من يتحمّل مسؤولية احتراق قلوب عائلات عديدة جرّاء «حرقان» بعض من أفرادها ليلة الخميس الماضي؟ وما هي الاسباب التي تدفع التونسيين الى الذهاب الى الموت خاصة بعد الثورة؟ وأيّة حلول لهذه الكارثة الانسانية؟ أسئلة طرحتها «الشروق» على ممثلي الاحزاب والمجتمع المدني والمختصّين في معالجة ملفّات الهجرة السرية. وكانت البداية مع الأستاذ بلعيد أولاد عبد ا& أستاذ وباحث ورئيس الشبكة التونسية للاقتصاد الاجتماعي الذي أفاد: أتضامن مع عائلات الضحايا والمفقودين بالأساس. واعتبر حسب التحليل العلمي الموضوعي أنه لابد من الوقوف على الأسباب وتحليل النتيجة أو الواقعة ثم تقديم قراءة في سبل الوقاية من هذه الظاهرة أي ما هي الحلول؟ وبالنسبة للأسباب الرئيسية قال «هناك عوامل مرتبطة بذات الشخص أي الخصائص النفسية والاجتماعية والتربوية «للحارق» واستنادا لوسائل الاعلام والبيانات المتحصّل عليها فإن الاغلبية ينتمون الى فئة الشباب.
وأضاف أن الخاصية الثانية تتمثل في أن هؤلاء بالأساس يعيشون وضعيات اقتصادية واجتماعية صعبة. وأشار أنه إذا تعمقنا في البحث سنجد أن المسار الاجتماعي لهؤلاء مرتبط بتجارب لحارقين آخرين وفي غالب الأحيان تكون التجارب ناجحة مما يدفع الى اللحاق به. وهناك معطى آخر مرتبط بالمستوى التعليمي لهؤلاء بمعنى أن هؤلاء الاشخاص في أغلبهم ينتمون الى الطبقة الوسطى والضعيفة وأحيانا مستواهم التعليمي بين الابتدائي والثانوي رغم أننا سجّلنا أيضا بداية ظهور ظاهرة حرقان أصحاب الشهائد العليا ومن الخصائص أيضا نجد سيطرة الجانب الذكوري على الحارقين. وهناك أيضا خصائص تتجاوز ذات الشخص وهي العوامل الاجتماعية والبيئية المحيطة بالحارق وهي بيئة اجتماعية هشة وتتميز بالفقر وغياب المصداقية وخاصة بعد 14 جانفي في مجال وضوح رؤيا خاصة على مستوى مشاريع التنمية المحلية والجهوية.
وذكر أنه من الأسباب أيضا ما يتجاوز البلاد التونسية وهي مرتبطة ببلدان أوروبية بمعنى أن هذه البلدان استراتيجياتها غير واضحة على مستوى تحديد احتياجاتها التشغيلية من بلدان حوض البحر الابيض المتوسط الجنوبية فمثلا في ايطاليا وحسب التقارير الموجودة لدينا بعض الوضعيات يتم استغلالها ويتم الاعلام عنها لدى المصالح الأمنية بعد الموسم الفلاحي.
والسؤال من يتحمّل المسؤولية؟ واعتبر أن كل الاطراف تتحمل المسؤولية أولا الشخص الحارق الذي يذهب الى الموت ويلقي بنفسه في البحر، وثانيا الأسرة التي ترضخ لإلحاح الشاب بتوفير المال له، ولا ننفي أيضا أن الحكومة والدولة تتحمّل المسؤولية وسوف لن تكون الأخيرة وأشار الى أنه علميا وموضوعيا لن تكون هذه الكارثة الأخيرة، فالتنمية المحلية والشؤون الاجتماعية والتشغيل وبعض المشاريع الصغرى موضع اتهام وكذلك انعدام التواصل مع الشباب موضع اتهام، ولاحظ أن هناك صراع «ديكي» على المناصب والذي يعاني لا يشعرون به فيقول الحارق «هنا ميت وغادي ميت»، وأضاف أن طريقة التعاطي مع الأزمة كذلك موضع اتهام.
وتساءل عن استراتيجية الحكومة في التعامل مع بلدان أوروبا في التعاطي مع الظاهرة وطالب بمراجعة المنظومة القانونية للبحّارة الذين يفوّتون في بواخرهم للحرقة. وهي أيضا مسؤولية المنظمات الحقوقية التي تتحدث عن حقوق الانسان.
فاجعة بكل المقاييس
وأفاد الأستاذ شكري بلعيد أمين عام حزب الديمقراطيين الوطنيين الموحّد «ما تمّ هو فاجعة بكل المقاييس ونتوجّه بأحرّ التعازي لعائلات الضحايا والمفقودين ونرجو أن تكون مناسبة جادة للنظر في واقع الهجرة السرية».
واعتبر أن ما عاشه الشباب هو دليل على أننا لم نتوفّق بعد في إيجاد حلول جدية تفتح باب الأمل أمام شباب تونس الذي راهن كثيرا على الثورة في أن تفتح له آفاقا جديدة وهو ما يجعل ممّا وقع ورقة حمراء ترفع في وجه الجميع وتعيد الأمور والمحاور الحقيقية على طاولة البحث ونعني بذلك حقّ شباب تونس في الشغل القار أولوية الأولويات وحتى الجهات المهمّشة المقصاة في التنمية أولوية الأولويات وهي الأهداف المباشرة للثورة وهي المجال الحقيقي لمحاسبة الحكومة أي حكومة، لذلك في تقديرنا في حزب الديمقراطيين الوطنيين الموحّد حكومة الالتفاف على الثورة القائمة هي المسؤولة الأساسية عمّا وقع من خلال مواصلتها لنفس منوال التنمية المعتمد من طرف حكومات بن علي ومن خلال خلقها لمحاور ثانوية عوض انكبابها على الملفات الحقيقية وكنا قد دعونا وندعو الى فتح حوار وطني حول ملف الهجرة السرية وحول مصير أبنائنا المفقودين وأبنائنا القابعين في سجون أوروبا التي لا تعلم عنهم عائلاتهم شيئا وهو ما يتطلب اتخاذ اجراءات عاجلة وتفعيل حقيقي للديبلوماسية التونسية بإسناد فعّال من مكوّنات المجتمع المدني فما وقع هزّ ويهزّ الضمير الوطني ويفرض على الجميع أن يتحمّلوا مسؤوليتهم كاملة لأن مواصلة نفس الاجراءات القديمة سوف تؤدي لمزيد من تيئيس شباب تونس وهو ما سيدفع بعضهم للبحث عن حلول خطيرة كاللجوء للحرقة وانخراط بعضهم في مجموعات الارهاب وانخراط بعضهم الآخر في موجات العنف والجريمة ذلك أن السياسات الحالية هي سياسات التيئيس واليأس لا يصنع إلا الخراب لذلك فحوار وطني جدي مهمة ملحّة لفتح باب الأمل أمام شباب تونس.
كارثة وطنية
وقال الأستاذ عصام الشابي الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري «نحن نعتقد أنها كارثة وطنية حلّت بتونس لأن عندما يتعرّض العشرات الى الموت والفقدان وهم في مقتبل العمر هذا يترجم عن حالة اليأس وانسداد الأفق أمام من قام بثورة راجيا تحسين أوضاعه والنهوض بكرامته. وهذه الحادثة الأليمة تسائلنا جميعا ماذا قدّمنا للجهات المحرومة والفئات المهمّشة؟ وهل سنرضى أن يتواصل انتحار كفاءات وسواعد تونس وهي في حاجة الى المساهمة في بنائها من جديد وأعتقد ان «ربّ ضارة نافعة» ويجب ان تدفع هذه الحادثة وفي إطار وطني اتفاق مؤسسات الدولة والمجتمع حول معالجة الظاهرة ومحاصرتها والامر يستدعي وقفة لمقاومة عصابات التهريب والمتاجرة بأبنائنا والالقاء بهم في سواحل البحر المتوسط وضع كل الامكانيات للتصدي للعصابات ولكن مع ذلك وقبل ذلك فتح باب الأمل عبر ضخ استثمارات وإقامة مشاريع سريعة في كامل جهات البلاد وبعث رسالة ثقة للتونسيين في إمكانية العيش بكرامة في هذا البلد. وذكر أن الاستاذ نجيب الشابي تحوّل الى لمبيدوزا لمتابعة الوضع.
ظاهرة قديمة ولكن
وأفاد نائب رئيس حركة النهضة عجمي الوريمي ان هذه الظاهرة ليست جديدة وليست خاصة وهي شبابية مجتمعية في مجتمعات تعيش تحوّلا خاصة البلدان المطلة على بلدان متقدمة فيها العمل ومستوى العيش الرغيد وحيث يمكن في وقت قصير تحقيق أوضاع أفضل والمخيال له علاقة كبيرة بأن يجازف الشباب وينتقل الى الضفة الأخرى وهناك أيضا وهم بأن البلاد الأخرى تحقق كل الطموحات.
والشباب يمتاز بالرغبة في تحقيق الثورة في وقت معيّن واعتبر انها قضية رأي عام وقضية وطنية وتهم آلاف العائلات في مختلف جهات البلاد وبالتالي من الضروري ان تطرح على طاولة الدرس دون «طابوهات» وبصراحة تامة وبتشريك جميع الاطراف من شباب وإعلام وأحزاب ومجتمع مدني وممن خاضوا تجارب ومنظمي الرحلات السرية.
وهذا الموضوع يجب إبعاده عن المزايدة السياسية والتعامل معه بأعلى قدر من المسؤولية. وهذه القضية لا نختزلها في عامل واحد وهي تنموية وجهوية ومتوسطية واعتبر انه من بين الحلول فتح حوار وتعاون جدي مع الدول الأوروبية لأجل تطوير علاقات التعاون العلمي والثقافي والفني ومن أجل أن تكون هناك فرصا أمام شبابنا بآليات متفق عليها، ويكون هناك تكافؤ في فرص الحق في الشغل واختصاصات تحتاجها البلدان الأخرى.
ودعا الى ضرورة مناقشة الأمر مع أوروبا بصفة عامة وإيطاليا بصفة خاصة مع تحميلهما المسؤولية كما دعا الى ضرورة التوعية بمخاطر خيار «الهروب» من الوطن والمغامرة بالحياة. وأفاد انه من الضروري التفكير في بلدانهم لاسيما أنهم دفعوا المال مقابل «الحرقة» ودعا الى حرية التنقل أمام البشر بتيسير العملية مثلما نفعل نحن معهم ولأن التضييقات الموجودة لم تمنع التدفقات الكثيرة.