عذاب قوم شعيب وأصحاب الأيكة لما أصر كفار مدين على كفرهم وعنادهم وحان وقت إهلاكهم، أخذتهم الرجفة فأصبحوا في منازلهم جثثاً هامدة لا روح فيها ولا حراك، قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (الأعراف: الآية 91)، أي: رجفت بهم الأرض، وزلزلت زلزالاً شديداً فأزهقت أرواحهم، وقد سلط الله عليهم صنوفاً من عقابه، وجمع لهم أنواعاً من عذابه، وذلك لقبح صفاتهم وإصرارهم على تكذيب نبيهم، أخذتهم رجفة شديدة زلزلت الأرض من تحت أقدامهم، كما أخذتهم صيحة عظيمة أسكنت حركاتهم، لقوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ(94)كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}(هود: الآيتان94، 95). وبعد أن نجى الله شعيبا والذين آمنوا من أهل مدين، أرسله الله إلى أصحاب الأيكة، (هي غيضة تنبت شجراً ناعماً يسمى الأيكة كانت بقرب مدين)، كان يسكنها طائفة من الناس، وكانوا على طريقة أهله الذين أهلكهم الله، فنهاهم شعيب عما كانوا يعملون، فكذبوه وقالوا: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ(185)وَمَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ(186)فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(187)قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الشعراء: الآيات 185188)، كان من شدة حماقتهم وجهلهم أن طلبوا من شعيب أن يُسقط عليهم كسفاً من السماء (أى قطعاً من السماء) إن كان صادقاً في دعوته، فأخذهم عذاب يوم الظلة (سلط الله عليهم الحر سبعة أيام حتى غلت مياههم، ثم ساق إليهم غمامة فاجتمعوا للاستظلال بها من وهج الشمس، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا جميعاً)، قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(الشعراء: الآية 189). وقال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينْ} (الأعراف: الآية 92), ثم لما هلك القوم تركهم وتولى عنهم وهو غير آسف عليهم وقال: {يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} (الأعراف: الآية 93)، قال لقد أديت ما كان واجباً علي من البلاغ التام والنصح الكامل، وحرصت على هدايتكم بقدر استطاعتي فلم ينفعكم ذلك، لأن الله لا يهدي من أراد الضلال، ولا آسف عليكم فكيف آسى على قوم كافرين؟:{فَكَيْفَ ءَاسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} (الأعراف: الآية 93).وعن هلاك أصحاب الأيكة قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ(78)فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}(الحِجر: الآيتان 7879). وقد ذكر الحافظ بن عساكر في تاريخه عن ابن عباس :أن شعيبا توفي بمكة المكرمة ومن معه من المؤمنين، وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم.