هو مثل «لحمة الكرومة متاكلة ومذمومة», فالبعض بوأه مكانة مرموقة في منظومة الاعلام بمختلف انواعه والبعض الاخر همش دوره وجعله عجلة خامسة لا جدوى منها ولا تستعمل الا في الحالات الاستعجالية لذر الرماد على الاعين او لملء فراغ او لقضاء امر ما.. ولكن مع ذلك فقد استطاع الاعلام الجهوي في بلادنا ان ينحت لنفسه موقعا بارزا وعاليا في سماء الاعلام الوطني وربما بات السلطة الرابعة ان لم يتجاوزها في العديد من الاحيان والمناسبات, مؤثرا بحق في مختلف جهات البلاد متجاوزا بذلك بقية اشكال الاعلام وتصنيفاته من نوع اعلام «المركز او العاصمة» والذي كثيرا ما سقط في فخ الرتابة والاجترار من نوع «البايت والمسخن» هذا الاعلام الجهوي الذي يقوده ربما اعلاميون وصحافيون مختصون ومحترفون وربما غير ذلك من عامة الناس من المتعاونين الموهوبين الذين علمتهم «الغصرات» و«التجارب» الصحفية كل فنون الاعلام حتى باتوا احد العناوين الاعلامية البارزة في المشهد الصحفي...ليس بمعزل عن جملة التجاذبات والمخاض الذي يعيشه الاعلام التونسي هذه الايام بين ناقد ومنتقد وبين مهادن واخر مهنئ او مشجع لأدائه ودوره واهدافه... وكل ذلك جميل جدا ومطلوب لأنه في الاخير لا يصح الا الصحيح ولا يبقى الا غير الاقوى والامتن والاحسن في مجال لا بد من الاعتراف علنا برداءته السابقة ان لم نصفه بأوصاف «ركيكة» اخرى بمثل مستواه السابق, لكن يبقى هذا الاعلام الجهوي في حاجة اكيدة للتعريف الدقيق لماهيته واهدافه وادواره وبالأخص للأدوات العملية والعلمية المطلوبة من اجل قيامه بذلك الدور المنوط بعهدته على احسن وجه... هذا الدور الذي لازال غير صريح بين انارة السبيل او دق الطبل بمعنى بين الاعلام لمجرد الاعلام او البحث والتحليل ونفض الغبار والحديث بصراحة دون مساحيق عن مكامن الخلل وطرق العلاج والاصلاح او العودة لسياسة «السماء زرقاء والطيور تزقزق والامور عال العال و«ابتسم انك في تونس» ومن يقول غير ذلك او يتجرأ على مخالفة تلك السياسة العقيمة فهو مذنب ومغرض وهي بحق معادلة صعبة بالتأكيد وتتطلب رباطة جأش وقوة اعصاب ومثابرة وبالأخص تأهيلا شاملا لفرسان هذا العالم الاعلامي الذي شئنا ام ابينا قد تمكن من نقش مكانته الاساسية لا الاحتياطية مثلما كان سابقا في صخر المشهد الاعلامي التونسي, وما على اسرته اولا ودون سواهم سوى النضال من اجل ذلك لان التميز وخاصة الحرية لا تعطى ولكنها تنتزع... ثم اعتقد جازما ان كل اعلامي جهوي عليه ضرورة ان يتحلى بصفة الفرسان ومنها الشجاعة وعدم الرهبة او الخوف من ردة فعل ولا قول هذا المسؤول او ذاك ما دام تعاطيه مع المجال في اطار «الخبر مقدس والتعليق حر» فوداعا لفيتو السيد المعتمد والسيد الوالي والسيد الوزير والسيد فلان والسيد علان مثلما حدث سابقا... ومع هذه المساحة الحرة تبقى بكل تأكيد مسألة الاخلاق الصحفية هي الفيصل في نجاح الاعلام الجهوي في اداء مهامه سواء في دق الطبل او انارة السبيل... ولنا عودة.