إنّ يوم الجمعة يوم عظيم تفتّح فيه أبواب السّماوات ويجازي الملك الديّان المسرعين للطاعات والسابقين لفعل الخيرات، توزّع فيه الجوائز من ربّ الأرض والسماوات، فلا تكونوا من الأشقياء والمحرومين ونقّوا قلوبكم من وساوس الشيطان الذي حال بينكم وبين أن تصلوا أرحامكم فالله أمرنا بصلة الرحم في مواضع من الكتاب فقال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النّساء 1). وكان يقال إذا كان لك قريب فلم تمش إليه برجلك ولم تعطه من مالك فقد قطعته. وقال أبو ذر رضي الله عنه: أوصاني خليلي عليه الصلاة والسلام بصلة الرّحم وإن أدبرت وأمرني أن أقول الحقّ وإن كان مرا. (رواه الإمام أحمد وابن حبان وصححه) وقال صلّى الله عليه وسلّم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعون وأحسن إليهم ويسيئون إليّ ويجهلون عليّ وأحلم عنهم قال: لئن كان كما تقول كأنّما تسفّهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. (رواه مسلم وغيره). ومن ثمرات صلة الرّحم 1- الصدقة لذي الرّحم تؤجر بها اثنتين: عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: الصدقة على المساكين صدقة، وعلى ذي الرّحم اثنتان صدقة وصلة. (أخرجه الترمذي) 2- من وصل رحمه وصله الله برحمته: من حديث أبي عتبة الخولاني عن عبد الرّحمان بن عوف أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول عزّ وجلّ: أنا الرّحمان وأنا خلقت الرّحم واشتققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته. (أي قطعت عنه الرّحمة) (أخرجه الإمام أحمد). وعند مسلم: الرّحم معلّقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله. 3- أفضل النّاس من وصل رحمه: من حديث درة بنت أبي لهب بإسناد حسن روى الإمام أحمد والطبراني أنّه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: أيّ النّاس أفضل؟ قال: أتقاهم لله وأوصلهم لرحمه. 4- تزيد في المال والعمر: عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من أحبّ أن يبسط في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه. (متفق عليه). ومن أجمل ما قيل في تفسير {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} (الرعد 39) . قال الضحاك بن مزاحم إنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاثة أيام فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة، وإنّ الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيحطه الله إلى ثلاثة أيام. 5- صلة الرّحم تقرّبك من الجنّة وتبعدك عن النّار: قال تعالى {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد 20... 24) ومن حديث أبي أيّوب الأنصاري أنّ أعرابيا عرض للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم في مسيرة فقال: أخبرني ما يقربني من الجنّة ويباعدني من النّار قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصّلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرّحم. 6- من وصل رحمه أحبّه الله: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من اتّقى ربّه ووصل رحمه نسئ في أجله وثرى ماله وأحبّه الله. أمّا عقوبة قاطع الرّحم في الدنيا والآخرة 1- في الدنيا يعجّل لصاحبه العقوبة: الذين يعيشون في تعاسة، كثرة الديّون، وكثرة الهموم، والخصام الدائم في البيت، وضيق الصدر، والمصائب من كلّ صوب وحدب، والمرض، والنّكد 2- اللّعنة من الله والصّمام والعمى: قال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد 22 و23) 3- اللّعنة من الله وسوء الدّار: قال تعالى {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (الرعد25) 4- لا تتنزّل الرحمة على قاطع الرّحم 5- وأمّا في الآخرة عدم الدّخول إلى الجنّة: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال إنّ الرّحم شجنة من الرّحمان تقول يا ربّ إنّي ظلمت يا ربّ إنّي قطعت يا ربّ إنّي إنّي فيجيبها ألا ترضين أن أقطع من قطعك وأصل من وصلك. فلا تكنّن ممّن قال فيهم الله تعالى {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} (الإسراء 60).
