ما تزال مسألة تفعيل العفو التشريعي العام وتعويض ضحايا الظلم والاستبداد والتعذيب للآلاف من سجناء الراي والسجناء السياسيين سواء في عهد الفترة البورقيبية، او في عهد حكم بن علي، تثير الكثير من ردود الأفعال المتباينة بين معارض لمسألة التعويضات ومؤيد لها. فقد عبر عدد من المناضلين والمساجين السياسيين خاصة من المحسوبين على اليسار عن معارضتهم صراحة دفع تعويضات مادية لقاء سنوات الجمر ورأوا ان التعويض الحقيقي يتمثل في تحقيق اهداف الثورة. وفي المقابل يرى آخرون وخاصة من المحسوبين على التيارات الاسلامية ان التعويض على سنوات التعذيب والسجن والقهر لا يعدو ان يكون»وقف لنزيف الألم». فالى اي مدى يمكن ان تأخذ الحكومة الحالية رفض التعويض بعين الاعتبار؟ وهل تتحمل ميزانية 2012 الكلفة الكبيرة لحجم التعويضات المقدرة مبدئيا بعشرات المليارات سينتفع منها أكثر من 30 ألف سجين راي؟. وحاز منذ اشهر موضوع تعويض المساجين السياسيين او ما يعرف بمساجين الراي في تونس على اهتمام كبير على الصعيدين السياسي والإعلامي وتباينت المواقف والآراء حول هذا الملف الذي لا زال يكتنفه الغموض والى اليوم لم توضح الحكومة المؤقتة موقفها النهائي منه. واختلفت مواقف السياسيين حول هذا الملف فمنهم من يرى ان التعويض هو الحل الامثل لوقف نزيف الالم الذي تعرض له عدد هام من المناضلين والحقوقيين والنقابيين فيما راى البعض الاخر وخاصة من المعارضة ان الوضع الاقتصادي للبلاد لا يتحمل التعويض وخير تعويض لمساجين الراي هو تحقيق اهداف الثورة التونسية وتحقيق مطلب العدالة الانتقالية. ودعا آخرون إلى اعطاء أولوية إلى ملف شهداء وجرحى الثورة الذي ظل يراوح مكانه رغم مرور عام ونصف على قيام الثورة. «الصباح» تناولت ملف التعويض للمساجين السياسيين في محاولة للاجابة عن سؤال هل يمكن ان تتحمل الميزانية التكميلية هذه التعويضات؟ وما موقف الحكومة الحالية من هذا الملف؟ النضال لا يختزل في تيار سياسي معيّن يرى بعض السياسيين ان ملف التعويض المادي لسجناء الراي من الملفات الشائكة التي يمكن ان تدخل البلاد في موجة احتجاجية في وقت تحتاج فيه الى استقرار الأوضاع لتحقيق اهداف الثورة وهو المطلب الشعبي الأساسي. في هذا السياق راى النائب ازاد بادي ( عضو المؤتمر شقّ العيادي) انه من الضروري النظر الى ملف العفو التشريعي العام والتعويض للمساجين السياسيين من زاوية تبعاته على ميزانية الدولة سنة 2012 دون تناسي تبعات هذا الملف الاجتماعية بعد ان باتت حالة الاحتقان واضحة وربما تتحول الى احتجاجات قد تعطّل مسيرة التنمية علما وان البلاد في حاجة الى استقرار الأوضاع لتحقيق أهداف الثورة وهو مطلب شعبي. وردا عن تصنيف بعض النواب المناضلين بين حقيقيين ومزايدين افاد بادي ان النضال لا يقتصر عن فئة دون اخرى بل ضم ابناء البلد من اليسار واليمين والغير المنتمين الى اي مدرسة فكرية او إيديولوجية لان النضال لا يختزل في تيار ولا يقتصر على مجموعة دون اخرى. جزء من المصالحة اعتبر محمد الحامدي ( الكتلة الديمقراطية) انّ ملف تعويض المعنيين بالعفو العام معقد لانه يشمل اجيالا من المعارضة والنقابيين والحقوقيين الذين جرّموا من قبل النظامين السابقيين على خلفية افكارهم وآرائهم وعلى هذا الاساس يستوجب هذا الملف معالجة شاملة ومتأنية لطيه على اسس صحيحة، كما يعد هذا الملف جزء من مصالحة المجتمع مع نفسه ومصالحة الشعب مع الدولة لذلك فأيّ معالجة متسرعة او جزئية لن تحل المشكل. وفق تعبيره. وقال الحامدي ان المسالة المتعلقة بملف العفو الذي لا يمكن أن يحسم فقط في التعويض المالي بقدر ما هي جملة من الحقوق وكيفية الاستجابة لهذه الحقوق التي يجب ان تحدد من خلال التوافق الوطني وبالنظر الى إمكانيات البلاد. ومن جانبه رأى النائب حطاب بركاتي عن حزب العمال الشيوعي ان الوضع الاقتصادي للبلاد في الظرف الراهن لا يحتمل دفع تعويضات مالية طائلة للمساجين السياسيين ويمكن تعويض ذلك الى حين تتحقق الانتعاشة الاقتصادية. ملف مستعجل وحق لا يمكن التنازع حوله وبين هذا وذاك اعتبر عدد من النواب من حركة النهضة ان تعويض المساجين السياسيين عن سنوات الجمر والحرمان هو حق لا يمكن التنازع حوله والتعويض يعد بالنسبة اليهم محوا للآلام وبداية صفحة جديدة في حياتهم ومن بينهم النائب عن حركة النهضة الصادق شورو الذي افاد ان تعويض مساجين الرأي من الملفات المستعجلة لان المعنيين بالتعويض هم من العائلات المحرومة واغلبهم يعانون البطالة وضيق العيش. واجب..وأولوية وقال شورو: « التعويض هو حق من حقوق المساجين السياسيين نظرا للمعاناة التي عاشوها والتعويض هو واجب معلق برقاب الشعب كاملا ولا ارى وجاهة في القول ان الوضع الاقتصادي للبلاد لا يحتمل لان ملف تعويض المساجين السياسيين كغيره من الملفات ذات الاولوية كالتشغيل والتنمية الجهوية». وعن تصنيف البعض من نواب النهضة للمناضليين أكد شورو انه لا مدعاة لذلك فالمناضلين كلهم كانوا عرضة للتعسف والقهر.. والسجن سجن سواء دخله إسلامي او غير اسلامي ومن غير المقبول التفريق بين السجناء على اساس انتماءاتهم السياسية. وعن إعفاء الحكومة لعدد من رجال الأعمال «الفاسدين» من مستحقاتهم للدولة من الضرائب اعتبره شورو «خطأ حكومي لان عدد من رجال الأعمال كانوا مستفيدين من النظام السابق وعليهم التكفير عن أخطأهم». التعويض ضروري فيما رأت يمينة الزغلامي رئيسة لجنة شهداء وجرحى الثورة وتفعيل العفو التشريعي العام ان التعويض ضروري لكل المساجين السياسيين من مختلف التيارات الفكرية والايديلوجية. وقالت الزغلامي: «رغم التعويض المادي الذي يجب ان يتمتع به هؤلاء فلن يعوض لهم ذلك سنوات شبابهم وحرمانهم ومعاناة زوجاتهم وأبناءهم سنوات طويلة». واعتبرت ان المساجين السياسيين كغيرهم من الشهداء وجرحى الثورة لأنهم هم من مهدوا لهذه الثورة والتعويض المادي ليس بدعة تونسية فقط لان هذا الأمر معمول به في الدول التي عاشت ثورات مضيفة هناك حالات اجتماعية مهمشة وتستحق حلولا استعجاليه في انتظار التعويض لهم ماديا. تجاذبات سياسية وفي تصريح خاطف ل «الصباح» افاد نور الدين البحيري وزير العدل ان ملف التعويض هو ضحية وضعه في قلب التجاذبات السياسية وعدم التعامل معه بصفة مبدئية وتغليب الحسابات السياسية اضرّ به ضررا كبيرا واضرّ بقيم ومبادئ الثورة. وقال البحيري «ان تونس ليست البلد الوحيد الذي عاش ثورة وكرسّت مبادئ العدالة الانتقالية ولن تكون الأخيرة وفي كل التجارب التي سبقتنا جنوبا وشمالا اقتضت العدالة الانتقالية بعد المصارحة والمحاسبة ردّ الاعتبار للضحايا والتعويض لهم وتحمّل الدولة لمسؤولياتها كاملة. وحول تصنيف المناضلين بين مجموعة حقيقية وأخرى مزايدة اعتبر البحيري ان هذا الأمر عقد الملف وجعله في قلب التجاذبات السياسية في وقت يجب التعالي فيه الخصومات السياسية وتحمّل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة، كما ان الانتماء الى النهضة من عدمه لا يحرم احدا من حق مشروع.