من أخلاقه انه كان لا يغتاب أحدا ولا حتى عدوّا له وعلّق أحد العلماء على هذه الصفة بأن أبا حنيفة أعقل من ان يسلط على حسناته ما يذهبها، ومن ورعه انه كان لا يغشّ، فكان يشارك في تجارة الثياب ويقول لشريكه حفص بن عبد الرحمان: في ثوب كذا عيب فبيّن إذا بعته. وباع حفص المتاع ولم يبين ونسي. فلما علم ابو حنيفة ذلك تصدّق بثمن الثياب كلها. وكان لا يقبل المال من الخليفة ويقول: لن أمسّ منه درهما ولو ضربت عليه. وكان لا يكلّمه احد في حاجة الا قضاها له ويروى عنه ان شاة سرقت في عهده لم يأكل لحم شاة مدة تعيش الشاه فيها ووصف بأنه كان طويل الصمت دائم الفكر، قليل المحادثة للناس.
يقول عند عنه ابن خلكان في «وفيات الأعيان» كان عالما عاملا زاهدا عابدا ورعا تقيا كثيرا الخشوع دائم التفرّع الى الله تعالى». ويقول: «كان حسن الوجه، حسن المجلس، شديد الكرم، حسن المواساة لإخوانه... أحسن الناس منطقا وأحلاهم نغمة».
أبو حنيفة والإسكاف
ومما يروى واشتهر عنه انه كان له جار بالكوفة اسكافيا يعمل نهاره أجمع وفي الليل يرجع الى منزله فيشرب ولايزال يشرب طول الليل، حتى إذا دب الشراب فيه غرّد بصوت وهو يقول: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يتعبّد، يصلّي ويتهجّد، ويسمع غناء الاسكاف كل ليلة.. وفي ليال لم يسمع أبو حنيفة صوته وغناءه فسأل عند فقيل له: أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس. فصلّى ابو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلته واستأذن على الأمير فقال الأمير: ائذنوا له. وأقبلوا به راكبا ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط ببغلته، ففعل. ولم يزل الأمير يوسع له في مجلسه ويكرمه، وقال: ما حاجتك؟ فقال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليالي، يأمر الأمير بتزكيته. فقال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة الى يومنا هذا! فأمر بتخليتهم اجمعين. فركب أبو حنيفة والاسكاف يمشي وراءه فلما نزل ابو حنيفة مضى اليه وقال: يا فتى! أضعناك؟ فقال: لا، بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرا عن حرمة الجوار ورعاية الحق. وتاب الرجل ولم يعد الى ما كان عليه.