بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع محمد القمودي: أول جائزة لي كانت 8 علب سجائر و«رخصة» لزيارة الوالدة
نشر في الحوار نت يوم 17 - 10 - 2009

التجوّل في ذاكرة محمد القمودي قد يستحق مسلسلا في طول المسلسلات التركية، ويكون من الاجحاف في حقه تلخيص مسيرته في بعض الأسطر، لكننا سنحاول اليوم في ذكرى حصوله على الذهبية الأولمبية التركيز على النقاط الأكثر تأثيرا في حياة بطل كان له الشرف أن يعرّف العالم بتونس الصغيرة جغرافيا والكبيرة برجالها وإنجازاتها، سجّله حافل وقد يطول ذكره، لكننا سنسوق بعض الأرقام التي تعكس ملحمة الرجل المتحصل على 18 ميدالية في البطولات العسكرية و4 ميداليات أولمبية و5 ميداليات متوسطية الى جانب الفوز ببطولة العالم للعدو الريفي سنة 1968.
القمودي سمح لنا بتقليب دفاتره لسنوات خلت وعندما يتحدث الغزال الأسمر يكون الانصات هو الافضل.
البداية، لن تكون بالحديث عن بداية القمودي، الذي تحدث: «أنا من مواليد 11 فيفري 1938 بسيدي عيش بقفصة، لمست في نفسي موهبة العدّاء عندما كنت أجري بين منزلنا و«العطّار» الذي يبتعد عنا مسافة 6 كيلومترات».
النتيجة السلبية للمشاركة التونسية في الألعاب الاولمبية 1960 جعلت بورقيبة يلقي خطابا يحث فيه الجميع على البحث عن المواهب القادرة على التألق، فبدأ التنقيب حينها كان القمودي جنديا يؤدي واجب الخدمة العسكرية في القصرين.
بداية الحكاية
تحدث القمودي عن بدايته: «شخصيا أثر في خطاب بورقيبة، وفي سنة 1961 تم تنظيم بطولة عسكرية تمكنت خلالها، من الفوز بالمرتبة الاولى وكانت جائزتي الاولى 8 علب سجائر ورخصة ب 15 يوما لكي أعود الى البيت وزيارة أمّي تبر».
لا مجال للمقارنة إذا بين قيمة الحوافز والاعتمادات المالية، فعندما كان تشريف الراية الوطنية هي الغاية جاءت النتائج بعزيمة الرجال.
يضيف القمودي: «عندما سمعت أنه سيتم نقلنا الى العاصمة للتدرّب هناك زادت عزيمتي في الفوز بتلك البطولة، لم أكن أتصوّر يوما أن أصبح بطلا، لكن ما كان يحرّكني حينها هو حلم رؤية تونس العاصمة والعيش فيها!!؟».
1962 وبداية المجد
في 1962 شاركت تونس في بطولة العالم للرياضة العسكرية في أمستردام بهولاندا وقد كان القمودي من بين الوفد التونسي المشارك حينها. هذه المنافسة لم تكن طبيعيةبكل المقاييس فقد حملت معها أول تتويج دولي لتونس وبأقدام الغزال الأسمر، الذي تحدث عن هذه التجربة قائلا:
«عندما ذهبت الى هولاندا، كان من المفروض أن أشارك في اختصاص 1500 متر لكن حسين حمودة نصحني بالمشاركة في اختصاص 5آلاف و10 آلاف متر، وقد فزت بميدالية ذهبية في كل اختصاص، (ميداليتان ذهبيتان) حينها أحسست بالفخر لأنني رفعت راية تونس وساهمت في تحقيق ما طالب به الرئيس بورقيبة منذ 1960... وعندما عدت الى تونس، قابلني وزير الدفاع وكانت جائزتي أن تمت ترقيتي من جندي الى عريف».
القمودي قال إنه لم يكتسب من تلك المشاركة الميدالية فقط بل كسب الخبرة والتجربة الكافية للاستعداد للمواعيد القادمة ومن هنا بدأ حلم البطل في البروز.
علم تونس يرفرف في طوكيو
لم يكن البابانيون يسمعون بوجود بلد على الكرة الأرضية اسمه تونس، حينما زار القمودي بلاد الشمس البازغة... الزيارة كانت في نطاق الاستعداد للالعاب الاولمبية سنة 1964، هذه الحادثة التي بقيت راسخة في ذهن صاحبها تحدث عنها قائلا:
«وصلنا الى طوكيو وعندما كان الجميع يستعدون للترحيب بالوفود ورفع أعلام البلدان المشاركة، لم يكن بحوزة اليابانيين علم تونس، وربما لم يكونوا يسمعون بها حتى، عندها تقدم مني أحد المنظمين، وطلب مني البحث عن العلم التونسي بين بقية أعلام الوفود... بحثت فلم أجده... حينها احتار اليابانيون قبل أن يهتدوا الى الحل حيث نظروا الى حقيبتي وشاهدوا، النجمة والهلال حينها قاموا وصنعوا علم تونس مستوحين الفكرة من الرسم الموجود على حقيبتي».
هكذا إذا كان لرجل اسمه محمد القمودي، الفضل في التعريف بتونس في أصقاع العالم ولتكتمل ملامح الصورة، استطاع القمودي بانجازه في دورة الألعاب الاولمبية1964، أن يعطي انطباعا جيّدا عن بلد كان حينها لا يكتفي بمجرّد المشاركة.
تل أبيب والاحساس الغريب
عند العودة من طوكيو على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، بعد الاعداد للالعاب الاولمبية، توقفت الطائرة التي كانت تحمل القمودي والمنصف الزنايدي في تل أبيب من أجل الراحة والأكيد أن تلك اللحظة لا تنسى لرجل عربي ومسلم يقول عنها القمودي: «هي حادثة تبقى عالقة تلك التي حدثت في سنة 1963، فلم نكن نتوقع ان تتوقف الطائرة في تل أبيب، لكن المفاجأة حصلت، وعند نزولنا الى المطار أحسست بشعور غريب ، وقشعريرة تهزّ بدني فأنا في «ضيافة» من يحتلون أرض فلسطين وينتهكون أعراض المسلمين والمسلمات، ربما أكون قد أحسست بذلك لأول مرّة، لكنه احساس كل عربي ومسلم».
واصل القمودي حديثة: «لم يسمح لنا حينها بمغادرة المطار لقضاء تلك الليلة في النزل، لأننا لا نملك التأشيرة لدخول تل أبيب على عكس الوفد الفرنسي المرافق لنا... لكن هناك حقيقة للأمانة التاريخية، يجب أن أتحدّث عنها وهي أنه تمت معاملتنا، معاملة حسنة ولائقةوقد قامت فتاة يهودية تتكلّم العربية بالاهتمام بكل ما يلزمنا وقد علمنا من خلال حديثنا معها أنها ولدت في المرسىوكانت تعمل في منزل المنجي سليم».
أوّل ميدالية تونسية في الألعاب الأولمبية
شاركت تونس في الألعاب الاولمبية سنة 1964 بوفد يضم 25رياضيا، وحملت هذه المشاركة معها أول ميدالية في الألعاب الاولمبية بالنسبة لتونس وكانت فضية بامضاء القمودي في اختصاص 5 آلاف متر الذي قال عنها:
«لقد بكيت عندما سمعت النشيد الوطني يعزف، حينها وأحسست أنني قمت بواجبي حينها تجاه شعبي وتجاه الرئيس وتجاه كل من وضعوا ثقتهم في شخصي».
موامرة
القمودي كان قاب قوسين أو أدنى من الحصول على ميدالية ذهبية في الألعاب الاولمبية لكن مؤامرة دنيئة حيكت ضده عصفت بحلمه وحلم التونسيين من بعده، وعن هذه المؤامرة يتحدث القمودي: «عندما أجريت التمارين صبيحة يوم السباق النهائي في اختصاص 10 آلاف متر في الألعاب الاولمبية بطوكيو 1964، شعرت بورم في بطن قدمي اليسرى بسبب الحذاء الذي كنت أرتديه، فقد كان ثقيلا، تضمنت مكوناته بعض القطع الحديدية الصغيرة ولم يكن بنفس قيمة أحذية بقية المنافسين، حينها أخذني المرافق حسن حمودة الي طبيبة رومانية لمداواتي بسبب غياب اختصاصي في الوفد التونسي الذي ضمّ حنيها طبيبا واحدا ل25 فردا..».
عندما بلغ الحديث هذه النقطة بالذات، استأذنني القمودي لإشعال سيجارة وقال: «لقد ذكرتني في أسوإ لحظات حياتي وقلبت أوجاعا وجروحا كدت أنساها..».
واصل الحديث بعد إشعال السيجارة: «يبدو أن الطبيبة الرومانية تعمدت إيذائي قبل مواجهتي للأمريكي بوب شول في النهائي، لذلك قامت بفرك ذلك الورم ليستفحل الألم واستعملت مادة زادت من سوء الوضع وفي النهاية، وعند حلول موعد السباق في المساء، لم أكن قادرا حتى على المشي على رجلي، وأحسست بظلم وقهر كبيرين وندمت لأنني لم أقم بمعالجة ذلك الورم بنفسي لأني كنت واثقا من قدرتي على الفوز بذلك السباق، لأنني تفوقت على الأمريكي بوب شول في التصفيات وهو الذي أحرز الميدالية الذهبية في سباق 10 آلاف متر».
للتاريخ
بعدما يزيد عن أربعة عقود من الزمن مازالت الحسرة مرتسمة على وجه محمد القمودي نتيجة ضياع ذلك التتويج ما يؤكد أنه كان يبحث حينها عن مجد تونس أولا، ومرة أخرى، تكون قلة الامكانيات عائقا أمام تحقيق أغلى الأمنيات، فلو كان القمودي يرتدي حذاء مناسبا أو كان في الوفد التونسي حينها طبيب مختص لما حصل كل هذا..
جائزة القمودي تطورت في ذلك الوقت، فبعد الاستقبال الشعبي، وحمله على الأعناق بحضور حشد جماهيري كبير، منح الرئيس بورقيبة للقمودي سيارة من نوع 404 وعلّق صاحب الجائزة قائلا: «لقد كانت حينها أفضل سيارة في تونس وفرحت بها كثيرا».
سيطرة بالطول والعرض
تألق القمودي في الألعاب الأولمبية، أكسبه قوة ومقدرة على المنافسة لينجح في بسط سيطرته على مسابقات أخرى، في سنة 1967 نظمت تونس ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وفاز خلالها القمودي بميدالية ذهبية في اختصاص 5 آلاف متر ومثلها في اختصاص 10 آلاف متر.
من جهة أخرى هيمن الأسطورة التونسي على منافسات الألعاب العسكرية، فمنذ سنة 1962 الى سنة 1971، كان يفوز بميداليتين ذهبيتين في كل دورة حتى أطلق عليه لقب ملك المجلس الأعلى للرياضة العسكرية.
وهناك انجازات أخرى، تحدث عنها القمودي خلال تلك الفترة قائلا: «دعيت سنة 1966 للمشاركة في البطولة الانقليزية لألعاب القوى، وقد تمكنت من قهر الانقليز في عقر دارهم وفزت في سباقات 5 آلاف و10 آلاف متر، ثم فزت بنفس الألقاب في السنة الموالية 1967، فجاءني المدير الفني لآلعاب القوى في المنتخب الانقليزي ورفع لي القبعة قائلا: «قوتك في ذكائك وليس في قدميك»، ومنذ ذلك الوقت لم يتم استدعائي الى تلك المسابقة مجددا».
ملحمة 1968
الألعاب الأولمبية في مكسيكو 1968 يمكن وصفها بالملحمة، حيث تمكّن خلالها القمودي من إهداء أول ميدالية ذهبية أولمبية لتونس في اختصاص 5 آلاف متر وميدالية فضية في اختصاص 10 آلاف متر.
عن هذه الملحمة تحدث القمودي قائلا: «قمت بالاستعداد جيدا من خلال تربص قبل بداية الألعاب، وقد سافرت مع الوفد الفرنسي، وفزت كالعادة بميداليتين ذهبية وأخرى فضية، حينها أقام السفير الفرنسي بالمكسيك عشاء لتكريمي شخصيا وقال خلال العشاء: «لقد أعطت الحكومة الفرنسية الثقة فينا وأرسلت إبنها في حمايتنا، لقد كان في المستوى.. المفارقة أنني حينها كنت أسافر مع الوفد الفرنسي وألعب تحت راية تونس، رغم أن المغاربة والجزائريين كانوا يمثلون فرنسا..».
في المكسيك تعاونت مع الأستراليين لهزم الكينيين
يقول القمودي: «في المكسيك كان الكينيون مسيطرين على سباق المسافات الطويلة، من بينهم البطل كاينو وعندما أجرينا التصفيات المؤهلة، اقتربت منه وقلت له نحن الأفارقة يجب أن نساعد بعضنا البعض، فنظر الي بنظرة استهزاء واستعلاء، وقد حزّ ذلك في نفسي كثيرا، حينها وجدت المساعدة من الأسترالي كالارك (صاحب 7 أرقام قياسية أولمبية) الذي طلب مني أن نقود السباق منذ البداية، اتبعنا تلك الخطة وفي 100 متر الأخيرة حاول الكينيان التعاون لإسقاطي لكني كنت مستعدا لذلك ومحتفظا ببعض الطاقة للأوقات الحرجة، فتمكنت من تجاوز منافسي المباشر الذي أحسّ بقوتي فاستسلم قبل النهاية بثلاثين مترا» يضيف القمودي: «عندما عدت الى تونس استقبلني الرئيس بورقيبة وزوجته وقد قلّدني رتبة «قائد»، وأقيم حفل على شرفي في المرسى بحضور عدد من الوزراء».
منذ هذا الوقت يبدو ان أحوال الڤمودي تحسنت على المستوى المادي لينال ما يستحقه من الاهتمام قياسا بالانجازات التي حققها، كما ان الڤمودي أصبح رقما صعبا في معادلة سباق المسافات الطويلة وهو ما يفسّر أن جميع المنافسين قد أصبحوا يعرفونه ويقرؤون له ألف حساب.
ميونيخ 1972... أسوأ ذكرى
في أولمبياد مونيخ كان الجميع يعرف الڤمودي وعملوا على ايقافه بكل طرق، البطل الاولمبي تحدث عن هذه المشاركة «هي أسوأ ذكرى في مسيرتي والحصاد كان هزيلا واقتصر على ميدالية فضية في اختصاص 5 آلاف متر، أحسست بحسرة كبرى لأني كنت قادرا على النجاح أكثر، ففي سباق 10 آلاف متر أسقطني منافسي المباشر، لاس فيرون وهو فنلندي، على مضمار السباق وقد فاز بالميداليتين الذهبيتين في اختصاص 5 آلاف متر و10 آلاف متر... والسقوط في تلك الحادثة كان قويا فلم أستطع المواصلة وقررت عدم الاشتراك في سباق 10 آلاف متر فيما بعد حينها لم أجد الدعم الا من قبل زوجتي».
عاد الڤمودي الى سباق 10 آلاف متر لكنه لم ينجح في الفوز بذلك السباق وفسّر ذلك بقوله: «ارتكبت خطأ في ذلك السباق، حيث رفعت في النسق في 600 متر الاخيرة وهو ما جعلني أشعر بالارهاق وفسحت المجال لتألق لاس فيرل الذي تمكن من الفوز بالسباق».
نهاية الحكاية
شارك الڤمودي في أولمبياد مونريال سنة 1976 وحينها كان البطل الاولمبي يبلغ من العمر 38 سنة وكان جاهزا لخوض غمار تجربة جديدة لكن السياسة فعلت فعلها في الرياضة لينسحب الافارقة احتجاجا على الميز العنصري بجنوب افريقيا حينها، وكان انسحاب تونس من المشاركة بشيء من التأخير بعد صدور قرار رسمي ووصول برقية الى الوفد من الرئيس الحبيب بورقيبة لم يستطع الڤمودي المشاركة في أولمبياد 1980 بسبب تقدمه في السن، ورفض العمل كمدرب في الخليج وقد شرح الأسباب: «رفضت التدريب في الخليج رغم قيمة العروض، لأنني لا أقبل ان أكون أجيرا أو أن أكون «شغّالا» في الخليج احتراما لسجلي وانجازاتي واحتراما لتونس، فأنا أمثل تونس ولا يمكن ان أقبل اي عمل فضّ قد يمسّ من سمعتي وسمعة بلدي في حالة الفشل...»
وأضاف الڤمودي : «لم أفكّر يوما في الكسب المادي رغم أنني لا أنكر أني جنيت من الرياضة أموالا كافية، لكن محبة الشعب التونسي من الشمال الى الجنوب هي أفضل هدية وأغلى ثمن من اي جائزة او مقابل مادي.
الرياضة العسكرية وصناعة الابطال
الرياضة العسكرية قدمت لتونس بطلا أولمبيا في حجم الڤمودي وعندما تراجعت مكانة هذه الرياضة طالت سنوات الجدب لتبلغ الاربعين سنة، قبل ان نصنع بطلا آخر يهدي تونس ميدالية ذهبية وهو أسامة ا لملّولي.. وعن صناعة الابطال يتحدث الڤمودي : «يجب أن نواصل التنقيب عن المواهب في مختلف الجهات، واعادة هيكلة الرياضة العسكرية التي تفرض الانضباط والعمل المركز والمتكامل على قواعد علمية صحيحة لتكون بوابة انتاج المواهب والابطال ويعلم الجميع قيمة الرياضة العسكرية في العالم».
أمنية أخيرة
الحديث مع الڤمودي كان سيطول أكثر، لكن لابد لكل بداية من نهاية فسحنا المجال للبطل الاولمبي فقال: «أمنيتي ان أسمع النشيد الوطني وأرى علم تونس يرفرف في الالعاب الاولمبية المقبلة بلندن 2012 وقد طلبت من الملولي أن يحقق هذه الأمنية لجميع التونسيين، فهو من أفضل الرياضيين في تونس وأمل الجميع، أسامة أبكاني في بيكين وأرجو ان يبكيني في لندن...»
وفي سؤال عن المقارنة بين البطلين الاولمبيين الڤمودي والملّولي، أجاب صاحب الاربع ميداليات أولمبية:«نحن لسنا في محلّ مقارنة واعتقد انها لا تجوز بحكم اختلاف الظروف والاختصاص بيننا الى جانب اختلاف الاجيال خلال مدة زمنية فاصلة بيننا ولكن المهم ان يكون هناك دائما رجال قادرين على رفع علم هذه البلاد عاليا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.