حديث الساعة هذه الأيام في تونس محاولات الحكومة المؤقتة وخاصة حزب حركة النهضة الحاكم تطويع الإعلام والإعلام العمومي بالأساس ومصادرة الحق في حرية التعبيرعموما. ويخشى أن تكون معاملة قناة "التونسية"، التي تنتج أغلب برامجها شركة "كاكتوس" وايقاف صاحب القناة سامي الفهري وتعبير البعض من المسؤولين بالحكومة عن انزعاجهم من بعض البرامج التي تبثها القناة تندرج في هذا الإطار. ومن ابرز البرامج التي تثير الاستياء برنامج "اللوجيك السياسي" لقناة "التونسية" وخاصة فقرة القلابس. وزير الصحة عبد اللطيف المكي مثلا (عن حزب النهضة) اعتبر في مداخلة مع إذاعة "شمس أف.أم" أن برامج النقد الساخرة قد تجاوزت الحدود ولا تحترم الرموز الوطنية معتبرا أن الرأي العام يوافقه في هذا الموقف!؟ وبعيدا عن مناقشة مدى صحة موقف الجماهير من هذه النوعية من البرامج الساخرة خاصة وأن الإحصائيات التي صدرت في الغرض تؤكد إقبال أغلب التونسيين على متابعة برامج النقد السياسي الساخر فإن مثل هذه المواقف من شأنها أن تثير التخوف من موقف الحكومة من قضية حرية التعبير. وكان عضو نقابة الصحفيين التونسيين المنجي الخضراوي قد تحدث في منابر اعلامية عن وجود ضغوطات على قناة التونسية للكف عن بث فقرة القلابس حسب مصدر من داخل هذه القناة والذي أسر له بأن عدم تجاوب "التونسية" مع هذه الرغبات سيعرضها للمشاكل. وأكد لنا لدى اتصالنا به الأمر مضيفا أنه إذا ثبتت هذه الممارسات وتبينت حقيقة هذه الضغوط فإن الأمر سيكون ضربة في صميم حرية التعبير بتونس مشيرا إلى أنه لو وردت أية عبارة جارحة أو ثلب في هذا البرنامج لأحد من الوزراء أو أعضاء المجلس التأسيسي فإن الفيصل ينبغي أن يكون القانون". وكانت دائرة الاتهام التابعة لمحكمة الاستئناف بتونس قد أصدرت ليلة أول أمس بطاقة إيداع في حق سامي الفهري مدير مؤسسة "كاكتوس" وذلك بتهمة التجاوزات الحاصلة في التلفزة التونسية والمفاجئ أو الغريب في الأمر أن هذه الخطوة جاءت إثر الأخبار المتداولة حول موجة الضغوطات التي تتعرض لها انتاجات" كاكتوس" وقناة "التونسية تي في" وهو ما جعلها تبدو مثيرة للفضول بل هناك من بات يرجح مسألة وجود تهديدات حقيقية ضد القناة وضد مبدأ حرية التعبير، المكسب الأهم للإعلام التونسي بعد الثورة. ومن جهته أكد سامي الفهري في حديث لإذاعة "اكسبرس أف.أم" صحة الأخبار موضحا أن السيد لطفي زيتون المستشار السياسي لدى رئيس الحكومة عبّر له أكثر من مرة عن استيائه من مضامين برامج التونسية على غرار "لاباس" واللوجيك السياسي" قائلا:"أن المستشار طلب منه الاتصال بقناة الجزيرة والقيام بتصريح يقول فيه أنه قرر بنفسه إيقاف برنامج "اللوجيك السياسي" وأن ينفي أن يكون قد تعرض لضغوطات حكومية وذلك بعد أن أوردت قناة الجزيرة خبرا مفاده وقف برنامج "اللوجيك السياسي" بسبب ضغوطات حكومية." يذكر في هذا الصدد حسب مصادر مطلعة في مؤسسة "كاكتوس"(51 من أسهمها تصادرها الدولة بعد أن كانت على ملك صهر الرئيس المخلوع) أنه تم إنجاز 16 حلقة من برنامج "اللوجيك السياسي" في رمضان ولم يقدم منها سوى 13 حلقة بسبب المضايقات الحكومية. سامي الفهري يؤكد صحة الأخبار حول المضايقات التي تتعرض لها قناة "التونسية" وعن هذه المضايقات التي يتعرض لها العاملون في "كاكتوس" وقناة "التونسية" ذكر سامي الفهري في نفس التصريح أن الممثل محمد العربي المازني وقع منعه من تسجيل السكاتشات الخاصة ببرنامج "لاباس" بطلب من وزير الداخلية علي العريض وحين أخبرهم أنه مرتبط بعقد عمل مع سامي الفهري عرض عليه المال حتى يلغي هذا التعاقد. وفي اتصالنا مع الصحفي سفيان بن فرحات حول مسألة الضغوط "الحكومية" للحد من حرية التعبير في البرامج التلفزيونية لقناة "التونسية"، التي يتردد أن إعلامي هذه القناة المتمتعين بجرعة زائدة من النقد أو روح الدعابة الساخرة على غرار نوفل الورتاني صاحب برنامج "لاباس" ومعز بن غربية منتج برنامج "اللوجيك السياسي" و"التمساح" وسفيان بن فرحات في برنامج "فصل مقال"، كشف محدثنا أنه شخصيا لم يتعرض إلى حد هذه اللحظة لأية ممارسات تعيق عمله في برنامجي"حوار خاص" و"فصل مقال" غير أنه أشار من ناحية أخرى إلى الهجمة التي يشنها بعض السياسيين على البرامج الناقدة والساخرة في التلفزيونات والإذاعات التونسية ومنهم وزير الصحة عبد اللطيف المكي كما بين أن الجرائد الموالية للحكومة تقود منذ فترة حملة تشويه ضد المتصرفة القضائية الحالية للقناة مشددا في تصريحه أن قطاع الإعلام يعيش تجاذبات كبرى لأغراض حزبية وانتخابية ويتعرض إلى ممارسات ترهيبية تعد أولى المسامير في نعش الإعلام.
من جهته اعتبر الإعلامي والمنتج معز بن غربية مسألة منع بعض حلقات برنامجه"اللوجيك السياسي" من البث تعد مشكلة بسيطة أمام مسألة سجن سامي الفهري. مشيرا إلى أنه كان في إجازة ولم يكن على علم بالأحداث الأخيرة التي طالت "التونسية تي.في". اعتذار للحكومة على طريقة الكوميدي العربي المازني أمّا برنامج "لاباس" لنوفل الورتاني، والذي يستضيف في حلقاته شخصيات سياسية وفنية إلى جانب فقراته الكوميدية الساخرة فقد قام في إحدى حلقاته بالاعتذار للحكومة عن بعض دعاباته الساخرة وذلك في سكاتش للممثل محمد العربي المازني غير أن هذا الاعتذار جاء في قالب ساخر وأشار بالخصوص لمحاولات بعض الأطراف تركيع الإعلام لصالح أغراضها السياسية.
ويتعرض برنامج "لاباس" للكثير من الانتقاد على الصفحات الموالية للحكومة وخاصة لحزب حركة النهضة على الانترنيت. بعض هذه الصفحات تصف الجمهور الذي يشاهد البرامج الساخرة على غرار البرامج التي ذكرنا وغيرها ب"من لا عمل لديهم" أو" بالتافهين والسطحيين". وبسبب وجود نوفل الورتاني خارج تونس لم تتمكن "الصباح" من معرفة موقفه ممّا يحدث داخل كواليس قناة "التونسية" وتحديدا ما يتعلق ببرنامجه "لاباس" وإمكانية مواصلته التعامل مع القناة خصوصا في ظل رواج أخبار مفادها إمكانية تعيين مدير عام على مؤسسة "كاكتوس" يدين بالولاء للحكومة.
تجدر الإشارة إلى أن محامي سامي الفهري الأستاذ عبد العزيز الصيد وفي اتصال مع "الصباح" انتقد الإجراءات التي اتبعت في هذا الشأن قائلا:" أترافع في مثل هذه القضايا الجزائية منذ عشرين سنة ولأول مرة أتعرض لمثل هذه الممارسات حيث تفاجأت كيف يقوم قاض بإصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص يوم 24 أوت عن ملف وصله قبل يوم ثم يذهب في إجازة في 25 من الشهر نفسه! خاصة وأن ملف هذه القضية المتعلقة بعقود الإشهار التي أبرمتها شركة "كاكتوس" مع القناة الوطنية متشعب ويضم أكثر من 3 ألاف ورقة وعشرات التقارير لعدد من المحاميين مما يتطلب أكثر من شهرين لدراستها لا يومين "واعتبر الأستاذ عبد العزيز الصيد أن عدم إعلام الدفاع مسبقا بعرض القضية على محكمة الاستئناف بطلب من النيابة العمومية - حسب الفصل 114 من مجلة الاجراءات الجزائية - خرق للقانون.