نواصل استحضار أبرز محطات الأسطورة محمد القمودي الذي اقترن اسمه في أذهان كل التونسيين والعرب بصورة العلم التونسي وهو يرفرف في أولمبياد مونيخ.. اليوم حكاية أخرى من حكايات بطلنا الأولمبي. أراد المشرفون على الرياضة العسكرية تكوين فريق قومي، يحظى بامتيازات خاصة حتى يتسنّى لتونس المشاركة في المقابلات العالمية بفريق يفرض نفسه وسط الميدان.. وفي هذه الفترة بالذات وبعد 13 سنة يقول القمودي (ضاحكا ضحكة سخرية من نفسه) كدت أن أضيع مستقبلي بجهلي ما للرياضة من فوائد، لقد رفضت الانضمام الى الفريق والالتحاق بمصلحة التدريب العسكري لأني كنت أود أن أغادر الجندية بعد أداء واجبي لأعود الى الأرض، الى الفلاحة والري والعمل البدائي.. لكن لو لا رحابة صدر ونزاهة السيدين حسين حمودة وصلاح الدين بالي اللذين أقنعاني ووجهاني التوجيه الصحيح مبيّنان لي فوائد هذا العمل الرياضي العظيم (ولا يستغرب أي امرئ ما كان من أمر القمودي، هذا الذي دخل الجندية تاركا وراءه «عجوزا» باكية بعد أن تركت الأيام الكواحل في مخيلتها صورا بشعة عن التجنيد). وبانضمام القمودي تحول الفريق القومي في تربص دام ثلاثة أشهر الى مدينة (روفيتو) بإيطاليا، وهنا بدأت الأمور تتبلور فبعد التدريب المركز على الجري، وعلى سباق المضمار خاصة في المسافات المتوسطة والطويلة، أجريت مسابقة اختبارية أولى ضمّت البعثة الرياضية التونسية وبعض العدائين الايطاليين كانت المرتبة الأولى من نصيب العداء التونسي بن صالح والثانية من نصيب محمد القمودي وكلاهما حطّم الرقم القياسي التونسي لمسافة 5000 متر الذي كان يملكه العبيدي 15.2 فأصبح 14.52 عن طريق بن صالح، ولم يمض أسبوع واحد على هذا السباق حتى نظم السباق الثاني فأحرز القمودي على المرتبة الأولى محطما بذلك الرقم الجديد، الجديد لمسافة 5000 متر فأصبح 14.51. وبانتهاء التربص، عادت البعثة الرياضية من إيطاليا ولكن «صاحبنا» الذي كان كما ذكرنا آنفا يفضل خدمة الأرض ورعايتها على ممارسة الرياضة فماذا منه اليوم ومعركة الجلاء قد حمى وطيسها، نعم ان ايمانه القوي، وحبّه للأرض، بل لهذا الوطن العزيز.. دفعه وبدون تريث الي إلقاء نفسه في الواجهة للذود عن حرمة الوطن وسيادته، نعم لقد التحق القمودي بالمناضلين في بنزرت ووقف في الواجهة لكن، خبرته أهلته بأن يشرف على تدريب فوج من المتطوعين لتكون كما قال (30 رصاصة في قلب المستعمر لا واحدة). وفي هذه الفترة بالذات كاد أن يذهب القمودي ضحية (غلطة) بل نزوة أحد المتطوعين. لكن ألطاف اللّه حالت دون ذلك، ومرّت الحادثة بسلام، كما مرّت المعركة بسلام، وكانت الكلمة الأخيرة فيها لدعاة الحق.