حديث محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي الجمعة الماضية عن عدم توصله لفهم الأسباب «الرسمية» لإقالته من قبل رئيس الجمهورية منصف المرزوقي، وحديثه كذلك عن استقرار علاقته برئيس الحكومة حمادي الجبالي، بل عن تحسنها كثيرا حمل في طياته اكثر من حقيقة في آراء الملاحظين . حقيقة أولى تقول ان قرار المرزوقي إقالة النابلي، على عدم تعليله بأسباب «رسمية» واضحة، إلا أن أسطره تقول إن الرئيس اتخذه كرد فعل فوري وغاضب على قرار شريكه في الحكم حمادي الجبالي تسليم البغدادي المحمودي دون توافق معه، وهو ما لمح له المرزوقي نفسه في خطابه الأخير.
اما الحقيقة الثانية التي تُستشف من كلام النابلي فهي بلا أدنى شك ثقته الكبرى عند حديثه عن علاقته مع حمادي الجبالي التي لم ينكر أن سوء تفاهم طغى عليها في البداية ثم تحسنت تدريجيا بلقاءات الرجلين أكثر من مرة ، وببذل كل منهما مجهودات لتقريب وجهة نظره من الآخر. فحصل ذلك بل وهناك من تحدث– من داخل كواليس الوزارة الاولى – عن رغبة في نفس الجبالي لتثبيت النابلي في خطة محافظ، وإيجاد مخرج توافقي لقرار المرزوقي الذي يُبدي برودا كبيرا تجاه النابلي. نقل البعض، طيلة الفترة الماضية، حديثا قادما من خلف أسوار بلاط قرطاج، يقول ان البرود الذي يعامل به المرزوقي النابلي طيلة الستة أشهر المنقضية من عمر الترويكا لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بالسياسة النقدية والمالية للبلاد.
إنما هو برود مُركّب، صنعه المرزوقي بنفسه وقد تكون له علاقة بقلق أصاب الرئيس منذ فترة ما قبل الانتخابات عندما كثر حديث السياسيين والنخبة آنذاك، وحتى الآن، عن اختيار مصطفى كمال النابلي رئيسا للجمهورية بوصفه شخصية وطنية وكفاءة «تكنوقراط» مستقلة. وهو ما لم يلق أية معارضة آنذاك من أي طيف سياسي بمن في ذلك حركة النهضة التي بدت عليها في تلك الفترة اولى علامات القوة السياسية.
هذه الفرضية المتداولة كأحد اهم أسباب برود علاقة المرزوقي بالنابلي، إن صحت فعلا، وقد تثبت الأيام صحتها، تؤكد مرة أخرى أنه في تونس أصبح من السهل أن يختلط المزاج السياسي الموضوعي بالمزاج الشخصي والأهواء الذاتية بالمصلحة العمومية، والنتيجة هي خسارة البلاد ومناصبها الحساسة كفاءاتها العليا بسبب مزاج شخصي أو حسابات ضيقة .. قد لا يكون النابلي، في صورة مغادرته البنك المركزي، الكفاءة الأولى ولا الأخيرة التي خسرتها وستخسرها تونس بقرارات مضطربة متسرعة.
لكن إذا كانت بعض الإقالات أو الاعفاءات قد تُقبل، طبعا على مضض، فإن كفاءات اخرى يجب أن تبقى وراء خط أحمر، محاطة بشيء من الحصانة تجاه الأمزجة الشخصية والأهواء الذاتية. ولا شك في أن النابلي واحد من المعنيين بهذه الحصانة بحكم ما للرجل من خبرة عالية لا نشك للحظة واحدة انه سخّرها ماضيا وسيسخّرها مستقبلا إذا ما وقع تثبيته، في خدمة تونس..