تونس تحيي الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    في علاقة بملف فسفاط قفصة:أحكام سجنيةوخطايا مالية للطفي علي ومن معه    بوتين خلال استقباله عراقجي: العدوان المستفز ضد إيران لا يستند إلى أي مبررات أو أعذار    عاجل/ مفاوضات الزيادة في أجور القطاع الخاص: سامي الطاهري يكشف آخر المستجدات..    عاجل/ بشرى سارة للعاطلين عن العمل..    وزارة تكنولوجيات الاتصال تنطلق في اعداد مخطط تنمية القطاع 2026-2030 وتكوّن فرق عمل لإعداد مقترحات المشاريع والبرامج    مول 35 مشروعا/ ناجي غندري: بنك الأمان يعمل على تشجيع الشركات للانخراط في مجال الإنتقال الطاقي..    3 سيناريوهات لحرب إيران وإسرائيل بعد القصف الأميركي..تعرف عليها..    إيران لترامب: نحن من سينهي الحرب    عاجل/ إيران تعدم رجلاً متّهماً بالتجسّس لصالح "الموساد"..    محمد الطبوبي : الحصول على المرتبة الخامسة يعتبر "نتيجة متميزة"    تصنيف لاعبات التنس المحترفات : انس جابر تتقدم الى المركز 59 عالميا    معين الشعباني يقود نهضة بركان المغربي إلى نهائي كأس العرش    رحاب الظاهري تتوّج بذهبية 3000 متر موانع في الجولة القارية البرونزية لألعاب القوى    كوفنتري تتسلم المفتاح الذهبي كرئيسة جديدة للجنة الأولمبية الدولية    صفاقس: 100 % نسبة نجاح التلاميذ المكفوفين في بكالوريا 2025    نتائج الدورة الرئيسية للباكالوريا .. 37.08 % نسبة النجاح والتميّز للرّياضيات    7 سنوات سجنا لوالد عنّف ابنه الرضيع وتسبّب له في إصابة خطيرة    الوكالة التونسية للتكوين المهني تفتح باب التسجيل عن بعد لدورة خريف 2025    في العيد العالمي للموسيقى: الأوركستراالسيمفوني التونسي يقدّم روائع الموسيقى الكلاسيكية    جبال الظاهر: وجهة سياحية أصيلة تنبض بالسكينة والتراث    بقلم مرشد السماوي…بعد أن توزعت ظاهرة مجموعات الغناء بالمنازل و الجمعيات في جل المدن الكبرى جل روادها من كبار السن هل أصبحنا في مجتمعنا نعيش فراغ أسري و عاطفي مريب ؟    موجات صواريخ إيرانية جديدة تضرب إسرائيل    محمد بوغلاّب يمثل اليوم مجدّدًا أمام القضاء..    تونس: نحو مراجعة برنامج شعبة الرياضيات    في سابقة في إفريقيا: 733 عملية مجانية في مجال صحة العيون في يوم واحد بتونس    كاس العالم للاندية : مانشستر سيتي يتأهل للدور السادس عشر مع يوفنتوس بعد فوز ساحق 6-صفر على العين الاماراتي    بعد ما نجحت في ''باكالوريا ''2025 ...احسب سكورك بهذه الخطوات    عاجل - تونس : صدمة بالأرقام: الإناث يتصدرن حالات الغش في البكالوريا!    تونس تدين الاعتداءات الصهيونية على ايران ، وتدعو الى ايقاف العدوان    أميركا تلجأ إلى الصين لمنع إيران من إغلاق مضيق هرمز    عاجل/ إسرائيل تُعلن قصف 6 مطارات إيرانية..    مهرجان تيميمون الدولي للفيلم القصير بالجزائر يفتح باب الترشح للمشاركة في دورته الأولى    كأس العالم للأندية 2025: ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي 3-1    طقس اليوم: قليل السحب والحرارة تتراوح بين 30 و39 درجة    بعد دفع الفلاحين والمصنعين 120 مليارا في 12 سنة: لماذا غاب دعم صندوق النهوض بالصادرات؟    عاجل : فوضى في الأجواء الخليجية... وتأثير مباشر على المسافرين التونسيين    تحصّل على 80 ميدالية في جينيف ... زيت الزيتون التونسي يؤكد تفوّقه عالميا    النجم الساحلي: موعد استئناف التمارين    في مهرجان الفيلم العربي بالدار البيضاء: محمد مراد يُتوّج عن دوره في فيلم «جاد»    عانت من ضعف التمويل وسوء التسيير .. هل تتجاوز المهرجانات الصيفية مشاكلها؟    مدٌّ أحمر في المنستير: تحذير من نفوق الأسماك وتوصيات للمواطنين    تونس صدرت منتوجات بيولوجية بنحو 420 مليون دينار الى موفى ماي 2025    الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تدعو سكان المناطق الساحلية الى عدم استهلاك الأسماك النافقة لخطورتها على الصحة    ضخ كميات إضافية من مادة الفارينة المدعمة لمجابهة الطلب في الصيف (وزارة التجارة)    في مسابقة دولية بلشبونة: تتويج التونسية ملاك العبيدي بجائزة أفضل مؤلف عن الطبخ في العالم    دعوة سُكّان المناطق الساحلية إلى عدم استهلاك الأسماك النافقة لخطورتها على الصحة    مدنين: من أرض عطشى شابة تقطر زيوت الأعشاب لتروي بشرة الإنسان    توقعات بصمود الصين أمام الصدمات التجارية العالمية    المعهد الوطني للتراث:انجاز نشاط ميداني حول مشروع بحث عن موقع تابسيس الاثري    صيحة فزع    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيوننا الأخرى : هل أخفت شجرة درويش غابة الشعر الفلسطيني ؟
نشر في الشروق يوم 13 - 09 - 2012

أشرنا، في الأسبوع السابق، الى أن المثقّفين الفلسطينيّين قد أخذوا يعيدون النظر في مشهدهم الشعريّ، ويسلّطون الضوء على بعض الأصوات التي « خفتت « في ظلّ هيمنة درويش الشعريّة، وسطوته السياسيّة..أصوات لا تقلّ قيمة عن الشاعر الراحل، ولا تقلّ جرأة وابداعا لكنها ظلّت مغيّبة أو ربّما مستبعدة عن وعي عامد.

ولاحظنا أنّ فلسطين كانت حاضرة في هذه الأصوات لكن في شكل صور غائمة، غامضة، وفي هيئة ألوان وأصوات باهتة.. لقد تحوّلت، أقصد فلسطين، الى خيط في نسيج القصيد المعقّد..حتّى لا تكاد تظهر أوتبين. ومن أهمّ الشعراء الذين مثّلوا هذه النبرة الخافتة طه محمد علي..

وقلنا انّ قلّة قليلة من المثقّفين ،خارج فلسطين، قد سمعت بهذا الاسم أوقرأت قصائد هذا الشاعر.. مع أنّ طه محمد علي شاعر ذائع الصيت في الولايات المتحدة وأوربا قرأ في أهمّ الجامعات العالميّة ،وترجمت قصائده الى أكثر من عشر لغات، واعتبر واحدا من أفضل مائة شاعر في القرن العشرين..هذا الشاعر الذي «حرّر الشعر الفلسطينيّ من شبح درويش»، حسب عبارة الشاعر الفلسطيني مازن معروف، قد عاش ومات في صمت .

ولد هذا الشاعر في قرية صفورية وهي احدى قرى الجليل التي دمّرها الكيان الصهيوني وشرّد أهلها وحوّلهم الى لاجئين في بلاد عربيّة كثيرة..انتقلت أسرته، بعد الاحتلال الاسرائيلي، الى لبنان لتستقرّ في أحد المخيّمات لكنّها سرعان ما عادت الى الناصرة لتسكن على تخوم المدينة قريبا من صفورية، ترقب من بعيد بساتينها وأطلال منازلها.. كان الخروج من هذه القرية هو الجرح الغائر الذي ظلّ ينزف في كلّ قصائد طه من غير أن يتمكّن من تضميده أو نسيانه..لم ينس الشاعر، لحظة خروجه، الحرائق التي كانت تلتهم الأشجار والبيوت وتراث والده، ولم ينس الرحلة الى لبنان وزخات الرصاص الاسرائيلي تطارد أسرته.. ولم ينس مغامرة العودة الى الناصرة ّوهويقطع الأودية ويصعد الجبال لمخاتلة العدوّ الاسرائيليّ.. كلّ هذه الأحداث التي وشمت ذاكرة الشاعر تحوّلت في قصائده الى صور ورموز وأقنعة.. يقول طه: «انّي أكتب عن الطفولة ومدارج الصبا وصفورية..صفورية التراب الذي لامس جسدي.. فهذه القرية هي التي صنعت مني شاعرا..».

لم يتمكن طه بعد هذه السنوات المضطربة من الالتحاق بمقاعد الدراسة فاختار دكّانا قرب كنيسة البشارة في مدينة الناصرة واشتغل ببيع التحف والصور التذكارية. قال الشاعر قبل وفاته بقليل» من خمسينات القرن الماضي وحتى الآن وأنا موجود في مدرسة (وهو يعني الدكان الذي يشتغل فيه) لن أخرج منها الاّ للقبر..لا تمرّ فترة دون أن أكتسب شيئا من اللغتين العربيّة والأنقليزيّة...ومكتبتي تتكوّن من أعمال كتبت بهاتين اللغتين.. فمثلما أحفظ قصيدة كاملة لامرئ القيس أو للمتنبّي فأنا أحفظ قصيدة كاملة للشاعر الأنقليزي كريستوفر مارلو...» ويضيف «عندما كنت في سنّ الثامنة قرأت ألف ليلة وعنترة وتغريبة بني هلال.. انّ المحلّ الذي أشتغل فيه ساعدني كثيرا على المطالعة..فالسيّاح يأتون على فترات متقطّعة».

كتب طه قصيدة النثر دون أن يكلّف نفسه مؤونة البحث عن سند فنّي أوفكريّ يعضده ويزكّيها .. ربما كتبها بتأثير مباشر من الشعر الأنقليزي الذي يقبل على قراءته بحبّ وشغف كبيرين، أو ربّما كتبها بتأثير من شعراء قصيدة النثر العرب وبتأثير من الماغوط على وجه الخصوص، لكن هذا لا يعني أن الشاعر قد استنسخ التجارب التي اطلع عليها..كلاّ..فطه حفر طريقه في أرض الشعر كما يحفر النهر مجراه دون محاذاة أو محاكاة أو تقليد.. فكلّ من يقرأ قصائد طه يلحظ أنّ قصيدة النثر التي كتبها قصيدة مختلفة عن القصائد التي عرفها ..قصيدة حديثة متطوّرة تنمّ كما قال أحد الشعراء عن «ثقافة شعريّة عالية، ومشغولة، في الوقت ذاته، بأداء عفويّ كأنّما هو عفو الخاطر»، قصيدة «عذبة، طفوليّة، مجروحة» تقول المعنى الأكثر في اللفظ الأقلّ...

يقول في قصيدته «تحذير!» : الى هواة الصيد/ وشُداة القنص!/ لا تصوِّبوا غدّاراتكم/ الى فرحي!/ فهولا يساوي ثمن الخرطوشة/ (تُبدَّد باتجاهه!)/ فما ترونه:/ أنيقاً وسريعاً/ كغزال/ ويفرّ في كل اتجاه/ كديك حجل/ ليس فرحاً!/ صدقوني:/ فرحي/ لا علاقة له بالفرح.

وبقول في قصيدته «حلم»: فيما مضى / كنت أرى في الحلم /أنّك راحلة /فيخنقني الأسى /ولأنّ ذلك كان حلما / كنت أستيقظ وأفرح / ويملأ القمح الظهيرة / وأنت كنت الأسى وأنت كنت الفرح / أمّا الآن فانّني أحلم أنّك قادمة/ فأفرح/وأستيقظ لأدرك أنّ ذلك كان حلما /فيخنقني الأسى/ ويملأ الشوق الغسق..
توفي مجنون صفوريّة بعيدا عن الأرض التي أحبّ في 2 أكتوبر 2011.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.