«سوق الفحولة» هي ظاهرة موجودة منذ سنوات في بلادنا، لكنها بقيت من المسكوت عنه، وقد كشفت دراسة اجتماعية أنجزت مؤخرا عنها وبيّنت أسبابها... هي سوق موجهة أساسا للأجنبيات المتقدمات في السن ورأس مالها شباب يرمز الى خدماته بنقوش ووشم على الجسد... وتشير الدراسة التي أنجزها الأستاذ في علم الاجتماع السياسي سالم الأبيض الى أن سوق الفحولة تنشط في القطاع السياحي ومنتشرة بالخصوص في المنشطين السياحيين وفي فئات أخرى بدرجات أقل، هم الأدلاء والوسطاء المعروفين «بالبزناسة» في السوق السياحية التونسية، وأشارت الدراسة الى أن هذه الظاهرة موجودة في كل المناطق السياحية التي تعتني بركوب السائح الخيل والابل في جولاتهم السياحية.
وفي مثل هذه العلاقات تنقلب الأدوار وينكب الشاب الذي يعتبر أن رأسماله هو جسده على الاعتناء به والمحافظة عليه لجلب السائحات، لذلك يقبل على ابراز حيويته بكافة الوسائل منها اعتماد الزينة واستعمال الحلي والمستحضرات الملمعة للشعر والمجملة للوجه والرقص والأنشطة الرياضية لاسيما البحرية.
جلب السائحات
كل هذه المؤشرات تستعمل لجلب السائحات من أجل ممارسة الجنس في البداية، لكن أهم تقنية تعتمد لجلب هذه الفئة تمر عبر أنواع من الوشم، لكل منها ايحاء مختلف وله رمزيته بالنسبة الى السائحات الأوروبيات. فالقرط في الأذن اليمنى يعني التعامل الاحتفالي مع الحياة وحصر قيمة الوجود في قنص أسباب اللذة. ووشم وجه الفتاة الباكي يعني الاستعداد اللاّمشروط لمدّ يد المساعدة لكل امرأة في حاجة إليها.
لكن البعض يعمد الى وشم رأس الحصان وهي علامة تعني القوة والعطاء الجنسي غير المحدود. أمام وشم اليدان المغلولتان بسلسلة محطمة في وسطها تعني التحرّر من كل القيم الاخلاقية والاجتماعية الكابحة للحرية الفردية.
كسب مادي
وخلصت الدراسة الى أن السبب الرئيسي وراء هذه السوق ليس الجنس في حدّ ذاته، بالنسبة الى الشاب الذي يعرض نفسه في هذه السوق للسائحات بل هو وسيلة للكسب المادي المتزايد بصفة مستمرة، ذلك أن الجنس يمارس في هذه الحالة مع من هنّ أكثر قدرة على الدفع، لذلك يتم التوجه الى ا لسائحات المتقدمات في السن من اللواتي دخلن مرحلة الاهمال. فهن يدفعن المال لمن هو قادر على تجديد «شبابهن الجنسي» فيشترين فحولته والمقابل إما أن يكون سيولة مالية أو عقد زواج بموجبه يتمكن «الفحل» وهو عادة شاب يعمل في مجال السياحة من الحصول على الاقامة الشرعية في بلد أوروبي كثيرا ما يكون فرنسا أو ألمانيا أو ايطاليا وسويسرا فالهدف من هذه السوق بالنسبة الى شبابنا هو تأمين المستقبل والخروج من البطالة أو الوضع الاجتماعي الهش.
ورغم غياب الاحصائيات حول هذه الظاهرة المسكوت عنها والمتمثلة في بيع جسد الرجل للسائحات إلا أنها ثابتة في الدراسات المتخصصة في قضايا الهجرة.
شهادات
من هذه الحالات ما شاهدناه في احدى السفارات وقد كان شاب لا يتجاوز عمره 27 سنة برفقة سائحة متقدمة في السن تبدو من خلال مظهرها أنها تجاوزت 60 سنة من عمرها. كانت علامة السعادة بادية على وجهها وهي تقبض على يد هذا الشاب الذي تزوجته مؤخرا مقابل تمكينه من الاقامة ببلد أوروبي كما لم يبد عليه الانزعاج من ملاحقة العيون المتطفلة له ولرفيقته. فماهي إلاّ سنوات قليلة ويعود الى بلده بالملايين. هذا ما يدور بذهنه وبذهن آخرين سلكوا دربه منهم من حقق حلمه ومنهم من لم يحقق أطماعه، ذلك أن هؤلاء السائحات أصبحت لهن حنكة في التعامل مع أطماع مثل هؤلاء الأزواج ويعلمن مسبقا أنهن سيطلقن بمجرد حصول الزوج الشاب على الاقامة في البلد الأوروبي...
لكن المهم في كل هذا، هل تكون هذه الدراسة منطلقا للاهتمام بالشباب المهمش والعاطل أو الذي يعاني من بطالة مقنعة على غرار العاملين في قطاع السياحة من «الخيّالة» و«البزناسة» والمنشطين الذين تضطر فئة هامة منهم لبيع أجسادهم وزهرة شبابهم لمن يدفع أكثر... علما وأن الكثير ممن تحدثنا إليهم نادم لسلك هذه الطريق التي يرفضها العرف والشرع وكل القيم لكسب الرزق. كما أنها تعد الوجه الآخر للبغاء.