من المنتظر أن يُعرض على أنظار المجلس الوزاري المنعقد اليوم مشروع القانون المتعلق بالتعويض للمساجين السياسيين والمنتفعين بالعفو التشريعي العام. يأتي النظر في هذا المشروع بعد أيّام قليلة من استقالة وزير المالية حسين الديماسي والذي كان التعويض للمساجين واحدا من الأسباب التي دفعته للاستقالة بحسب ما صرّح به. كما يأتي وسط أجواء من الجدل والانقسام بين السياسيين وصلت صداه إلى الشارع فانتشرت في المواقع الاجتماعية وخاصة موقع الفايسبوك تعاليق وصور كاريكاتورية معبّرة عن رفضها منح المساجين تعويضات مادية في هذا الظرف الاقتصادي السيئ الذي تمر به البلاد.
كما قادت ردّة فعل مستخدمي النات الى التهجّم على الصفحات الشخصية لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي «الشروق» وضعت السيدين العجمي الوريمي القيادي في حركة النهضة وشكري بلعيد الناطق الرسمي باسم حركة الوطنيين الديمقراطيين وجها لوجه للحديث عن هذا الملف.
التعويض لمن تمتع بالعفو التشريعي العام مسألة تحمل ثلاثة جوانب. الجانب الاول اعتباري ومطلوب فرد الاعتبار المعنوي لكل من اضطُهِدَ من قبل الدكتاتوريّة من عام 1959 الى اليوم أمر هام والجانب الثاني مادي وهو يتفرع الى جزءين أوله مقبول ومشروع من ذلك تمكين من حوكموا وتمتعوا بالعفو التشريعي العام من استرجاع مناصبهم والتمتع بالترقيات وتمتيع من بلغوا سن التقاعد من جراية التقاعد والدولة عليها تحمل ذلك وثانيها المتعلق بمنح المساجين السياسيين مئات الآلاف من الدنانير بدعة غريبة. واضاف شكري بلعيد الناطق الرسمي باسم حركة الوطنيين الديمقراطيين «النضال بمقابل ارتزاق فنحن حين ناضلنا لم نستشر الشعب التونسي والنضال له تبعاته واستحقاقاته ويتحمله من قام به عدا ذلك يعدّ الأمر ارتزاق».
وقال أيضا «المسألة بالأمر الذي تحدث عنه وزير المالية المستقيل خطيرة هم بهذه الطريقة يريدون السطو على المال العام فمناضلو حركة النهضة لم يستشيروا الشعب التونسي حين فكروا في الانقلاب على بن علي. نحن مع رد الاعتبار المعنوي ويشمل الكل بمن فيهم النقابيين الذين تعرضوا للمحاكمة اليوم (يوم أمس) في صفاقس لأن محاكمتهم سياسيّة مع رد الاعتبار المادي إمّا بإرجاع الناس لخططهم الوظيفيّة مع تمكينهم من العلاج وأعتقد أن حركة النهضة هي الطرف الوحيد الذي يصرّ على التعويض المادي لأنّ التيارات اليسارية رفضت التعويض فيما خصّت النهضة نفسها بجزء كبير من المال العام لاستعماله في معاركها السياسية القادمة.
العجمي الوريمي : هناك من يريد مغالطة الرأي العام وأنزّه الذين سُرقت أعمارهم من الطمع في حطام الدنيا رد الاعتبار للمساجين السياسيين ثمرة من ثمار الثورة وقرار التعويض لهم ماديا ومعنويا قرار ثوري وضروري لفتح آفاق للبلاد والقطع مع الماضي. وهو لن يشمل طرفا بعينه بل يشمل كافة المظلومين من كافة التيارات والعائلات الفكرية ومنحهم حقوقهم السياسية والمدنية وبالتالي أرى أن هذا الإجراء ثوري وتاريخي ومطلب شعبي ونظامي لأجيال عديدة فتونس كانت في حاجة للتصالح مع نفسها وأن تداوي جراحها وتنطلق نحو المستقبل قوية موحدة معافاة ومتحررة من أية عقدة ذنب أو أي ارث استبدادي وظلم.
كما قال الوريمي القيادي في حزب حركة النهضة «ما فات لا يمكن تعويضه لأن الزمن لا يعود الى الوراء فهناك الآلاف من التونسيين الذين سُرقت أعمارهم واضطُهدوا واضطُهِدت عائلاتهم وبالتالي لا شيء يمكن أن يعوضهم وأنا أنزّه هؤلاء من الطمع في حطام الدنيا لكن هذا واجب المجموعة الوطنية وعلى الدولة تحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية تجاه قسم أساسي من المجتمع ومن أبناء المجتمع وترجمة هذا في إجراءات عمليّة وحقوق وخطط عمل وبرامج حتّى يستعيد هؤلاء اعتبارهم ودورهم وينفعوا البلاد فهذا الامر ليس هديّة».
وبالنسبة للتعويضات المادية قال العجمي الوريمي الذي كشف لنا أنه لم يقدّم ملف تعويض لأنه يرفض شخصيا الحصول على هذا الحق «التعويضات لن تسند إلى غرباء ولن يتم وضعها في حسابات مشبوهة في بنوك في الخارج بل هي ستضخ في الدورة الاقتصادية وستعود بالفائدة على المجموعة الوطنيّة وابنائها اي الأجيال القادمة وهي ليست بدعة تونسية وتجارب الدول (افريقيا الجنوبية والمغرب ودول أوروبا الشرقية) تثبت ذلك هناك مآس حقيقية ولا يمكن بأي حال من الأحوال مجادلة شخص في حقه».
وأضاف «هناك من يريد مغالطة الرأي العام ويوهم بتحويل الميزانيّة إلى باب التعويضات رغم أنّ التعويض هو جزء يسير وهناك حلول من خارج الميزانية مثل فتح حسابات وإطلاق مبادرات وإحداث صناديق هناك جهات عديدة مثل المنظمات الخيريّة وغيرها تريد المساهمة في هذا الملف».
كما قال العجمي الوريمي الذي يرفض الحصول على تعويض «هناك مغالطة وتشهير بأصحاب الحق والضغط عليهم للتخلي عن حقوقهم وهذا الضغط لن يؤدي سوى الى الانقسام ومن المهم الابتعاد عن المزايدات والنفاق السياسي والابتعاد عن محاولة إحراج طرف سياسي ومن يريد التنازل عن حقه هو حر لكن لا يمكن منعه من هذا الحق ثمّ إنّ الخلاف ليس مبدئيا لأن قانون التعويض جاء مع الحكومات السابقة (المرسوم عدد 1 المؤرخ في 19 فيفري 2011) وبالتالي أصبح هناك التزام أخلاقي بين التونسيين والتزام حكومات متعاقبة فالملف قُدّم كنقطة ضمن أولويات الحكومة وصادق المجلس التأسيسي على ذلك. أما بالنسبة لما جاء به وزير المالية المستقيل أقول أنا أصدّقه فيما قال لكنه لم يقل الحقيقة كاملة لأنه كان هناك عدم رضاء على أدائه وتلك من الأسباب التي لم يقلها.
بن جعفر : التعويضات المالية لن تكون إلا في إطار «العدالة الانتقالية»
صرح رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ان الموضوع المطروح الآن في المجلس هو القضاء العدلي اما موضوع التعويضات الكمالية لمن يتمتعون بالعفو التشريعي العام فهو مطروح في وسائل الاعلام فقط ,واشار الى ان هذه المسألة في انتظار مشروع قانون يتعلق بالعدالة الانتقالية مع الاخذ بعين الاعتبار كل المعنيين بالعفو . واضاف ان هذه المسالة تندرج في العدالة الانتقالية بشكل لا يكون تجزيئيا واعتبر ان العدالة الانتقالية تمر بالمصارحة والمحاسبة ثم المصالحة . وألمح الى ان ملف التعويضات يأتي في اخر جزئيات العدالة الانتقالية مؤكدا ان هناك تعويضات مستعجلة ستنظر فيها بعض الوزارات مثل وزارة الصحة ووزارة التشغيل..