اكثر من سنة ونصف مرت على سقوط النظام السابق واكثر الملفات الإصلاحية او الثورية ما تزال مفتوحة، ومن الغريب انه حتى الملف السياسي والذي قطعت فيه البلاد خطوات تاريخية بارزة بانتخابات المجلس الوطني التاسيسي والانتقال السلمي للسطة ما يزال هو الاخر مفتوحا على اكثر من احتمال ,اذ ها ان سياسيين من السلطة والمعارضة يلوحون بين الفينة والأخرى انه لا شيء مضمون وان عودة الهيمنة والتسلط والدكتاتورية تبقى ممكنة. الملفات المفتوحة يبدو أنها أضحت اختيارا تسير فيه عدة قوى وتعتمده عدة أطراف في إدارة لا شان الائتلافات والتحالفات والعلاقات بين الاحزاب بل أيضاً إدارة الشؤون الوطنية.
قد يكون منطق المزايدة بين السلطة والمعارضة مبررا لبقاء اكثر من ملف مفتوحا ومعلقا دون إحراز تقدم إصلاحي يذكر ولكن غياب الجرأة والوضوح في تناول الملفات التي كشفتها ثورة 14 جانفي 2011 والفترة التي تلتها يبقى أمرا في حاجة الى التحليل بعيدا عن منطق التجاذب وتبادل الاتهامات واضاعة المزيد من الوقت عن تحقيق تطلعات الناس وانتظاراتهم في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة .
ربما يرى البعض ان الحكومة اساسا تتحمل الوزر الاكبر في كل ما يهم تقدم الإصلاحات وعمليات التغيير ، وهذا الكلام منطقي ومعقول فهي الجهة الشرعية لتنفيذ البرامج والمشاريع ، ولكن تحميل الحكومة كل الوزر ولوحدها يتجاهل الحالة الوطنية التي يجب ان تنصهر فيها كل مكونات المجتمع خدمة لكل ما هو مشترك ويهم البلاد بفئاتها وجهاتها.
نعم السلطة القائمة تتحمل المسؤولية في بقاء اكثر الملفات عالقة دون خطوات عملية ناجزة وفعلية ولكن على هذه السلطة ان تقتنع بانها لا تتحمل تلك المسؤولية لوحدها كما انها يجب ان تؤمن بانه لا يمكنها ان تفعل الكثير منفردة وفي تنافر مع سائر الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين.
ان ارث النظام السابق وارث الفترة الانتقالية الاولى ارث عميق ومتشعب ، ومن المؤكد ان الفاعلين السياسيين على اختلاف مواقعهم لم يتوصلوا بعد الى توافق حقيقي وشامل حول أولويات المرحلة وصيغ الخروج من الوضع الانتقالي الثاني الى طور الحكم الدائم وهو ما يبرر حالات الاهتزاز والتوتر والاضطراب.
ان ضمان انتقال البلاد الى طور الحكم النهائي وانجاز مسارات الاصلاح العاجل وكشف مواطن الفساد الخطيرة والتقدم في مجال العدالة الانتقالية تبقى دونما شك مهمة وطنية بامتياز يجب ان يتحقق حولها التفاف وطني كبير وواسع حتى لا تنفلت التجربة عن عقالها وحتى تسد الأبواب امام كل محاولات او مخاطر الارتداد الى مرحلة ما قبل 14 جانفي 2011 .
ان السلطة الحاكمة مدعوة واكثر من اي وقت اخر الى إقرار العزم والشجاعة اللازمين من اجل تحقيق ذلك الالتفاف الوطني الواسع حول الخيارات الكبرى العاجلة وبالسرعة المطلوبة ، وان لا يبقى اهم ملف وطني مفتوحا اكثر من اللزوم.
ان بقاء الحوار الوطني الواسع والذي لا يقصي ولا يستثني أحدا غائبا سيحكم على سائر الملفات الوطنية بالمزيد من التعطيل والتأخر كما انه قد يعطل التوجهات نحو الحسم في عدد من القضايا ذات الأولوية الملحة.