هواجس عديدة يحملها الفنانون والمبدعون والإعلاميون مدارها سؤال رئيسي أي خطر يهدد الأعمال الإبداعية ويترصد السلطة الرابعة؟ وهم يرون مساحة واسعة من الحرية وكأنّها بدأت تتقلّص مع إيداع المنتج سامي الفهري السجن بغضّ النظر عن حيثيات قضيته مع التلفزة التونسية ومآلها العدلي والقانوني. فنّانو تونس ومثقفوها وإعلاميوها حلموا بالحرية وحملوا معها بعد الثورة آمالا كبيرة على أجنحة إبداعاتهم وأقلامهم غير أنّه عندما يتعلق الأمر بإيقاف عرض مسرحي أو بمؤاخذة رسامين على أعمالهم مهما كانت مداراتها ومواضيعها باستثناء المسّ بالمقدسات الدينية أو محاسبة إعلاميين بمجرد نقدهم للساسة والسياسة القائمة في البلاد. فإنّ سؤالا آخر يطرح هنا أي منطق أو «لوجيك» يمكن أن يحاسب أو يعاقب وفقه الفنانون والمبدعون إذا استثنينا طبعا المنطق المتعامل به قانونيا وأخلاقيا والذي يضبط بنواميسه وفصوله كل مهنة أ ونشاط فني أو إبداعي. «لوجيك عقابي»
فالمثقف والمبدع والإعلامي أصبح اليوم في وضع لا يحسد عليه بعد أن تتالت سلسلة الاعتداءات والمحاسبات حتى أن «اللوجيك السياسي» الذي أبدعه سامي الفهري لنقد الحكومة تحوّل إلى «لوجيك عقابي» ذهب ضحيته الفهري وستتوالى الضحايا في ظلّ هذا المناخ العام الذي يتجه نحو التضييق وممارسة سياسة «التخويف» ويقول الممثل حسام الساحلي في هذا الصدد (جمعية خريجي معهد الفنون الدرامية) إن ما حصل لسامي الفهري هو حملة ممنهجة من الحكومة الحالية لتركيع الإعلاميين ومن ورائهم المبدعون ليكونوا «البوق» أو الناطق باسمها ويضيف حسام الساحلي أن الحكومة باستطاعتها تغيير المناصب لكن لن تستطيع إسكات الإعلاميين والمبدعين حتى وإن كانت لديها من الخبث والمكر ما يساعدها على ذلك.
وبغضّ النظر عن تورط سامي الفهري في قضية فساد أو لا يتساءل الساحلي لماذا تم إيداعه السجن في هذا الوقت بالذات؟ ويقول حسام الساحلي: «كنّا نتمنى أن ننتج عملا مثل «اللوجيك السياسي» وعندما توصل سامي إلى هذا الإبداع زجّ به في السجن». ويؤكد الساحلي أن المعركة الحاصلة اليوم ضد سامي الفهري هي بالأساس من أجل افتكاك ستوديوهات «أوتيك» لأنها مكسب وطني ومجهزة بأحدث التقنيات على حد تعبيره مضيفا أن من يحكم البلاد اليوم هم طرابلسية جدد بشكل جديد وتحت قناع الدين. دكتاتورية جديدة
من جهة أخرى يقول لطفي العبدلي إن سامي الفهري رفض الركوع فأدخل السجن مضيفا أن القانون فوق الجميع وهو ليس ضد محاكمة الفهري إن كان مدانا لكنه ضد إيقاف برنامج ناجح مثل «اللوجيك السياسي».
وأكد لطفي العبدلي أن الحكومة بصدد ممارسة دكتاتورية جديدة وخاصة ضد الاعلاميين والمثقفين مضيفا ان اي دكتاتور جديد يعتلي كرسي الحكم يحاول وضع اليد على هؤلاء وتركيعهم حتى يربح دوام حكمه.
لطفي العبدلي يردّ على لطفي زيتون الذي قال «إن راشد الغنوشي شخصية مقدّسة» لا يمكن المساس بها حسب ما صرّح به سامي الفهري «أنا أعترف بالرسول وبالمقدسات لكن الغنوشي هو إنسان مثل الجميع وما قاله زيتون هو مناف للدين». سياسة الحكومة ستؤدي الى حرب
وأكد سليم الصنهاجي انه ضد وضع اليد على الابداع وحرية الاعلام مضيفا ان السياسة التي انتهجتها الحكومة بإقحام الدين في الابداع الفني ستؤدي الى حرب قد لا تحمد عقباها.
وتساءل سليم الصنهاجي «إذا كان بعض أعضاء الحكومة ضد ما يمرّره سامي الفهري على قناة التونسية لماذا إذن شاركوا في جل برامجها؟!». وأضاف ان الحكومة تقف ضد كل من أراد ان يبدع أو ينقد ما يحصل اليوم في البلاد وخاصة اذا كان الأمر متعلقا بأدائها. الصنهاجي يؤكد تضامنه ومساندة اتحاد الفنانين التشكيليين وكل الاعلاميين الأحرار وكل المبدعين والمثقفين ولجريدة «الصباح». مضيفا انه لأول مرة في تاريخ تونس يعمل وكيل الجمهورية على إيقاف جريدة بعد نسخها. هناك حكومة ظل
فالمتتبع للشأن العام اليوم يلاحظ أن القرار القائم هو صراع ثقافي تشنّه الحكومة ضد حرية الرأي والتعبير ويقول عمر الغدامسي (نقابة الفنون التشكيلية) إن ظاهرة محاربة المبدعين والمثقفين بدأت تتفاقم خاصة أن الخطب الرنّانة لا تعكس باطن ما يحدث فوزير الثقافة ندّد بالاعتداءات التي حصلت ضد معرض العبدلية في حين وزير العدل دعا محمد بن سلامة ونادية الجلاصي إلى التحقيق معهما أما المعتدون الأصليون فينعمون بالحرية. يضيف عمر الغدامسي: هناك حكومة سياسية تندد وحكومة ظل تبرّر هذه الاعتداءات.
وحول قضية سامي الفهري يقول الغدامسي ان محاكمته ظاهرها فساد وعدالة انتقالية لكن باطنها عدالة انتقائية. مضيفا انه على الفنانين والمبدعين وأصحاب الأقلام الحرّة والمجتمع المدني أن يخوضوا هذه المعركة بكثير من الجرأة ضد من يريد المس من حرية التعبير والتفكير وعلى الدولة حماية الأفكار ومواجهة العنف لا تبريره وممارسته.