يعيد انطلاق قمة دول عدم الانحياز بالعاصمة الإيرانية طرح أسئلة حائرة وحارقة حول حاضر ومستقبل الحركة وحول الأفكار والمضامين والسياسات التي يمكن الآن أن تجمع فسيفساء دول لم يعد يجمع بينها أي شيء.. تقريبا. عند ميلادها في الخمسينات كانت الحرب الباردة في أوجها وكان الاستقطاب للمدار الرأسمالي أو الشيوعي في أوج حدته.. وكانت الثنائية القطبية تجذب إلى مغناطيس هذا القطب أو ذاك كل «شاة شاردة».. لذلك كان التداعي على يد زعماء أفذاذ من طينة جمال عبد الناصر (مصر) وأحمد سوكارنو (أندونيسيا) وجوزيف بروزتيتو (يوغسلافيا) بمثابة رجّة الضمير وقارب النجاة لكل الدول المستضعفة في الأرض.. والتي كانت تبحث عن طريق ثالثة يقيها شرور وعواقب الانجذاب إلى فلك المعسكر الرأسمالي أو المعسكر الشيوعي.
وبإرادة الزعماء الأفذاذ وبوجاهة الفكرة وبجاذبية المضمون أمكن لحركة عدم الانحياز أن تشكل قطبا ثالثا يحتمي به وداخله كل المستضعفين الذين راهنوا على الاستقلالية سبيلا لانجاز نموذج تنموي وطني بعيدا عن المنوالين الشرقي أو الغربي.
الآن، وهذا ليس جديدا، انهار المعسكر الشرقي وتغوّل المعسكر الغربي وتوحشت الفكرة الرأسمالية.. وباتت مؤسساتها الكبرى من قبيل صندوق النقد (أو النكد) الدولي والبنك العالمي بمثابة «حكومات» عابرة للقارات تملي السياسات والتوجهات وتنثر القروض والمساعدات في كل الاتجاهات.. ولم ينج من براثن هذه المؤسسات إلا القليل القليل.. فأي موقع لحركة عدم الانحياز وسط هذا؟ وأية مضامين جديدة يمكن أن تختزل تحولات عالم اليوم لتؤسس إلى مستقبل متماسك لدول تكابد لتبقى على قيد الحياة وتبقى مصائرها مرهونة بيد المؤسسات النقدية الدولية؟
إنه السؤال المحوري الذي يجب على دول الحركة وقياداتها وشعوبها أن يضع له جوابا شافيا يضع النقاط على الحروف ويشرح لنا عدم الانحياز الآن إزاء من؟ وإزاء ماذا؟ ومتى عرفنا من نحن؟ من نكون؟ وماذا نريد وكيف وبأية وسائل نصل إلى ما نريد فإنه بإمكاننا الجزم بأن حركة عدم الانحياز التي ننتمي إليها هي جسد حي ينبض بتفاعل مع المحيط بما فيه من تحولات ومن مستجدات ومن تحديات.