تعيشُ الحياة السياسية في بلادنا دونما شكّ تجربة ديمقراطية وليدة وحديثة ، ومنطق التجربة أو التجريب (بما فيهما من إمكانية للخطأ والصواب) يبقيان بحسب العديدين المدخل الوحيد لقراءة وتحليل ما نحياه من أحداث ومستجدات. ان حداثة التجربة الديمقراطية والتي يُعبّر عنها الجميع اليوم بمرحلة الانتقال الديمقراطي لا تقطعُ مع إمكانية الوقوع في الخطأ لكن يظل السؤال الأهم مدى قدرة الفاعلين السياسيين على تدارك مثل تلك الأخطاء وتصويب الاختيارات والتوجهات والمواقف نحو الأفضل والأحسن.
فحتى في العلوم الصحيحة يحتاجُ الباحث إلى قدر من التجريب والاختبار حتى يصل إلى مبتغاه - والذي يبقى على الرغم من ذلك قابلا للمراكمة والتطوير- فما بالك بتجربة سياسية لا تخضعُ ضرورة إلى نواميس العلوم الصحيحة وبها العديد من الأوجه والفرضيات وتحتملُ قدرا واسعا من النسبية ومن إمكانية الخطأ في تقدير الأوضاع وقراءة المواقف ووضع البرامج واستنباط الحلول.
لقد عاشت بلادنا ولعقود طويلة حالة من الفقر الديمقراطي وربما من باب تحميل المشهد أكثر من طاقته أن نُقارب حياتنا السياسية اليوم بمعايير الديمقراطية الكاملة أي على مقاس التجارب الديمقراطية العريقة في العالم حيث تنضبطُ السلطة والمعارضة إلى قواعد اللعبة الديمقراطيّة دونما ضجيج ودونما الوقوع في مطب المؤامرات أو الصدامات العنيفة أو تعطيل شؤون الناس وسير دواليب الدولة.
ان طبيعة المرحلة السياسية في بلادنا وهي مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية تقتضي قدرا كبيرا من التواضع والابتعاد عن مختلف سلوكات الغرور والمكابرة وتجنّب المواقف الحدّية والقرارات القاطعة والجازمة.
ومن تلك الزاوية ، ليس عيبا أن يعترف فاعل سياسيّ في تونس اليوم بوقوعه في سوء تقدير أو اتخاذه موقفا غير صائب أو اعتماده قرارا أو إجراء خاطئا ، بل العيب في انتهاج الطريق المُعاكس والتمسك بما هو من نتاج طبيعيّ وممكن للتجربة الوليدة والتدرّب على الممارسة الديمقراطية والسياسية.
عيب الحياة السياسيّة في تونس اليوم هو «توهّم» العدد الأكبر من الفاعلين السياسيين بل وإصرارهم على أنّهم فوق الخطأ وحتى وإن اعترف البعض بأنّ البلاد تعيشُ تجريب ديمقراطي ودربة على الديمقراطيّة فإنّهم يتجنبون الاعتراف بالخطأ ويتخلون عن شجاعة إصلاح ذلك الخطأ وتصويبه.
إنّ القفز على معطى التجربة أو التجريب والدربة على الديمقراطيّة وعدم الاعتراف بالخطأ وعدم الإقدام على إصلاحه بالجرأة والشجاعة المطلوبتين يُحوّل ذلك الأمر إلى خطيئة تُعمّق أزمات البلاد وتُعفّنُ أوضاعها وتُطيل أمد مرحلة الانتقال الديمقراطي وتؤجّل الممارسة الديمقراطيّة إلى أفق بعيد.