كتبت عدة مرات في هذه الزاوية عن الذي يجري في مصر العربية بعد ثورتها. وكنت متطيرا وأضع يدي على قلبي من هذا النفوذ الواضح للمجلس العسكري الذي كان يترأسه المشير طنطاوي أحد أعمدة عهد السادات ومن ثم مبارك، وكان الشعب المصري الذي قاد الثورة وأطاح بدكتاتورية الفساد التي كان يقودها مبارك وابناه ومجموعة من حزبه الحاكم هو أول من احتجّ على دور العسكر ورفض أن يسلم لهم مبارك السلطة قبل انسحابه منها ومن ثم محاكمته ووزير داخليته وكبار مسؤولي نظامه تحت ضغط الشعب المصري. وكانت الشعارات تتعالى خاصة في ميدان التحرير برفض حكم العسكر الذين كانوا يرون فيهم استمرارا لعهد مبارك وأن الثورة لا يمكنها أن تستكمل إذا لم تتم الاطاحة بالجنرالات الذين قاتلوا من أجل أن يجلس على سدّة الحكم رئيس جمهورية منهم حيث راهنوا على الفريق أحمد شفيق بعد أن تمّ إفشال ترشيح رجل المخابرات الذي رحل لاحقا عمر سليمان.
كنا نحسّ نحن الذين نحبّ مصر ونحبّ شعب مصر ودور مصر الريادي وأهميتها بأنه وبعد فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية أن الحكم المصري صار برأسين، أولهما العسكر الذين كانت بأيديهم كل السلطات خاصة بعد حل مجلس الشعب المنتخب بحكم قضائي ونقل السلطات التشريعية للمجلس العسكري. كان من يراقب المشهد يحس بأن الأمور لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، وسرت شائعات أن المجلس العسكري لا يمكنه أن يقبل برئيس مدني لمصر، وأن الحكم كما سمّيته في مقال سابق «غنيمة العسكر التي لا يفرّطون بها ولا يتركونها لغيرهم حتى لو جاء به صندوق الاقتراع.
ثم جاءت ضربة الرئيس محمد مرسي الشجاعة الحاسمة بإحالة المشير طنطاوي وعدد من كبار ضباط المجلس العسكري علي التقاعد وعيّن بدائل عنهم أدوا اليمين أمامه وأثبتوا بأنهم ينفذون إرادة رئيس الجمهورية.
كان هذا حدثا كبيرا، أوقفت الفضائيات أخبارها المعتادة وخصّته بعناية كبيرة وأخضعته للتحليلات وجاءت بالخبراء ليدلوا بآرائهم. رأى البعض أن هذه القرارات الجمهورية هي «أخونة» للمجتمع المصري وسبب هذا كون د. مرسي من الاخوان، ولكن هذا رأي قاصر بل وغير بريء ويُراد به إحداث فتنة داخل الشعب المصري لاحظنا كيف ترافق هذا مع أحداث في الصعيد بين مسلمين وأقباط كما أن د. مرسي بعد وصوله الى الرئاسة منتخبا من قبل الشعب المصري أعلن استقالته من منصبه الحزبي لأنه أصبح منذ لحظة انتخابه رئيسا لكل المصريين وليس لحزب العدالة والتنمية.
لقد أثبت د. مرسي أنه رجل دولة، وأنه لم يرض بفتات صلاحيات ليكون مجرد رئيس ديكور وجلّ صلاحياته ليست بيده بل بيد العسكر. إنها ليست «أخونة» بل إعادة السلطة الى الحكم المدني الذي لم تعرفه مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952 حيث كان العسكر يسلمون الحكم للعسكر حتى المناصب الديبلوماسية والادارية كانت أغلبها بأيديهم.
لقد أعاد د. مرسي أيضا ترتيب البيت المصري فجاء بنائب رئيس وهو الأمر الذي لم يقبل به مبارك طوال سنوات حكمه ليكون «الأوحد» حتى يقضي اللّه أمرا كان مفعولا وينصّب ابنه جمال رئيسا بناء على رغبة والدته السيدة سوزان.
إن المظاهرات التي صارت تتكرّر في ميدان التحرير وآخرها مظاهرات يوم أمس الجمعة تريد من الرئيس مرسي ما هو أكثر من الاحالة على التقاعد، تريده أن يقدم بعض أعضاء المجلس العسكري الى القضاء، لأن شباب الثورة يتهمونهم بأنهم كانوا وراء قتل الشهداء أثناء الثورة المصرية. فهل يفعلها د. مرسي ويحيلهم الى القضاء؟ أم أنه يكتفي بإحالتهم على التقاعد، ومنحهم مناصب استشارية على سبيل الترضية؟
هذا ما لا نستطيع الجواب عنه لأنه من شواغل السياسة الداخلية المصرية، والرئيس ومن معه في مجلس الوزراء والمستشارين الأقدر على وضع الأمور في مسارها المطلوب رغم أن شباب الثورة لا يهدأ له بال ما لم تنفذ مطالبه التي ثار من أجلها.