يمكن القول ان الخطاب القصير الذي توجّه به رئيس الجمهورية المؤقت يوم أمس إلى التونسيين، هو خطاب لتطمين النّفس أولا، فقد بدت لغته وكأنها موجهة لذات الشخص الذي ألقاها قبل أن تكون موجهة للجمهور. ولا شك ان هذا الخطاب لم يأت بجديد فكل المواقف التي تخللته إما هي ترديد لمواقف معروفة وشعارات قديمة أو لمواقف منتظرة سبق أن أكدتها التحاليل الاعلامية والسياسية على غرار الموقف من تضارب وجهات النظر بين الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة في قضية السيد البغدادي المحمودي على أن اللافت للنظر أيضا هو سعي الأطراف الحاكمة المؤقتة كلما واجهتها الهروب بدرجة أولى من فعلها إلى استدعاء الماضي، واستجلاب القديم، وتعليق شماعة الفشل على طرف أصبح هلاميا ولا وجود له، وهو ما يعكس الهروب إلى الأمام في تبرير أصبح غير مقنع.
فلا بدّ لكل طرف أن يتحمّل بشجاعة تبعات مواقفه، ونتائج سياساته عوض الاتكاء عن مبرّرات سهلة الترديد، وعلى أسباب أصبحت مستهلكة من كثرة ترديدها، ولعلّ السؤال الذي يلقى في هذا الصدد خاص بالغاية من هذا الخطاب فإذا كان الهدف هو الاقرار بوجود أزمة انطلقت بتسليم رئيس وزراء ليبيا السابق وأثبتت وجود صراع حقيقي بين أطراف الحكم، تستوجب تحديد صلاحيات كل طرف، أو ان الخاسر الأول في هذه المسألة هو رئيس الجمهورية الذي لم يعلم حسب قوله بالقرار، فكيف لخطاب أن يؤكد بعد هذا الاقرار أن يؤكد شيئا مخالفا وهو ان نتجاوز الأزمة والحال ان موضوع الصلاحيات مازال مطروحا.
وما لم يقله الرئيس المؤقت هو انه متشبث بموقعه لأنه يمكّنه من: 1) النفاذ إلى الجماهير الواسعة. 2) استثمار الدعوة إلى القطع مع الماضي وبروزه كرمز لثورة قامت ضدّ الماضي واستغلال ثورة الشباب كمطية للمستقبل.
3) التموقع في دينامية منتظرة ستتيحها الاستحقاقات السياسية القادمة، والبروز كفاعل يؤثر على الواقع الراهن من ذلك اقتراحه لأجندة تتضمن تواريخ معينة للانتهاء من كتابة الدستور أو للبدء في الانتخابات. والواضح ان الرئيس المؤقت يريد أن يعطي لنفسه القدرة على الامساك بالعديد من خيوط السلطة حتى يكون قادرا على التأثير في الجدل الذي سيقوم قريبا والمتعلق بتحديد شكل النظام السياسي الذي يريده رئاسيا معدّلا.