يخال المرء وهو يجوب أحياء المدينة العتيقة بباجة أنّ الزّمن قد عاد به إلى سنوات كانت فيه ليالي رمضان أحلى من طعم المخارق. والمؤسف اليوم أن الوضع تغيّر وأضحت مظاهر التمدّن حاضرة في كلّ حيّ. لم تعد أحياء المدينة العتيقة وأزقّتها تحمل تلك الصّورة الناصعة عن الحياة الهادئة والبيئة النظيفة فغدت منذ شهور عديدة مصبّا للفضلات بأنواعها. ورغم النداءات وأصوات الاستغاثة لم تحرّك السّلط الجهوية ولا جمعيات صيانة المدينة الّتي تحتاج هي الأخرى إلى الصّيانة ساكنا وهو ما دفع غيرة بعض أبناء هذه الأحياء إلى الانتفاض على المشهد القاتم ومحاولة درء الخطر البيئيّ الذّي أصبح يهدّد حياتهم حيث تمّ حجز معدّات البلدية الّتي تراخت في رفع تلك الأكوام من الفضلات الملقاة بجانب مستوصف «العربي زرّوق» بقلب المدينة العتيقة ثمّ شكّل كلّ من يوسف النّويشي وحاتم القلعي وهما من متساكني المدينة لجنة أطلقوا عليها اسم «أحبّاء المدينة العتيقة» الّتي بادرت بالتصدّي للمخالفين ورفع الفضلات ومنع إعادة تكدّسها من جديد وتنظيف بطحاء «البرادعيّة» من صناديق الخضر الملقاة في كلّ مكان والشّروع في تبليط أرضيتها وصيانة واجهتها الأماميّة وإعادة إبراز معالم زاوية «سيدي الطيّب البلاقي» الّتي تعرّضت إلى الطّمس وإلى تغيير لبابها التاريخيّ كما تمّ تركيز كراسي جميلة ومزهريات مزركشة غرست فيها نباتات الزّينة ب «باب العين» و«صبّاط السعيّد» والّتي عوّضت مصبّات الفواضل. وقد تحدّث السيّد حاتم القلعي عن هذه المبادرة فقال إنّ اللّجنة قد وجدت دعما من بعض التجّار والمتساكنين غير أنّ الجزء الأكبر من المصاريف حيث بذلنا جهودا مضنية ويوميّة لتوفير الأموال والتّجهيزات بإمكانياتنا الذاتية المتواضعة وذلك في ظلّ ضعف مساهمة السّلط الجهوية والوعود الرنّانة الّتي رفعتها الأحزاب خلال الإنتخابات الفارطة والّتي لم نشاهد لها أثرا من ذلك أنّ معتمدية باجة الشمالية وفّرت بعض معدّات الأشغال ووضعت البلدية 5 عمال وجرّارصغير لنقل المعدّات على ذمّة اللّجنة كما قامت أخيرا باستبدال بعض الفوانيس المعطّبة بعد طول انتظار والغريب أنّ «البرادعيّة» كانت قبل الثّورة تحظى بصيانة ملفتة للإنتباه خصوصا وأنّ الجامع الكبير ينتصب في وسطها وهو ما أثار استغراب المتساكنين.
اليوم بدأت المدينة العتيقة وأحيائها تستعيد شيئا فشيئا بريقها الّذي انطفأ وها هي تحاول أن تسترجع الماضي الجميل حين كانت تحتضن سهرات رمضانية على إيقاع السّلاميّة والمالوف والعيساوية والفداوي وهو ما تسعى إليه جاهدة لجنة «أحبّاء المدينة العتيقة» مستقبلا خصوصا إذا ما توفّرت العزائم الصّادقة والإمكانيات الماديّة بعيدا عن الحسابات والحساسيات الّتي أضرّت كثيرا بصورتها وهي الشّاهدة على تراث باجة الغارق في القدم.