عديدة هي الطرائف بشهر رمضان المعظم وإن اختلفت من شخص الى آخر إلا أن أحجيتها تعدّ من النوادر خاصة وأنها تكتسي صبغة الطرافة في مضمونها. الشيخ الأخضر بن عليّة ناهز العقد الثامن ومقيم بأحد أرياف سليانة إذا شاخ الزمان ومازال بعد شباب نتيجة الحركية الدائمة بين مقر سكناه ومدينة سيانة يرتدي جبّة وشاشية حمراء زادته وقارا اقتربنا منه عند محطة النقل الريفي فسألناه إن كان بذاكرته طرفة حصلت له خلال شهر رمضان المعظم فأردف قائلا وبدون تفكير لأن ما سيرويه لم ولن يمحى من ذاكرته وذاكرة عائلته كيف لا وبعد أن قام محدثنا بشراء كل حاجيات الافطار من خضر وغلال ولحوم من أجل إعداد وجبة اقترحها خطوطها العريضة على زوجته المصون لتعدّها له ولأبنائه الأربعة ولضيوفه الذين حلّوا في ذلك اليوم. حم محدثنا القفة واتجه كعادته الى محطة النقل الريفي ليعود أدراجه الى المنزل، امتطى شاحنة النقل الريفي حذو الساق ووضع قفته من الخلف لأنها كانت شاغرة من الركاب وعند وصوله الى المحطة المحاذية لمنزله قام بتسديد معلوم الرحلة ونزل من الشاحنة قاصدا منزله.
انطلق السائق ليواصل رحلته واصطدم شيخنا بخيبة أمل عندما فاجأته زوجته عن مصير قضية الافطار فرسمت بوجه محدثنا حسب حديثه كل الألوان الزيتية فأصيب بهول وأعلم حرمه بأنه نسيها بشاحنة النقل الريفي وانه سيعالج الأمر حالما يعود صاحب الشاحنة فعاد الى المحطة وبقي ملازما لها لمدة تفوق الساعة ونيف فأوقفه وحمل «قفته» بما تحتويه واتجه مسرعا نحو زوجته مبشرا إياها بأن محتويات «القضية» سليمة وبما أن الزوجة أدرى بتوقيت إعداد وجبة الإفطار وما يلزمه من وقت فإن المائدة حسب شيخنا كانت جاهزة بعد موعد أذان صلاة المغرب بنصف ساعة مما جعلهم يستنجدون ب«البسيسة» الى حين وتحضير الأطباق.