل) يجد فيه صلاحيات أوسع ممّا هو بين يديه اليوم.
...حتّى في الملامح

قد لا تقفُ أوجه المقارنة بين هذه المقابلة أو «المواجهة» بين السيدين منصف المرزوقي وحمادي الجبالي، فحتى ملامح الرجلين الظاهرة تبدو متمايزة بين ملمح ضاحك وباسم في جلّ الأوقات حتّى تلك العصيبة والصعبة منها وبين ملمح جامد مضطرب فيه الكثير من التخوّف والتشكيك وغياب الثقة، هذا في الظاهر فما بالك في المخفيّ والمستور الّذي يجري بعيدا عن الأنظار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.