بعد 10 أيام على قرار رئيس الدولة إقالته من منصبه، وقبل ان يبت المجلس التأسيسي في الموضوع، قرّر محافظ البنك المركزي الخروج عن صمته للحديث في لقاء بالصحفيين عما حصل واصفا إياه بالخطير.. شأنه شأن عامة الشعب التونسي، يجهل إلى حد الآن السيد مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي على حد قوله الأسباب الحقيقية التي أدت برئيس الجمهورية إلى اتخاذ قرار إقالته بمثل تلك الطريقة وفي هذا التوقيت بالذات . فقرار الإقالة على حد قوله لم يكن مرفوقا بتفسير واضح ولم تسبقه أية خطوة من رئاسة الجمهورية أو من رئاسة الحكومة تنبه المحافظ إلى خطإ ارتكبه أو تجاوز حصل من جانبه وتعطيه فرصة للإجابة وهو ما لا يستقيم في بلد به نظام قائم و حوكمة رشيدة.
اصرار المرزوقي
بالنسبة لعلاقته برئيس الجمهورية منصف المرزوقي قال كمال النابلي «ليست لي معه مشاكل شخصية، بل ليست لي أية معرفة شخصية به لأتمكّن من معرفة رأيه و مواقفه من البنك المركزي، كلّ ما رأيته هو الإصرار من بعيد عن إقالة المحافظ لأسباب مجهولة». ومضى النابلي قائلا «لم ألتق به إلى حد الآن رغم أني طلبت ذلك في مارس الماضي بمناسبة اعداد تقرير حول القوائم المالية لسنة 2011، حيث يفرض عليّ القانون ضرورة تقديم هذا التقرير لرئيس الجمهورية، لكنه رفض مقابلتي واعدت الكرة مرة ثانية دون نتيجة ودون أن أعرف السبب. كما سأتقدم له بالطلب نفسه خلال اليومين القادمين لأقدم له التقرير السنوي لنشاط البنك المركزي وفق ما يقتضيه القانون أيضا...
«صافية» مع الجبالي
قال النابلي من جهة أخرى إنه تناقش حول قرار إقالته بكل شفافية مع حمادي الجبالي وعبر له هذا الاخير عن قرار الحكومة إحالة المسألة للمجلس التأسيسي للبت فيها وبالتالي فهي لم تتخذ اي موقف من قرار المرزوقي. وبالنسبة لما يُتهم به النابلي من غياب للنقاش والتنسيق مع الحكومة حول السياسة النقدية والمالية للبلاد، قال إنها تعود فقط إلى مجرد سوء فهم وقع تجاوزه وليس اختلافا صريحا وواضحا في التوجهات، وأضاف ان الحكومة وضحت ذلك أكثر من مرة. وأوضح أن ما يقوم به البنك المركزي هو تحليل الوضع الاقتصادي لإطلاع الرأي العام ولتعليل قرارات البنك وقد يكون هناك بعض الاختلاف في تحليل الوضع بين الحكومة والبنك المركزي ونحن نعتبر أنّ ذلك ميزة إيجابية لإثراء النقاش و الرّقي بالقرار.
لن أستقيل
أكد النابلي أن قرار إقالته أحيل أول أمس على المجلس التأسيسي ولا بد من انتظار مصادقته عليه بأغلبية الحاضرين في ظرف 15 يوما «عندئذ لا مفر من الانصياع للقرار..لكن إذا لم تتم المصادقة سأواصل مهامي ولن أستقيل لانه لو استقلت سأزيد في ارباك الوضع الاقتصادي والسياسي في تونس وستهتز ثقة الناس في مؤسسات الدولة» يقول النابلي.
اتهامات باطلة ..وجهل
وصف كمال النابلي التهم التي وُجهت له حول التسبب في تراجع الترقيم السيادي لتونس وحول عرقلته اجراءات استرجاع الاموال المنهوبة من البنوك الاجنبية، وصفها بالتهم الباطلة وبالأكاذيب الخطيرة التي تظاهي تهمة الخيانة. وقال انها تحامل غريب من بعض الأطراف استعملت وسائل الاعلام والانترنات لتبليغها للرأي العام مضيفا أنه يحتفظ بحقه في تتبع هذه الأطراف قضائيا. كما تحدث عن تهم أخرى وُجهت إليه حول حمايته لرجال اعمال فاسدين او لموظفين فاسدين بالبنك المركزي وقال إنه يتحدى أي كان يقيم الدليل على ذلك .واكثر من ذلك قال أنه يحتفظ بالدليل على انه بذل كل ما في وسعه ، منذ توليه خطة محافظ، لمحاربة كل أشكال الفساد وإحالة ملفاته إلى القضاء وإلى لجنة تقصي الحقائق. وأكد النابلي انه يجد عذرا لمروجي هذه الاتهامات وهو «الجهل» بالدور القانوني للبنك المركزي ويعتقدون ان له قدرة على محاسبة الفاسدين في القطاع المالي والبنكي والحال انه لا يمكنه ذلك بل يكتفي بإحالة الملفات على القضاء، وهذا ما حصل ..
استقلالية البنك
قال كمال النابلي إنه رغم التأكيد صلب القانون المؤقت للسلط العمومية على استقلالية البنك (وهو مبدأ معمول به منذ احداث البنك) إلا أننا نجد أنفسنا اليوم في الوضعية الأسوأ وهي اقحام البنك في التجاذبات والصراعات السياسية التي لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة النقدية والمالية للدولة. فالأمر يتعلق بمؤسسة من مؤسسات الدولة لها مكانتها وطنيا ودوليا واقحامها (أو اقحام غيرها من مؤسسات الدولة) في مثل هذه المتاهات يسيء لصورة تونس. وأقول إن إقالتي من البنك لن تؤثر على حسن سير عمله لان لنا من الكفاءات من هي قادرة على تولي المهمة مكاني، لكن الأهم من كل هذا هو ضمان استقلالية المؤسسة مع الشخص الذي سيقع تعيينه والحفاظ على صورة تونس في عيون المؤسسات المالية الدولية والدول.
مستعد للتوضيح
عبر كمال النابلي عن استعداده وبقية مسؤولي البنك لتقديم كل الإيضاحات للمجلس التأسيسي حول السياسة النقدية والمالية للبلاد وأنه يرحب بزيارة لجنة من المجلس للبنك للاطلاع على كل الملفات بكل شفافية ووضوح ليقفوا على الحقيقة كاملة بعيدا عن لغة الاتهامات والمزايدات السياسية أو المبنية على ميولات وأمزجة شخصية لا تنفع البلاد في شيء.
وكان النابلي قد صرح في بداية حديثه «أنه كان يودّ اليوم الحديث حول المواضيع التي تهم مصالح ومشاكل التونسيين والاقتصاد التونسي والمواضيع الحيوية التي لها علاقة بمهام البنك المركزي التونسي. لكن للأسف فالموضوع الذي أجد نفسي مضطرا للحديث حوله اليوم هو أعمق و أخطر».