لم تعد أكوام الفضلات المتراكمة في أنهج وأزقة العاصمة وغيرها من الأحياء بالمشهد «النشاز» في تونس.. فالروائح الكريهة والحشرات الحائمة حول وجبتها المفضلة من الأوساخ عملة راجت وتوسعت بعد الثورة وهذه الأيام. «الشروق» فتحت ملف الفضلات وأسباب تراكم الزبالة وحاولت معرفة المتّهم الأول في ملف تتقاذف فيه كرة الإدانة بين المواطن والبلدية.. وتزامنا مع إطلاق الحكومة لبرنامج «نظافة» وحملة حرب ضد أكوام الفضلات بداية الجولة كانت مع المواطنين الذين عبروا عن استيائهم من تراكم الفضلات.. البعض حمّل المسؤولية للبلديات المتقاعسة عن أداء مهامها.. فيما لاحظ آخرون أن هذا الاهمال ناجم عن عدم وجود «سلطة» رادعة.
ويقول خالد (موظف) إن أكثر ما يلاحظه هذه الأيام هو تراكم فضلات البناء والتي تنضاف إليها فضلات المواطنين من بقايا الطعام وما زاد على الحاجة والبلاستيك. وأشار خالد إلى ان ازدياد أكوام الفضلات من شأنه أن يضاعف الروائح الكريهة وأنواع الحشرات من «ناموس» وذباب لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة. ولاحظ السيد خالد ان حيّه الكائن بالمروج 3 كان حيا محترما ونظيفا لكن علامات الاهمال وقلة النظافة بدأت في البروز في المدة الأخيرة وحمّل المسؤولية للبلدية المتقاعسة ولمصالح التنظيف المقصرة.
وأضاف أنه من المهم أن يقوم كلّ طرف بواجبه فللبلدية مسؤولياتها وللمواطن دوره في احترام مواعيد نقل الفضلات وفي التعامل مع سلاّت المهملات.
عقلية ومسؤولية
اعتبر السيد ابراهيم (موظف) أن فترة ما بعد الثورة اتسمت بكثير من الفوضى والتسيب، وأن تكدّس الفضلات هو جزء من نتائج هذا التسيب.وأضاف ان المواطن يطالب بأداء كل طرف لواجبه وبتحمّل أعوان البلدية لمسؤولياتهم حول الفضلات المتراكمة.
ولاحظ أن «الزوالي» يقوم بخلاص ما عليه من أداءات البلديات وأن الطبقة المتوسطة والأثرياء الجدد يتهربون.. لكن وفي المقابل يقول ان الأحياء الشعبية والفقيرة هي الأكثر اهمالا ومعاناة من تراكمات الأوساخ.
وأضاف السيد ابراهيم ان الاشكال يتعلق أيضا بعقلية المواطن الذي عليه أن يلتزم بمواعيد مرور شاحنة البلدية للتنظيف وحمل الفضلات وأن مسألة النظافة تتعلق أيضا بالعقلية التي من المهم أن تتغير وقال إن الانضباط من طرف البلدية وأعوانها ومن طرف المواطن هو جزء من حلّ هذا الإشكال.
العدالة في التنظيف
تحدث عدد من المواطنين عما وصفوه بغياب الانصاف والعدالة في عملية التنظيف. ولاحظ عدد من التونسيين ان الاحياء «الراقية» محظوظة في تعامل البلديات معها فيما تتكاسل بلديات الأحياء الشعبية.
وضمن هذه الشهادات تحدث عمر (سائق) عن حيه الكائن بالمرناقية والذي يعاني من تراكم الفضلات والأوساخ ومن انقطاع الماء الصالح للشراب طيلة الأيام الثلاثة الأخيرة.
واعتبر عمر ان البلدية لا تقوم بواجبها وان المواطن قد غرق في كومة من الفضلات والأوساخ. ونفى محدثنا أن تكون للمواطن أي مسؤولية في هذا الانفلات في «الزبالة» فالمواطن مضطر للتخلص من أكوام الفضلات في ظل غياب الأماكن المخصصة وعمل جاد ومنضبط من البلدية.
وأشار السيد عمر بتشنج إلى آثار «الناموس» و«الوشواشة» والحشرات الهائجة بسبب تراكم الفضلات في الحي وقال ان أبناء وأطفال الأحياء الشعبية لا سيما الرضع ومن لا يمتلك أهاليهم جهازا للتكييف لغرفة مغلقة يعانون من الأمراض الجلدية ومن «استغوال الحشرات».
واعتبر هذا المواطن ان الأحياء الشعبية والفقيرة هي الضحية وأن الأحياء الراقية تنعم ب«النظافة» وجدية عمل عمّال البلديات.. وقال ان المواطنين كانوا يأملون تحسنا لحياتهم بعد الثورة.. لكن ما حصل هو العكس.
الشواطئ لم تسلم
لم تسلم الشواطئ التونسية من «التسيّب» والاهمال.. هذا ما لاحظه أحد المواطنين القاطن بجهة حمام الأنف حيث لاحظ أن هذا الشاطئ لم يشمله العمل البلدي ليقع المصطافون والسكان في فخ الأوساخ المتراكمة وما تراكم حولها من جراثيم وحشرات.
بدوره تحدث إسماعيل (طالب) عن الأوساخ المتراكمة في الشواطئ لا سيما شاطئ حلق الوادي المتسم بالاكتظاظ وكثرة الاوساخ. في المقابل قال انه يقطن في منطقة نظيفة وهي وادي الليل.
مواطنون آخرون تحدثوا عن تراكم الاوساخ في أحياء شعبية مثل حي الزهور وخاصة حي التضامن. وقال أحدهم ان النفايات تتراكم داخل الحي وبجانب المدارس والمعاهد وأنها تتسبب في ازعاج التلاميذ والاطار التربوي والمتساكنين.
مواطن آخر لاحظ تراكم الاوساخ في أحياء المروج التي قال عنها انها كانت تشبه في العناية بها أحياء المنازه والنصر لكن مرحلة ما بعد الثورة جلبت الكثير من التسيب والفوضى.
واجب البلديات
أمام اختناق المواطنين الغارقين في فوضى الفضلات وإلقاء التهم على البلديات حاولنا الاتصال بمسؤولين من البلديات التابعة لوزارة الداخلية، واتصلنا بالسيد محمد الهادي الدّوج المدير بالادارة العامة للجامعات المحلية التابعة لوزارة الداخلية.
وردّا على ملاحظات المواطنين قال السيد محمد الهادي إنه من الضروري ان تقوم البلديات بمجهود أكبر وأن تتغير عقلية المواطن أيضا. واعتبر ان عمل البلديات دون انضباط من المواطن لن يحسن الوضع، كما أن انضباط المواطن وتقاعس عمل البلديات لن يحل الاشكال.
وحول ربط البعض لإشكال تراكم الفضلات مع مرحلة ما بعد الثورة المتسمة ب«التسيب» والفوضى، يقول محدثنا ان مرحلة ما بعد الثورة عرفت مجموعة من الاضطرابات والاضرابات لاسيما من العمال العرضيين الذين وقع ترسيمهم. واعتبر ان عملية الترسيم هذه هي احد نجاحات الثورة. وأضاف ان فترة الاضرابات قد شهدت تراكما للأوساخ.
معدات وحلول
تحدّث المدير بالجماعات العامة المحلية عن المعدات التي وقع احراقها في 49 بلدية خلال الثورة، وقال ان عمليات الحرق والاتلاف قد تسببت في تعطيل مجهود البلديات وتدخلها.
وأضاف ان الانفلات الأمني الذي وقع جعل الكثير من العمال يمتنعون عن العمل ليلا، كما كثرت الغيابات وغاب الانضباط في العمل. ومن الأسباب الأخرى التي تحدث عنها السيد محمد الهادي نجد اتلاف الحاويات وإحراقها وقيام العملة القائمين بتجميع البلاستيك بإفراغ الحاويات من محتواها من فضلات خلال عملية بحثهم عن قوارير البلاستيك.
وتحدث السيد محمد الهادي الدّوج عن برنامج وزارة الداخلية في العمل البلدي حيث تم رصد صفقة ب15 مليارا لتعويض المعدات التي وقع اتلافها ولتجهيز البلديات والصفقة في مراحلها الاخيرة.
كما أشار الى حملة الحكومة التي انطلقت أمس والتي ستتواصل، ملاحظا انه من المهم ان تتعاون الحكومة والبلديات والمجتمع المدني لإنجاح العملية.
شواطئ وعدالة
لاحظ محدثنا ان مسؤولية تنظيف الشواطئ مشتركة بين وزارة البيئة والداخلية والسياحة. وقامت وزارة السياحة برصد مليار لفائدة 34 بلدية ساحلية. أما حول موضوع «العدالة» في العمل البلدي فقال ان كل بلدية مسؤولة عن عملها، ولا وجود لتمييز في العمل البلدي بين حي وآخر، او عمل في حي على حساب حي آخر.
واعتبر ان الخطأ قد يكون في طريقة تصرف المواطن. وللإشارة توجد في بلادنا 264 بلدية وتعمل حاليا النيابات الخصوصية التي تعوض رؤساء البلديات بنفس الصلاحيات في انتظار اصدار المجلس التأسيسي لقرار الانتخابات الذي قد يكون الحل في اصلاح الكثير من الاشكاليات. نقاط سوداء... وحزم
تم اصدار برقيات الى السادة الولاة قصد تعيين وتحديد النقاط السوداء وضبطها قصد القيام بعمليات التدخل الضرورية لانتشال المواطنين من طوفان الفضلات والروائح الكريهة.
وبالتوازي مع هذا البرنامج من المنتظر ان يتم خلال الفترة القادمة التعامل بأكثر حزم في عمليات اصدار المخالفات ضد التجاوزات المتعلقة بإلقاء الفضلات المنزلية وفضلات البناء والهدم.
من جهة أخرى، حذرت بعض المصادر الصحية من مخاطر تكاثر الفضلات خلال موسم الحرارة وما قد ينجر عنه من تكاثر للحشرات ونقل للفيروسات والأمراض. ويبقى «مسلسل» تراكم الفضلات وتذمر المواطن متواصلا في انتظار الحلول الجدية والدائمة من المسؤولين... وتغير العقليات عند التونسيين.