تشهد عدة مناطق من البلاد حالة احتقان اجتماعي لأسباب مختلفة، لكن اللافت أنّ ما يجري له أوجه عديدة ومن الصعب تبين الحقيقة بما أنّ كل طرف يقدم رواية بما يتماشى وتوجهاته السياسية. الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تتفاعل مع ما يجري من أحداث وتطورات وتواكب كل ذلك بإصدار البيانات وتعبر عن مواقفها مما يجري، لكن يبدو أن هذه المواقف لا تخرج عن التوظيف السياسي، فالأطراف الحكومية تتهم خصومها بإثارة المشكال في الجهات لتحريض الاهالي على الحكومة وإظهار أنها فاشلة وغير قادرة على تنفيذ برامجها وبسط نفوذها، والأطراف المعارضة تتهم الحكومة باللجوء إلى الحلول الأمنية في معالجة المشاكل مع ما يعنيه ذلك من تجاوزات وتعدّ على حقوق الأفراد والجماعات.
تصورات متباينة
والمتأمل في البيانات التي تصدرها الأحزاب السياسية، وآخرها بيانات تتعلق بما حدث في مدينة الحنشة من ولاية صفاقس قبل أيام، يلاحظ فروقا كبيرة في مضمونها ويجد صعوبة في فهم حقيقة ما يجري بما أن لكل طرف روايته التي يسعى من خلالها إلى كسب نقاط على حساب خصمه السياسي، والحال أن المطلوب من الاحزاب ان تعمل على تهدئة الاوضاع بعيدا عن التوظيف السياسي... فأي دور للأحزاب في هذا الباب؟
عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري والنائب بالمجلس التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية عصام الشابي أكّد انه لا بد من الاتفاق على أن ما تشهده عدة جهات وخاصة المناطق الداخلية تحركات شرعية تستمد شرعيتها من طول انتظار لتنمية لم تأت بعد وأنها تحركات شرعية ومفهومة.
وأوضح الشابي أن دور الاحزاب يتمثل في تأطير هذه التحركات والمحافظة على طابعها السلمي وضمان عدم انفلاتها وتحولها إلى احداث عنف ، لكنه أكّد ان «التخفيف من حدة الاحتقان والاحتجاج هو أيضا من مسؤولية الحكومة، عبر تحقيق مطالب الناس والالتفات إلى الجهات لا بالقول والبيانات والوعود بل بتنفيذ برامج تنموية يكون بإمكانها إقناع الناس وتلبية مطالبهم وتغيير وجه الجهات المحرومة والمهمشة».
وأضاف الشابي أن «هذا الامر بيد الحكومة لأن بيدها إمكانيات البلاد وبيدها تفعيل المشاريع وإنجازها، ولكن لا نحن كأحزاب في المعارضة نرى ذلك ولا أهالي الجهات المحرومة يرونه، بل ما نراه هو أن الحكومة تفتقد لبرنامج تنمية يختلف عن منوال التنمية القديم ولا تزال تتعامل بالوعود حتى خاب امل الناس فيها وفقدوا الثقة في أن تتحسن أوضاعهم».
وأكد الشابي أنّ الحد من الاحتقان يكون ب «الحوار وإيجاد رؤية حكومية حقيقية بعد حوار وطني جدي بمشاركة قوى سياسية واجتماعية وتشريك اهالي الجهات في مجالس جهوية تعدّدية لوضع تصورات للخروج من هذا المأزق».
مسؤولية الحكومة
من جانبه قال أمين عام حزب العمال حمة الهمامي إن الحكومة هي التي يجب أن تهدئ الوضع لأنها هي التي تمسك بإمكانيات البلاد وهي التي بيدها الحلول وبالتالي فإن تحميل الأحزاب مسؤولية ما يجري من احتقان ومن أحداث في الجهات ليس صحيحا.
وأوضح الهمامي «كمثال على ذلك أن تعين الحكومة واليا أو معتمدا أو مسؤولا على رأس مؤسسة ويثير ذلك غضب الناس أو عندما تتلكأ الحكومة في دفع رواتب عمال الحضائر أو عندما تعد الحكومة بمشاريع ولا تنجز لا يمكنها ان تطالب الاحزاب بالتهدئة بل يجب أن تتحمل مسؤوليتها... فليس من دور الأحزاب أن تقوم بدور رجال المطافئ.. هذا ليس مطروحا تماما، فدور الاحزاب أن تنقد الحكومة وتنظم وتعبئ الشعب».
وتابع أمين عام حزب العمال قوله «نحن لا نرى للأحزاب دور رجال مطافئ ولا إثارة مشاكل وافتعالها بل إن دورها النقد وتقديم مقترحات وتنظيم الناس وتوعيتهم بطرق مشروعة وسلمية» موضحا أنه «عندما تقوم الاحزاب بهذا الدور فهي تخدم لصالح تونس، فالدفاع عن تونس لا يعني الدفاع عن الحكومة بل التصدي لها إن أخطأت». وعرّج الهمامي على أحداث الحنشة الأخيرة قائلا إنّ بعض المواطنين اتصلوا به من هناك وأكدوا له أنّ ما قامت به قوات الأمن من حملات تمشيط لم تشهده المدينة في عهد الدكتاتورية وأنّ والي الجهة لا يعمل كرجل دولة بل كممثل لحركة النهضة يراقب ويحاسب الناس وكل من ينتقد الحكومة» حسب قوله.
في المقابل تتهم حركة «النهضة» خصومها بإثارة المشاكل في الجهات وبافتعال التوتر ولا تتردد في وصفهم ب «جرحى الانتخابات» كما جاء في بيانها الأخير حول احداث الحنشة وتنفي بشكل قاطع رواية الاستخدام المفرط للقوة من طرف رجال الأمن لتكميم الأفواه وقمع الاحتجاجات. وقد اتصلنا بعدد كبير من القيادات في حركة «النهضة» مرارا للحصول على موقف الحركة ورؤيتها للموضوع دون جدوى.