تساؤلات عديدة عن الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها الرئيس السابق لهيئة إصلاح الإعلام كمال العبيدي بحل الهيئة، العبيدي برّر ذلك بأنه رد فعل على تجاهل الحكومة لأنشطة الهيئة وتقريرها وعدم تفعيلها للمرسومين عدد 115 و 116 بالإضافة إلى التعيينات في مؤسسات الإعلام العمومي، متهما إياها بالسعي إلى السيطرة على الإعلام لتضمن فوز النهضة بالانتخابات القادمة. الحكومة ردت ببيان أوضحت فيه انفتاحها على الهيئة وتفاعلها الإيجابي معها. وأكدت الاتفاق مع رئيس الهيئة السابق على ان يكون تقرير الهيئة مدخلا للمرحلة الثانية من الاستشارة الوطنية حول الإعلام، متجاهلة بذلك كل الانتقادات الموجهة إلى التقرير بالسطحية وتصفية الحسابات الشخصية واستهداف بعض الأطراف والأسماء. وهو ما يؤكد انها تعاملت مع كمال العبيدي بجدية وحسن نية وانفتاح.
ولم تفوت الحكومة الفرصة لتؤكد في بيانها أنها «تجتهد في تصريف مجال التعبير وإدارة مناخ الحرية رغم عدم توفرها على غطاء إعلامي يمثل جسر التواصل مع الشعب عكس ما يحصل في جميع الأنظمة الانتقالية والمجتمعات الديمقراطية العريقة ممّا جعل المشهد الإعلامي أحاديا ذا رأي واحد أشبه ما يكون بالمشهد الإعلامي في ظل الديكتاتورية ولكن في اتجاه معاداة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا. «مشيرة الى الدور الذي تلعبه بعض الهيئات المعنية بحرية الإعلام في الدفاع» المستميت عن أحادية المشهد الإعلامي متجاوزة في ذلك الحدود الوطنية إلى محاولة تكميم المؤسسات الإعلامية التي دفعتها سياسات الهيئة العليا المنحازة إلى البث من خارج البلاد بعد حرمانها بغير وجه حق من الترخيص.
رد الحكومة كان واضحا واظهر بجلاء جديتها في التعاطي مع هيئة إصلاح الإعلام دون أن يمنع ذلك الحكومة الشرعية من ممارسة مهامها وصلاحياتها ، والمجلس الوطني التأسيسي من إبداء الرأي في المراسيم الصادرة قبل الانتخابات ومنها المرسومان 115 و 116 اللذان كانا محل جدال بين الأطراف المعنية إضافة إلى التساؤل عن سر التعجيل بإصدارهما قبل مغادرة فؤاد المبزع والباجي قايد السبسي الحكم على غرار مراسيم أخرى منها سقوط جريمة التعذيب بالتقادم.
مؤشرات عديدة تدل على أنّ الخطوة التي قام بها كمال العبيدي ليست عفوية أو رد فعل على مواقف الحكومة التي لم تظهر أية نزعة عدائية تجاه الهيئة تبرر هذا التصعيد المجاني والفجئي، خاصة بعد اعتراف رئيس الحكومة بأخطاء الاستشارة الأولى حول الإعلام وإعلان الحكومة استعدادها لجعل تقرير الهيئة مدار الاستشارة الثانية المرتقبة وتأكيداتها بعدم رغبتها في السيطرة على الإعلام، فقد تزامن حل الهيئة مع « تهجم» كمال العبيدي على قناة الزيتونة مصرا على وصفها بالمقربة من حركة النهضة، معتبرا حوارها مع البغدادي المحمودي تكريسا للأساليب البوليسية المتنافية مع حقوق الإنسان.
والغريب ان العبيدي لم يحرك ساكنا حين بثت التلفزة الوطنية اعترافات معتقلين تونسيين في السجون السورية، كانت مظاهر التعذيب والرعب بادية عليهم واعتبرت دليلا كافيا على ضلوعهم في الإرهاب ، وهي المشاهد الّتي لم تكن خارجة عن سياقات التجاذب السياسي في بلادنا والتوظيف الإعلامي المخجل خاصة أنّ تلك المشاهد منقولة عن الشبكات الإجتماعيّة (بما فيها من لبس) ولم يقم بانجازها فريق تلفزي وطني.
وهو ما يطرح سؤالا عن المعايير التي يعتمدها الناشط الحقوقي المعروف في تقييم مدى احترام حقوق الإنسان؟ وعن سرعة التهجم على القناة وكأنه يرسل إشارة واضحة عن رغبته في التخلص من موقعه «شبه الرسمي» ليلعب أدوارا قد تكون موجهة سياسيا ضد أطراف معينة؟
كما تزامن قرار حل هيئة إصلاح الإعلام مع سلسلة من التعيينات الجديدة في قطاع الإعلام العمومي مسّت عددا هامّا من المواقع ، وهي التعيينات التي لقيت صدى إيجابيا داخل العاملين في المؤسسات المعنية وفي أوساط الصحافيين ، ذلك أنّها مكّنت عددا من الكفاءات الشابة والمهنيّة من تولّي مسؤوليات مهمّة في مثل هذه الفترة الانتقاليّة الحسّاسة، فهل أفحمت تلك التعيينات التي لم تخضع لمحاصصة سياسيّة أو حزبيّة الهيئة أم أنّ الهيئة كانت تنتظر شيئا مّا في تلك التعيينات؟.
ما يثير المزيد من «الشكوك» حول موقف كمال العبيدي هو بداية تغير مواقف منظمات غير حكومية أجنبية مثل «مراسلون بلا حدود» و«هيومن رايتس ووتش» من الشأن التونسي وفي اتجاه واحد هو التعبئة والحشد ضد الأغلبية الحاكمة، واحتمال صدور تقارير في الفترة القادمة عن الحريات في تونس تعمل بعض الأطراف ومنها المرتبطة بالنظام السابق على ان تكون سلبية لإحراج الحكومة أمام الرأي العام الدولي في باب الحريات العامة وخاصة منها حريّة التعبير.
حل الهيئة في كل الحالات خطوة سلبية لا تخدم إصلاح الإعلام، وقد تكون من جهة أخرى خطوة استباقية للحيلولة دون تقييم نشاطها منذ تعيينها من قبل الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي، خاصة ان أداءها لم يكن محل إجماع من الأطراف المعنية بالشأن الإعلامي من مهنيين ونقابات وأن مواقف رئيسها بالذات بخصوص مقترحات التعيينات او بتدخله لتسوية الوضعية الإدارية لبعض المقربين منه أثارت عديد المخاوف من نيتها في لعب دور شخصيات كانت لها صولات وجولات في الإعلام قبل الثورة بالخصوص.