منوبة: احتراق حافلة نقل دون تسجيل أضرار بشرية    تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي في هذه الولاية..    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشغيل والتحديات الاقتصادية في إطار نظام العولمة... هل تجد الحكومة الحلّ؟
نشر في الشروق يوم 09 - 07 - 2012

يمثل التشغيل اليوم أهم المطالب الرئيسية وأكبر التحديات أمام الحكومة الجديدة فنسبة البطالة التي تعرفها بلادنا أصبحت مرتفعة خاصة عندما تتعلق المسألة بالشباب حاملي الشهائد العليا، وهي تراكمات من الفترات السابقة وقد كانت نتيجة خيارات سياسية واقتصادية مرتجلة وظرفية ان لم نقل فاشلة بالإضافة إلى عوامل موضوعية للتطور التكنولوجي الذي قلص الطلب من الحاجيات إلى اليد العاملة الغير مختصة والأزمات العالمية المتتالية والركود الاقتصادي العالمي خلال السنوات الأخيرة حيث كان النسق بطيئا كما ساهمت عدة إشكاليات أخرى في تدهور الوضعية منها عدم الملاءمة بين متطلبات السوق واليد العاملة المتوفرة ونظام التعليم والتطور الديمغرافي للسكان.
البطالة ظاهرة عالمية...

وباعتبار أن البطالة أصبحت معضلة وظاهرة عالمية فان معالجتها تتطلب وقتا طويلا ورؤية إستراتيجية واضحة وبعيدة المدى خاصة وان التحولات العالمية وهشاشة اقتصادنا وتركيبة مجتمعنا الاستهلاكي تزيد من تعقيد المسألة ويترتب عنها الآثار السلبية للبطالة المؤثرة والمدمرة كالإحساس بالتهميش وصعوبة الاندماج داخل المجتمع وتفكك الروابط الاجتماعية وإقصاء شريحة منتجة من الدورة الاقتصادية لينتهي المطاف بفقدان الثقة بين الحكومة والشعب ويوجد الأرضية المناسبة لانخرام المجتمع والتصادم.

لذا فان إيجاد حلول عاجلة يمكن ان تنقسم إلى عدة أقسام منها :

المعالجة الاجتماعية التي ترتكز على الإعانة ومساعدة طالبي الشغل في إيجاد عمل والإحاطة الاجتماعية بالفئات الضعيفة خاصة بالجهات المحرومة وتشجيع المجتمع المدني عبر الجمعيات التنموية إضافة إلى إقرار منحة لمكافحة البطالة.

المعالجة الاقتصادية التي تدعو إلى وضع الآليات العملية بالتشجيع على التكوين المستمر وتدخل الدولة للتشغيل في إطار الوظيفة العمومية والتخفيض في سن التقاعد وتشجيع الانتصاب للعمل المستقل وتشجيع الاستثمار بالمناطق الداخلية.

المعالجة السياسية بتبني خطاب الصراحة والواقعية وتفعيل الحس الوطني لدى أصحاب رؤوس الأموال التونسية بالمشاركة في النهوض بالبلاد وتقديم التضحيات دون معادلة الربح السريع الخسارة وقاعدة «أعطيني باش نعطيك» ضمانا للاستقرار وحبا لهذا البلد.

فالتشغيل مرتبط أساسا بقوى الانتاج والحركة الاقتصادية وهي النظرية السائدة والتي تعتمد على معالجة البطالة بزيادة تدخل الدولة لتمويل المشاريع الكبرى مصحوبة بإجراءات عملية لدفع الاستثمار كالتخفيض في نسبة الفائدة ومنح الامتيازات الجبائية وتحمل الأعباء الاجتماعية الخ...إلا أن هذه الإجراءات عرفت محدوديتها في ظل اقتصاد معلولم وهي حلول تبقى ظرفية ومنقوصة في غياب معالجة مستديمة وتحديد إستراتيجية بعيدة المدى لمجابهة هذه الظاهرة فالعالم اليوم يتحرك في منظومة «اقتصاد السوق» التي تم إرسالها من أجل تسهيل المبادلات التجارية بين البلدان وهو يمثل ركيزة النظام الرأسمالي الذي يدفع المؤسسات إلى اعتماد مؤشر القدرة التنافسية والعلاقة الترابطية بين «السعر/ الكلفة» بقطع النظر عن المنظور الاجتماعي داخل المؤسسة أو المجتمع.

وهو ما يدعو إلى تغيير العقلية والنمط الرأسمالي الذي يعتبر أن الشغل هو بضاعة معروضة في السوق مثلها مثل بقية البضائع ويلعب السوق الدور الرئيسي في تحديد السعر والطلب.

التحديات المطروحة على الاقتصاد التونسي في نظام العولمة...القدرة التنافسية للمؤسسة
في مقابل ذلك تجد المؤسسة اليوم نفسها في ظل هذا النظام مجبرة على مجابهة الإشكالية القائمة بأن تكون منافسة وتحسن من قدرتها التنافسية في ظل ارتفاع كلفة العمل والضغوطات الاجتماعية والنقابات الخ... إلى جانب منافستها للبضائع المعروضة في السوق والتي تكون عادة الأقل ثمنا والموردة من الخارج (الصين وتركيا) دون حماية «لا ديوانية ولا جبائية» بالإضافة إلى عدم التحكم في طرق التوزيع والسيطرة عليها وانتشار السوق الموازية.

في ظل هذه الوضعية تصبح المراهنة على الاستثمار لإنتاج منتوج تونسي وتسويقه داخليا أو خارجيا بالجودة المطلوبة وبأسعار تنافسية صعبة حيث في ظل منافسة شرشة من قبل شركات عالمية متعددة الجنسيات والاختصاصات وفي غياب تأمين الدولة لحماية السلع التونسية لا يمكن للمنتوج التونسي ان يجد رواجه سواء داخليا أو خارجيا مما قد يعطل آلة الانتاج لأن الذي ينتج ولا يبيع مصيره الإفلاس مما يهدد بوضعية حرجة كزيادة الفقر وتدهور المقدرة الشرائية وتزايد المديونية وما تخلفه من آثار اجتماعية كبيرة كاستفحال الفساد والرشوة وبالتالي فقدان الثقة في الحكومة والإدارة.

فوضعية الاقتصاد التونسي داخل نظام العولمة صعبة جدا، إذا ماذا يجب أن يتغير في نظام اقتصادنا الحالي؟ ونتساءل هل أننا نتحكم في هذا النظام الاقتصادي أم أن الإملاءات الخارجية هي التي تتحكم فينا»؟ وهل ننتظر حتى تصبح المنظومة العالمية تدفع إلى التضامن وإلى إيلاء الجانب الاجتماعي القدر الكافي لمجابهة الفقر والبطالة؟ فالعولمة هي التحدي الحقيقي للاقتصاد التونسي في ظل الطلبات المتزايد للمواطن وتدهور قدرته الشرائية والإغراءات الكثيرة (إشهار و...) وارتباط اقتصادنا بالدول الأوروبية وتهميش بعض القطاعات المنتجة كقطاع الفلاحة في مقابل التعويل على الخدمات وصناعة هشة تعتمد على اليد العاملة «ذات الكفاءة المحدودة» والأجر المنخفض في مؤسسات تبحث عن الربح السريع.

فتحسين عيش المواطن يتطلب موارد مالية تتأتى من الإنتاج والتسويق وافتكاك أسواق جديدة ذات قدرة تنافسية عالية في مقابل مؤسسات تونسية تكبلها الأعباء الاجتماعية والأجور المرتفعة ونظام جبائي متشعب، فليس من السهل على الحكومة الحالية ولا القادمة تغطية العجز في الميزانية نتيجة غياب نسق نمو مرتفع وتطوير الانتاج والرفع من القدرة التنافسية.

والمجتمع التونسي بعد الثورة لم يعد يقبل بحلول مسقطة تزيد في تعكير وضعيته الاجتماعية فسياسة التقشف التي ستؤثر في مجال الصحة والتعليم والبيئة والتنوير العمومي وو...لن يقبلها التونسي اليوم.

هل تجد الحكومة الحل ؟ كيف؟

الحل يجب أن يكون جديدا وبداية الحل هو إيجاد الثقفة والتأسيس لخطاب عقلاني ومصارحة بين كافة فئات المجتمع لكن كيف وهل من الممكن التضحية والتراجع في المكاسب الاجتماعية التي تحققت (التقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق التعويض) وهل من الممكن التراجع في مجانية الصحة والنعليم لتخفيف العبء عن الدولة؟ وهل من الممكن أن نجابه البطالة بمنحة شهرية تدفع للعاطلين دون إنتاج وتزيد في تدهور الوضعية؟ الحل يجب أن يكون تونسيا وبأفكار جديدة تكون المواطنة والتآزر وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية هي الدعائم الأساسية لمنوال التنمية الجديد...

وهو ما يدعو إلى التفكير جيدا وفتح باب الحوار داخل مكونات المجتمع المدني لإعادة صياغة التصورات الجديدة دون غلق منافذ التواجد داخل النظام العالمي على أن يكون فك الارتباط تدريجيا بالأسواق التقليدية الأوروبية.
وفي هذا الإطار يمكن أن نسوق بعض التوجهات العامة والمتمثلة في :

الاستثمار الخارجي

العمل على الترفيع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن طريق تركيز مؤسسات بالشراكة تمكن من إحداث مواطن شغل وتضمن ترويج المنتوج في الأسواق الخارجية عوضا عن اللجوء إلى المديونية ويمكن للدول العربية وخاصة دول الخليج أن تلعب دورا مهما في معاضدة هذا التوجه بتوفير الأموال في اطار شراكة بينها وبين رؤوس الأموال الوطنية معتمدة على كفاءات تونسية وانتاج تونسي يقع ترويجه في الأسواق الخليجية والافريقية.

مراجعة سياسة الخوصصة

مراجعة سياسة الخوصصة المفروضة من البنك الدولي واعطاء الدولة الدور الرئيسي كدافعة للاستثمار في الفترة الحالية والمقبلة ودعم المؤسسات الوطنية الكبرى على الانفتاح على الأسواق الخارجية خاصة الافريقية والعربية والخليجية في مجالات البناء والاعمار والاتصالات والبيئة والخدمات والسياحة وتونس تتمتع بسمعة طيبة في هذه المجالات نتيجة خبرة كفاءاتها الفنية والادارية.

الأمن الغذائي

جعل الأمن الغذائي أولوية الأولويات بمراجعة الهيكلة الحالية لقطاع الفلاحة والعمل على إرساء فلاحة مصنعة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتركيز مراكز البحث العلمي وتعميمها داخل الجهات الداخلية خاصة التي تتوفر على أراضي خصبة وتنويع المنتوج مع تركيز مناطق صناعية تعنى بالمنتوج الفلاحي وتحويله (الصناعات المعملية، التعليب) وتتكفل الدولة بمعاضدة المجهود الوطني في البحث عن الاسواق وترويج المنتوج في اطار علاقات شراكة مع الدول الصديقة والشقيقة.

تجارب الدول الأجنبية

الاستئناس بالتجارب الخارجية في دفع المباردة الخاصة والتعويل على إحداث المؤسسات الصغرى بدفع من الدولة وتفعيل دور البنوك والتدخل وتمكينها من أدوات جديدة في سهولة التسيير وتوفير الضمانات اللازمة للإحاطة بالباعثين الجدد عن طريق إحداث مراكز الأعمال وتشريك الخبراء المحاسبين والإطارات العليا في مساعدة الباعثين الجدد وخاصة الاستفادة من التجربة اليابانية «قرية ومنتوج» والتجربة الألمانية في إحداث المؤسسات الصغرى ودور البنوك وهو ما يميز النموذج الألماني حيث ساهمت هذه المنظومة البنكية Banque-maison واعتماد هذه البنوك اللامركزية في القرار ودعم المؤسسة من قريب من إحداث المؤسسات بنسق مرتفع (500.000) مؤسسة سنويا يتم احداثها ).

البيئة...مصدر هام للتشغيل في كافة القطاعات المنتجة

يمكن لمجال البيئة ان يلعب دورا هاما في إحداث مواطن شغل جديدة في مجالات اقتصادية حيوية حيث أن ايلاء الجانب البيئي العناية اللازمة في علاقته بقطاعات الانتاج باعتبار محدودية الموارد الطبيعية ببلادنا عن طريق إيجاد المقاربة الصحيحة لتحقيق النماء والتطور من ناحية والمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من ناحية أخرى ضمانا لحق الأجيال القادمة في العيش الكريم وهي الأسس لاستدامة التنمية التي تقوم على التلازم بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو ما يدعو إلى معالجة الإشكاليات البيئية المطروحة حاليا في قطاعات الإنتاج كالفلاحة والصناعة والسياحة والنقل بالاضافة إلى اعتماد الجانب البيئ لحماية منتجاتنا في السوق الداخلية من البضائع الموردة من الخارج باعتماد الحواجز البيئية في إطار المنظمة العالمية للتجارة وهي طريقة لتخفيف المزاحمة خاصة من السوق الصينية.
البيئة في المجال الصناعي
فالنسبة للجانب البيئى في المجال الصناعي يشكو قطاع الصناعة من مشاكل التلوث والإفرازات السائلة والصلبة والاستغلال المفرط للمواد الطبيعية مما أوجد وضعا بيئيا غير سليم بكافة المناطق الصناعية بالإضافة إلى اعتماد الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية منها وضع مواصفات ومتطلبات بيئية لترويج المنتوج داخل فضائها الاقتصادي وهذا يتطلب :
تطوير العمل بالمؤسسات الانتاجية باعتماد طرق جديدة للتخفيض في الموارد الطبيعية المستعملة في عمليات الانتاج وتطوير البحث العلمي وهو ما يدفع إلى خلق مواطن شغل جديدة في هذا المجال.
تبني المؤسسات الاقتصادية للخريجين الشبان الذين يقومون بالبحث العلمي الموجه.
إعداد مراكز نموذجية للتكوين المهني في مجال البيئة تمثل دعامة للصناعة وتفتح افاقا جديدة لطالبي الشغل.
صياغة دليل استثمار اخضر يعتمد على إحداث المشاريع الجديدة التي تساهم في المحافظة على البيئة.
استغلال آليات التمويل الخارجية الموضوعة من طرف الدول لحماية البيئة.

البيئة في المجال السياحي

أما الجانب البيئي في المجال السياحي وباعتبار أهمية هذا القطاع الذي يغطي 60 ٪ من العجز في الميزان التجاري ويمثل 5.6 ٪ من الناتج الداخلي الخام ويشغل 350.000 موطن شغل فهو يعاني من بعض الإشكاليات البيئية كالاستهلاك المفرط للمياه ( 560 ل/ اليوم / للسائح مقابل 80 ل/ يوم / موطن) مع تركيز المنشآت السياحية بالسواحل نتج عنه تدهور وانجراف الشريط الساحلي والاستخدام المفرط للأراضي الفلاحية والطاقة والمياه، وهو ما يدعو إلى اعادة النظر في هذا القطاع من حيث إعطاء أهمية للسياحة البيئية والثقافية وسياحة الملتقيات والندوات وتنويع المنتوج وهو ما يوفر امكانيات وأسواق جديدة لامتصاص شريحة هامة من طالبي الشغل خاصة أصحاب الشهائد العليا في مجال العلوم الانسانية وللتاريخ وعلوم الحضارات والاثار والثقافة.

البيئة في المجال الفلاحي

بخصوص الجانب البيئي في قطاع الفلاحة فهو يمثل المستهلك الرئيسي للموارد المائية 80 ٪ كما تم استنزاف الموارد الجوفية وتملح البعض مع التبذير إضافة إلى تشتت الأرضي الفلاحية وتقلصها مقابل التطور العمراني بالإضافة إلى عدم تطابق الزراعات مع كفاءة وخصوبة التربة مع النقص الكبير في المنتجات البحرية نتيجة الاستغلال المكثف وهو ما يدعو إلى اعادة النظر في التوجهات الكبرى وطرح مسألة المياه كبعد استراتيجي ضمن تدخلات الحكومة والعمل على تثمين المياه المعالجة كمورد هام من الموارد المائية والحد من تشتت الملكية الفلاحية.

البيئة في قطاع النقل

كذلك يمثل قطاع النقل عنصرا هاما في المنظومة البيئية وتأثيره على الكلفة الاقتصادية وحركة الإنتاج فقد شهد تقلص حصة النقل العمومي الحديدي والبري في مقابل التنقل الفردي مما أدى على تفاقم الاكتظاظ بالمدن الكبرى وارتفاع استهلاك الطاقة وتلوث المحيط وهو ما يدعو إلى التشجيع على الاستعمال للنقل العمومي وتحسين الخدمات في هذا المجال وترشيد استهلاك الطاقة باعتماد الطاقة البديلة وإعادة النظر في القانون مجالا هاما يمكن لتونس باعتبار موقعها الجغرافي أن تجعل منه توجها استراتيجيا في المستقبل الخاص بالمحروقات وهو ما يفتح افاقا جديدة أمام القطاع الخاص للاستثمار في مجالات الطاقات البديلة والنقل الجماعي إضافة إلى التوجه نحو الاستثمار في مجال النقل البحري الذي يعتبر هاما وما يجلبه من امتيازات للاقتصاد.

كل هذه التوجهات يمكن أن تدخل ديناميكية جديدة على اقتصادنا الوطني وتمكن من دفع عجلة النمو وإحداث مواطن شغل جديدة في مجالات جديدة وذات مردودية عالية.

دور الإدارة...المحرك الأساسي للاقتصاد

ولترجمة هذه التوجهات على مستوى الواقع كان لزاما على الدولة وخاصة الإدارة بمفهومها الشامل أن تساعد في مواكبة هذه الحركة الجديدة عن طريق إرساء الجوانب المؤسساتية والتشريعية اللازمة باعتبار أن الإدارة تبقى المحرك الأساسي لدفع الاقتصاد لذلك يمكن أن تتخذ إجراءات عملية :

تحسين الخدمات الإدارية في كافة المستويات مركزيا وجهويا وتمكين الادارة من كافة مستلزمات العمل وتوفير مناخ اجتماعي جديد يرتكز على الصدق في القول والإخلاص في العمل والتفاني في خدمة الصالح العام.
تبسيط الإجراءات في إحداث المؤسسات والانتصاب للعمل المستقل.
تنظيم السوق الموازية (التجارية والخدماتية)
دعم التكوين والرسكلة في كافة المستويات الادارية
إرساء منظومة تقييمية للأداء الإداري
التشجيع على المبادرة الحرة داخل الإدارة
مراجعة المنظومة الجبائية


عادل البوغانمي
خبير في التخطيط الاستراتيجي
وصيانة مخططات الاعمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.