من تكذيب قوم شعيب لنبيهم أيضا أنهم لم يصدقوا بأن يكون لبشر مثلهم صلة بالسماء، فقالوا: {وَمَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} (الشعراء: الآية 186)، كانوا يقولون: {يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} (هود: الآية 91)، وهذا من شدة كفرهم وعنادهم، فهم لا يفقهون كثيراً مما يقول، لأنهم يكرهون ما يقول، ولا يريدون سماعه، وهو قول المكذبين دائماً، فذلك القول قالته قريش لمحمد، في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} (فصلت: الآية 5). قال قوم شعيب عليه السلام إنا نراك فينا ضعيفاً ولولا قبيلتك وعشيرتك لرجمناك، فقال عليه السلام: {يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} (هود: الآية 92)، أتخشون قبيلتي وعشيرتي، ومن أجل ذلك ترعونني، هل صار رهطي أعز عليكم من الله، بينما تجعلون الله الذي خلقكم ورزقكم وراء ظهوركم؟، {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} (هود: الآية 92)، فالله خبير بما تعملون, وسيجزيكم على أفعالكم ومكركم وسيحل عليكم عقابه، قال: {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (هود: الآية 92). وجد شعيب عليه السلام إصرارهم على الكفر، كما هددوه بإخراجه من قريتهم، أو العودة إلى ملتهم والكف عما يدعو إليه، قال تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} (الأعراف: الآية 88)، فقال لهم شعيب عليه السلام {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} (الأعراف: الآية88)، قال إننا إن عدنا إلى ملتكم، بعد أن هدانا الله ونجانا منها، نكون قد افترينا على الله كذباً، قال: {قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} (الأعراف: الآية 89). ونعود إلى أصحاب الأيكة، فقد كذبوا نبي الله شعيباً. قال تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ(176)إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ(177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(178)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (الشعراء: الآيات 176-179)، فقد دعاهم شعيب عليه السلام كما دعا قوم مدين، فكذبوه هم الآخرون. وأخيراً أنذرهم شعيب عليه السلام عذاب الله، وعليهم أن يرتقبوه وهو معهم رقيب، فليعمل كلٌ على طريقته، وليرتقب الجميع ما يحدث، قال شعيب عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} (هود: الآية 93)، إن شعيباً عليه السلام يثق في وعد الله بإهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين، فهاهم قد أصبحوا فريقين، فريقاً آمن بشعيب عليه السلام ، وفريقاً آخر لم يؤمن، فليصبر كلا الفريقين حتى يحكم الله بينهما، هذا ما قاله شعيب عليه السلام لقومه: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ ءَامَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (الأعراف: الآية 87).