يذكر المؤرخ محمد المرزوقي في كتابه قابس جنة الدنيا أن بالمطوية غابة نخيل جميلة وموقعها بين البحر والجبال والسهول الزراعية تستمد خضرتها من عين قديمة تسمى عندهم الى اليوم (بالعين القديمة) وتعرف عند سكان الضواحي ب(عين المطوية). وتقع هذه العين بالجهة الغربية من البلد كما وصفها أيضا الرحالة محمد عبد المنعم الحميري في كتابه ٌ الروض المعطار في خبر الأقطار ٌ بأنها قرية بافريقية بينها وبين قابس نحو خمسة أميال في نخل وجنات ومياه جارية. فهل مازالت واحة المطوية كما عهدها أجدادنا وارفة الظلال تمكن زائريها من الاستمتاع بمشاهدة مناظرها الطبيعية الخلابة ؟ وتصل مساحة واحة المطوية الى 270 هك قابلة كلها للاستغلال الفلاحي الذي يعد نشاطا تكميليا لدى أغلب الفلاحين وتنقسم هذه المساحة الى 1801 قطعة يملكها أكثر من ألف مستحق ويتقاسم الواحة بمعدل أقل من 0.2 هك للفلاح الواحد. ويضم المشهد الزراعي بهذا الفضاء الطبيعي مخزونا نباتيا ثريا يستجيب للتأقلم مع المعطيات المناخية المحلية وتعد غراسة النخيل بهذه الواحة أقدم نشاط ويتوزع عدد الغراسات على 50 ألف نخلة و أكثر من 30 ألف أصل رمان وقرابة 15 أصلا بين الزيتون والكروم وغيرها فيما تحتل الزراعات العلفية صدارة منتوجات الواحة وتليها الزراعات الصناعية كالحناء والملوخية. وفي اطار تحسين مردودها شهدت الواحة خلال السنوات الأخيرة ادخال جملة من الأشغال المتنوعة باعتمادات مالية ضخمة على غرار مد الجسور وشبكة السواقي الاسمنتية لترشيد مياه الري و اقامة الخنادق للتخلص من تملح الأرض وتهيئة المسالك الفلاحية وتنظيف الواحة من فضلات الأشجار والنباتات بتدخلات المشروع التونسي الياباني للبيئة لكن النتائج المسجلة لم تكن في مستوى الآمال المرجوة و قد أصبحت واحة المطوية تواجها عديد الاشكاليات كانت سببا في تردي مردودها مما ينذر بتحويل الواحة الى منطقة شبه قاحلة ولو تدريجيا نظرا لأن نسبة مظاهر الاهمال في عديد القطع بلغت أكثر من 45 بالمائة ومنها الاهمال الكلي. وللوقوف على هذه الاشكالات المطروحة والاخلالات المسجلة داخل الواحة التقت الشروق ببعض المواطنين حيث ذكر السيد عبد اللطيف يحي (فلاح) أن واحة المطوية شكلت الى حدود الثمانينات مصدر رزق لعديد العائلات الا أنها أصبحت عرضة الى الاعتداءات المتكررة على النخيل من خلال امتهان مجموعة من الأفراد قطع جريد و ٌ قلب ٌ النخيل والهجمة الشرسة على تحويل النخيل الى لاقمية دون موجب على مدى السنة وهو ما ساهم في اجبار عديد الفلاحين على ترك خدمة أراضيهم وتساءل ضيفنا عن دور السلط الأمنية والفلاحية في مقاومة هجمات حيوان الخنزير المتواصلة على اتلاف المزروعات كما تذمره من بطء أشغال التحكم في مياه الري داخل الواحة وهو ساهم في الرفع من قيمة الري المادية حيث أكد أن مدة ري بستانه لا تتجاوز الساعتين فيما أصبحت تتطلب ست ساعات خلال الأشغال الجارية .أما السيد عماد الفقير (ناشط في جمعية بيئية) فأكد أن المشاغل الأساسية للفلاحين تكمن في تشتت الملكية وصغر حجم المقاسم نتيجة لتعدد الورثة وعزوف شباب المنطقة عن الاقبال على تعاطي النشاط الفلاحي كما لاحظ أن أغلب الفلاحين المباشرين متقدمون في السن ورغم التكاليف الباهظة لهذا النشاط لم يهجروا الواحة ليبقوا في صراع دائم مع ظاهرة سرقة المحاصيل وارتفاع سعر مياه الري ويقترح محدثنا ضرورة المبادرة باجراء تشخيص ميداني للواحة بغية تحديد الاشكاليات والوقوف على مشاغل الفلاحين الى جانب السعي الى القيام بمصالحة حقيقية بين المواطن والواحة من خلال التكثيف من تنظيم التظاهرات التوعية لدى مختلف الشرائح العمرية و الاجتماعية لابراز فوائد الواحة المتعددة و أهمية دورها في التوازن البيئي .ولتحقيق تحسين مردود القطاع الفلاحي في هذه الربوع يرى السيد مهند ضيف الله (فلاح شاب) ضرورة الاسراع بالتسوية العقارية نظرا لتشتت الملكية التي تعد المعضلة الكبرى أمام تنشيط العمل الفلاحي داخل الواحة الى جانب التخفيض من معلوم الري الذي يصل سعر الساعة من مياه الري الى 4500 مليما الارتفاع المشط في ودعا الى ضرورة تجديد النخيل الهرم نظرا لأن الواحة أصبحت مهددة بالتصحر. ومن جانبنا ندعو الى ضرورة بعث جمعية بيئية تسهر على حماية هذا الفضاء الطبيعي ومقاومة تشتت الملكية التي يزداد بها تقلص المساحات من سنة الى أخرى بحكم تكاثر الو رثاء وفض النزاعات التي تهم تحديد الأراضي ومقاومة ظاهرة السرقة وبؤر الفساد الأخلاقي والتشجيع على تربية الماشية داخل الواحة والحزم في تطبيق قانون تجارة جريد النخيل ضد المخالفين و بعث وحدة تجفيف للتمور والزراعات العلفية .