على امتداد الكرة الأرضية هناك من له ثارات مع حكومات أمريكا المتعاقبة طالبو ثأر ليسوا من العرب والمسلمين كما يزعم عُتاة الصهاينة الأمريكان ومن والاهم وتبعهم أمثال حكام تل أبيب بل بين كل الأقوام بمن فيهم الهنود الحمر الذين اجتثوهم من أرضهم وأبادوا أكثر من عشرين مليونا منهم هذا عدا خرائط الموت الموزعة على امتداد الكرة الأرضية من اليابان الى العراق آخر محطات التدمير الأمريكي الممنهج بعد أفغانستان التي يدفعون فيها ثمنا «غاليا» ولم يفيدوا من تجارب السوفييت قبلهم، وهي العنجهية نفسها التي ذهبت بهم الي فيتنام دون قراءة الدرس الفرنسي فيها فكان أن هزموا شرّ هزيمة! يطارد أمريكا أعداؤها الذين كلما وجدوا منطقة رخوة من مناطق امتدادها هاجموها فيها. وكأن من بيدهم الأمر هناك يعطون المسوغات لمهاجمتهم وخاصة من قبل التنظيمات المتطرّفة كالقاعدة التي تعتبر حربها مع أمريكا حربا مفتوحة من أفغانستان الى العراق الى اليمن الى مالي.
ومن المسوغات التي لم يغفرها لهم مقارعوهم اعتبار سلسلة الاعتداءات على المسلمين ورمزهم النبي الكريم ے وقرآنهم. إذ أن الأمريكان يعتبرون كل هذه الممارسات حرية رأي، فإذا كانت هكذا فلماذا يجرّم من يشكّك بالمحرقة الصهيونية وحتى بالرقم الذي تورده الوثائق الصهيونية؟ لماذا يترك المجال مفتوحا لقسّ مختلّ يهدّد بحرق القرآن الكريم؟ ولماذا يسمح لمخرج صهيوني بإنجاز وعرض فيلم مسيء للرسول الكريم ے وآل بيته وصحابته ويسمي الاسلام سرطانا والمسلمين بأقسى النعوت وأحطّها؟
لماذا على المسلمين فقط وليس على من يعملون على تأجيج الفتنة وإيذاء مشاعر ثلاثة مليارات مسلم، وها هم يرون ما يرون إرضاء لمخرج صهيوني ثانوي لا قيمة له ولا غاية له إلا تأجيج الكراهية ضد المسلمين مستغلّا ذكرى أحداث 11 سبتمبر التي أدانها المسلمون من لحظاتها الأولى؟
ما فعله هذا المخرج مخطط له وجاء في توقيت محدّد وربّما كان على علم بأن فيلمه سيشعل النار وسيحرق الأخضر واليابس، لأن من هم وراءه يعرفون جيدا أن المسلمين قد يتساهلون في أمور كثيرة إلا الاعتداء على نبيّهم، ولهم قبل هذا تجارب في الرسوم الكاريكاتورية للرسام الهولندي، وممارسات أخرى كانت أشبه بالمجسّات لردود الأفعال.
إن أمريكا الدولة الأقوى والأثرى مطالبة بأن تجرم الاعتداء على معتقدات البشر، وأن عملا حقيرا واستفزازيا من مختل صهيوني سمّى نفسه مخرجا وجمع كلفة الفيلم من متطرفين صهاينة من أمثاله هو عمل لا يدخل في باب حرية الرأي مطلقا بل في باب الاعتداء على حرية الرأي.
لماذا حوكم وعوقب فيلسوف بحجم روجيه غارودي لأنه قال رأيه في المحرقة وهي ليست كتابا منزلا بل رواية تاريخية لمؤرخين صهاينة امتثل العالم لما ورد فيها خشية من اتهامه بمعاداة السامية، هذه المحرقة التي لم ينكرها المسلمون يوما. ولماذا لا يكفّ متطرّفوهم عن الإهانات المتلاحقة لمشاعر المسلمين ومعتقداتهم؟! كل هذه التساؤلات عنّت لي رغم أنني لست متديّنا بل أنا مسلم، هكذا وجدت آبائي وأجدادي وهكذا هم أبنائي وأحفادي، ولذا شعرت بالاستفزاز الكامل كما شعر غيري وكأن المسلمين الحائط الواطئ الذي يتسلّقونه جيئة وذهابا.
إن ما جرى للقنصلية الأمريكية في بنغازي حيث قتل السفير ومعه عدد من موظفي القنصلية أمر مرفوض ومدان من قبل كل المسلمين لأن الأمور لا تعالج هكذا، ولكن حجم ردود الأفعال هذه يدلل على حجم وفداحة الجرم الذي ارتكبه المخرج الصهيوني وكأنه به أراد إذكاء النيران ليقدم صورة مشوهة للمسلمين، وما جرى للسفير الأمريكي يدعو الى الأسى والأسف ومواساة بلده وأسرته، رغم أن الأمور لم تتوقف عند ليبيا فقط بل نرى انعكاسها في مصر حيث تمّ إنزال العلم الأمريكي في القاهرة وتمزيقه ثم حرقه وكذلك المظاهرات في اليمن وطهران وباكستان والعراق وتونس وموريتانيا والمغرب وبلدان أخرى.
إن المسلمين في كل مذاهبهم وأعراقهم مسالمون بالدرجة الأولى ولكنهم لا يرتضون أن يكونوا موضوعا للاستهزاء والإهانة، والمطلوب من العالم المتحضّر من خلال مؤسساته الدولية أن يجرّم الاعتداء على المقدسات حتى لا يستطيع مخرج أو ما شابه قيل أنه مقاول بناء أو قسّ مختل يشهر سلاح التهديد بحرق القرآن الكريم في كنيسته بأن يكونا وسيلة للفتنة والخراب.
وجب تجريم الاعتداء على المقدسات حفظا على عالمنا الذي اختلّ فيه العدل منذ كارثة احتلال فلسطين وإعطائها لقادمين غرباء بدعوى أنها أرض الميعاد ! عالمنا بحاجة الى العدل، وأنذاك إن وجد من يكره أمريكا يصبح من حق زعمائها أن يتساءلوا: لماذا يكرهوننا؟ وسيأتيه الجواب بأن لا أحد يكرهكم مادمتم قد ساهمتم في إقامة العدل !