لا تزال حادثة اقتحام السفارة الأمريكية يخيّم عليها الغموض وتشير أسئلة عديدة إذ كيف أمكن للمتظاهرين تنفيذ مخططهم وتسوّر مبنى السفارة والولوج إليها؟ وأمام سهولة عملية الاقتحام من يتحمل مسؤولية العجز عن تأمين الحماية للسفارة؟ ماذا قال أعوان الأمن عن طبيعة التعليمات. 75 موقوفا و 141 جريحا مقسمين بين 91 في صفوف قوات الأمن الداخلي و 50 من المتظاهرين هي آخر الاحصائيات في أحداث السفارة الأمريكية حسب الناطق الرسمي بإسم وزارة الداخلية خالد طروش مؤكدا أن الأبحاث مازالت جارية للكشف عن ملابسات الواقعة وكل من يثبت تورطه لن يفلت من العقاب.
لم نتخاذل بل تجنبا حدوث الأسوإ
هذا ما أكد عليه السيد خالد طروش في تعليقه عن الاتهامات الموجهة لوزارة الداخلية التي وجهت اليها أصابع الاتهام وحملت المسؤولية منذ اللحظة الأولى وقال إن هناك أمورا فنية عملت الوزارة على تطبيقها رغبة منها في تجنب سقوط ضحايا والدليل عدد الاصابات في صفوف أعوان الأمن الذين تحملوا الاستفزازات وتدخلهم كان طبق القانون حفاظا على أمن السفارة وتجنبوا استعمال الرصاص الحي واعتمدوا في البداية على الغاز المسيل للدموع ثم التجوؤا الى استعمال الرصاص في الهواء وفي الحالات الاستثنائية توجيه الرصاص في اتجاه الأرجل والهدف أساسا تفادي حصول ضحايا. وأضاف السيد طروش ان أعوان الأمن قاموا بواجبهم على أحسن وجه وهو ما نوّه به وزير الداخلية السيد علي لعريّض الذي أكد بدوره توفير الحماية لأعوانه بالقانون. وقال إن الوزارة اتخذت الاجراءات الأمنية اللازمة لتأمين السفارة لكن الاحتجاج بدأ سلميا وانتهى بأعمال عنف وحرق وسرقة وحالات وفاة.
أين الأمن الجمهوري؟
طالبت نقابات قوات الأمن الداخلي بضرورة بعث أمن جمهوري محايد هدفه الأساسي توفير الأمن العام وحماية المواطنين والمنشآت لكن ما شهدته السفارة الأمريكية حمل مجددا المسؤولية لأعوان الأمن الذين اتهموا بالولاء للحزب الحاكم ولا يمكن ان يكون في خدمة المواطن . في هذا الاطار حاولت «الشروق» البحث عن اجابة تقنع المواطن وتوضح الرؤيا من طرف وزارة الداخلية إلا أنه ورغم الاتصالات المتكررة لم نجد جوابا.
عون الأمن بين تطبيق القانون وتطبيق التعليمات
نحن نأمل في تكوين «أمن جمهوري» لا يخدم أي أجندا سياسية وإنما يعمل ويسهر على حماية الأمن العام ولسنا ضد حركة النهضة ولا وزير الداخلية وإنما ضد الايقاع بنا في التجاذبات السياسية هذا ما صرح به إطار أمني رفض ذكر اسمه وحمل أصحاب القرار السياسي مسؤولية ما جد بالسفارة الأمريكية لأنها لم تعط التعليمات بإستعمال الوسائل الردعية وإنما اكتفت بضرورة الالتزام بضبط النفس وسانده رجل أمن ثان قائلا: «نحن نطالب بضرورة تفعيل القوانين التي تجيز لنا استعمال القوة في حالات العصيان والهيجان والفوضى وإلا لا يمكن التصدي لأي كان في تلك الحالة».
وأضاف ان عون الامن يطبّق التعليمات ولا يطبق القانون وبالتالي لا وجود لتعليمات واضحة يمكن اعتمادها الامر الذي أصبح يخيف رجل الامن الذي يتحمّل تبعات تلك التعليمات وبالتالي لا يمكنه اليوم ان يوفر الحماية للمواطن وهو يشعر بأن القانون لا يحميه.
القانون هو الفيصل
أوضح الاستاذ فوزي بن مراد ان ما أقدم على ارتكابه المتظاهرون يعد من قبيل الجنايات طبق الفصلين 304 و307 من المجلة الجزائية المتعلقة بالاضرار عمدا بملك الغير واضرام النار في محل مسكون.
اذ ان القانون التونسي يعاقب على جميع الاعتداءات التي تقع على ملك الغير وتختلف العقوبة من جريمة الى أخرى.ويعاقب بقية العمر كل من تعمد اضرام النار بمبان. وقد جاءت لفظة المشرّع دون اي تحديد مما يجعل السفارات يمكن ادخالها ضمن المباني التي يحميها القانون، ويكون العقاب 20 سنة اذا كانت الاماكن التي تم احراقها غير مسكونة.
ومن جانبه أضاف الاستاذ الهادي العبيدي ان اتفاقيات فيانا 1961 نصت على حماية المقرات الاجنبية من طرف الدولة التي توجد بها تلك المقرات وفي غياب الامن هناك انعكاسات خطيرة على العلاقات الدولية والديبلوماسية. وما أقدم على فعله المتظاهرون ازاء السفارة الامريكية أمر يجرّمه القانون.
اذا يبقى باب التأويل مفتوحا أمام تعاطي المؤسسة الأمنية مع واقعة السفارة الأمريكية وتبقى تبريرات وزارة الداخلية تبريرات سياسية لا تقنع المواطن اذ من المفروض ان يقع تأمين المكان المستهدف لكن هذه المرة غابت التعزيزات الأمنية وبدا التعامل مع الوقائع شبه سلبي رشّح الكفة لصالح المحتجين ويجعل أداء الامن يطرح أكثر من تساؤل.