شحرور الخضراء وبيتهوفن المشهد السياسي التونسي، العائد حديثا الى موقعه الأصلي، وتربته الطبيعية، بدأ هذه الايام وصلاته بنغمات مضبوطة في مقاصدها، وموزونة على دهاء ومكر كبيرين. فقد صرّح الأستاذ عبد الفتاح مورو بأن المعركة الانتخابية ستنحصر بين النهضة والدساترة، وهو بهذا القول يرمي بكرة نار صوب البقية الباقية التي وإن كانت لا تتناغم مع النهضة أو حتى تكرهها، فإنها تمقت الدساترة وفي أقل الحالات تخجل من أي وصل أو وصال معهم.
والأستاذ مورو الذي يريد لعب دور عمرو بن العاص انما يقصد ترويع الناس وتخويفهم لا تشريح الواقع وتفكيكه بفزّاعة عودة الدساترة بعد أن تأكّد بأن عُبّيثة النهضة توفّر لها بعض التمكين!
وهو يعلم أن لا وجود أصلا للدساترة، فهم إما تبخّروا وانحلّوا وتحللوا، أو اندمجوا في بعض الاحزاب وأوّلها أحزاب الترويكا، أو بعثوا بحُزيبات صغيرة هي أشبه بدكاكين لا بيع فيها ولا شراء، وهؤلاء يهدّدهم قانون الاقصاء حتى وهم أشبه بالشاة الوهنة التي لا تدرّ حليبا ولا توفّر لحما.
وشحرور الخضراء الذي أعادته النهضة ليسدّ فراغا، ولكي يكون علما لمرحلة، وحتى يعيد لكثير من ناخبيها (أي النهضة) المصدومين من أدائها رشدهم، إنّما هو يغمز ويلمز الى حركة نداء تونس التي يجب أن تتعلّق بها كل التهم وإن كان كل ذلك لا يرقّع في شيء لا تآكل شعبية النهضة، ولا تهرئة حكومتها السنية، ولا تراجع مكانتها دوليا، وهو أي الشحرور يطبق تلك المقولة إيّاك أعني فافهمي يا جارة، وهي أنجع وأفْيد من ذلك الهجوم المباشر الركيك الذي تتعرّض له حركة النداء التي لا نعرف بالضبط هل هي من الضعف بمكان كما يقول أحيانا بعض قادة ال«ترويكا» وبالتالي فما فائدة الهجوم ليلا نهارا عليها؟ أم هي من القوّة التي يقول السيد راشد الغنوشي إن تونس تحتاجها؟
ففي كل مناسبة يذكر بأنه من صالح البلاد وجود أحزاب قوية، ولكنه في كل مناسبة لا يتردد لحظة في الهجوم حتى على أصغرها؟ إن شحرور الخضراء الذي تريد به النهضة تسويق صورة جديدة للبلْدي المنفتح، الظريف، اللطيف، النكّات، وذلك اعتقادا منها بصعوبة الانتخابات القادمة وتعويضا لأولئك الذين أرادت تسويقهم من مشائخ الخليج كالقرضاوي أو غنيم المصري فارتدوا عليها وبالا، وشوهوا صورتها، وأضعفوا حجتها، ومسّوا مصداقيتها. إن هذا الشحرور لآت فقط بغرض أن يفلّ حديد ذلك البلدي الآخر قائد السبسي. فما يفلّ الحديد إلا الحديد، وما يفهم «ضمار» البلدي كان البلدي. إن سيدي عبد الفتاح سوف يبدأ قريبا في اللعب المباح وغير المباح في ضوء القميرة ونورها وعلى البحيرة وشكلها هو وحبيبه فوق الزورق، واحد يغني وواحد يسمعلو. ويا ستّار يا جبّار!