في إحدى قضايا «فسفاط قفصة» حفظ التهمة في حقّ الرئيس المدير العام السابق للشركة وآخرين    المهدية: صابة حبوب قياسيّة تبلغ 115 ألف قنطار: 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد    أعلن عنها المبعوث الأمريكي: تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة    هذا موعد الجلسة العامة الانتخابية للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    مواصلة إخلاء المخيمات بالعامرة وجبنيانة    درجات الحرارة لهذه الليلة..    فظيع/ هلاك طفل غرقا في بركة مياه بهذه المنطقة..    منبر الجمعة ..لبيك اللهم لبيك (3) خلاصة أعمال الحج والعمرة    ملف الأسبوع ...العشر الأوائل من شهر ذي الحجة .. اغتنموا هذه الأَيَّامَ المباركة    خطبة الجمعة .. من معاني شهر ذي الحجة.. قصة إبراهيم وابنه    المصري البورسعيدي يعلن رحيل اللاعب التونسي فخر الدين بن يوسف    الاحتلال يوافق على خطة ويتكوف لوقف إطلاق النار في غزة    إحالة مقترح قانون زجر الاعتداء على الإطار التربوي على لجنة التشريع العام    عاجل/ فاجعة شاحنة عاملات الفلاحة: آخر مستجدات الوضع الصحي للمصابين..    الدورة 27 للمنتدى الدولي لمجلة "رياليتي" تبحث مستقبل العلاقات بين تونس والاتحاد الاوروبي بعد 30 سنة من اتفاق الشراكة    مسح نشره المعهد العربي لرؤساء المؤسسات يكشف: النقد وسيلة الدفع المفضلة لدى التونسيين..    مركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي: اختتام الدورة الخامسة لحاضنة المؤسسات الناشئة في الصناعات الثقافية والإبداعية    مدير مستشفى جربة يوضّح سبب عدم قبول هبة في شكل معدات طبية وأسرّة...التفاصيل    عين دراهم: الدورة السادسة لمهرجان "سينما الجبل "    الدورة 22 لندوة القصة المغاربية في قفصة: تيمة الحب في الأقصوصة المغاربية    ألبوم جديد لسفيان بن يوسف - عمار 808    الكشف عن طاقم حكام نهائي كأس تونس    النسخة السادسة من الحفل الموسيقي 'عين المحبة' غدا الجمعة بمدينة الثقافة    عيد الاضحى 2025: تونس تستورد خرفان مبردة من رومانيا ...كل ما يجب معرفته    فرصة تشغيل تاريخية لخريجي الجامعات.. هذه شروط الانتداب في الوظيفة العمومية    عاجل - : بيع عشوائي ومزايدات غير قانونية...معطيات تكشفها وزارة التجارة    ثنائي الترجي الرياضي محمد امين توغاي ويوسف بلايلي ضمن قائمة المنتخب الجزائري لوديتي رواندا والسويد    تونس تتصدر العالم في مسابقة ميامي لزيت الزيتون وتحصد 75 ميدالية    أريانة: تكثيف الاستعدادات لانجاح موسم الحصاد وتوقع صابة حبوب طيبة    عرض مسرحية "برضاك" في دار تونس بباريس يومي 30 و31 ماي    عاجل/ إنفجار وإطلاق نار خلال توزيع المساعدات    بعد قطيعة طويلة.. رفع العلم الأمريكي بدمشق بحضور وزير الخارجية السوري والمبعوث الأمريكي    رابطة دوري روشن تعلن عن جوائز الأفضل... وبنزيمة نجم الموسم    أطباق تونسية لا تكتمل لذّتها إلا بلحم الخروف: اكتشف النكهة الأصلية للمطبخ التونسي    عاجل/ أضاحي العيد: إرشاد المستهلك تدعو لحملة مقاطعة شعبية    من هي الشابة العربية التي ظهرت برفقة كريم بنزيمة وخطفت الأضواء في مهرجان كان؟    بطولة رولان غاروس للتنس: ألكاراس وسابالينكا يتأهلان الى الدور الثالث    في قضية فساد: إحالة الوزير الأسبق رضا قريرة على أنظار الدائرة الجنائية    مأساة في مصر: زوج يطعن زوجته حتى الموت والسبب هذا    فضيحة مدوية: مخدر يصنع من عظام الموتى يورّط مضيفة بريطانية في تهريب دولي    الجلطات تقتل بصمت: التدخين وراء 60% من الحالات في تونس    لن تتوقعها.. ماذا يحدث لجسمك عند شرب الماء بعد فنجان القهوة؟    الأولمبي الليبي يضع زبير السايس في مأزق كبير    عاجل/ البنك الدولي يوافق على تمويل لتونس.. وهذه قيمته    الأهلي يتوج ببطولة مصر لكرة القدم للمرة الخامسة والاربعين في تاريخه    سيدي حسين: فتح بحث تحقيقي بعد العثور على جثة كهل مشنوق داخل منزل    بداية من اليوم.. انطلاق بيع الأضاحي بالميزان بنقاط البيع المنظمة..#خبر_عاجل    ياسين مامي: لا وجود لطرد جماعي منظم في قطاع السياحة والقانون الجديد لا يُطبق بأثر رجعي    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الجمهورية برئيسة الحكومة..    4 دول أوروبية تدعو إلى قبول فلسطين عضوا كاملا بالأمم المتحدة    إيلون ماسك يؤكد خروجه من إدارة ترامب    قضية الشبان الموقوفين بقابس: أحكام تتراوح بين شهرين وأربعة أشهر سجنا    اللجنة الوطنية لليقظة ومكافحة الجراد تدعو الى ايلاء آفة الجراد الصحراوي الأهمية القصوى    تدعيم مستشفيات نابل بتجهيزات    60% من الجلطات في تونس سببها التدخين    غرّة جوان: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا    عيد الاضحى يوم السبت 7 جوان في هذه الدول    دعاء أول أيام ذي الحجة...أيام مباركة وفرصة للتقرب من الله    









حياةٌ ثانيةٌ SECOND LIFE -1
نشر في الشروق يوم 20 - 09 - 2012


isma3lee@yahoo.fr

لاريب أنّ قوّة الذكاء البشريّ قد بلغت حدّا أصبح معه من الممكن القطعُ مع ضيق الموجود، وتوسيعُ دائرة الممكنِ والمحتمَل، واستمالةُ الناس إلى ما يعتبرونه حياةً ثانيةً تتنكّر إلى أشكال اليقين الحسّيّ الزائف وتنأى عن أغلال الواقع الآسر.


ويُدرِكُ المهتمّونَ بقضايا المعلوماتيةِ والأنساقِ الافتراضيّةِ المُبتَدَعَةِ مكانةَ «حياة ثانية» في سياقاتِ التحوّلاتِ التكنلوجيّةِ المتسارعةِ في مضمار شبكة الانترنيت وما توفّره من فرضيّات مُحتَمَلة قابلة للوقوع وما تمنحه من مراهنةٍ على الأبنيةِ الافتراضيّة الّتي تتماهى مع الواقعِ غير أنّها تتمرّد على حدوده وترفض أسيِجَتَه الخانقةَ.

ويقرّ المختصّون بأنّ «حياة ثانية» واحدة من بين أهمّ الملامح الكبرى للتطوّر الهائل في عالم الانترنيت. وهي أيضا النسق الكونيّ الوحيد الّذي يشمل «الكلّ» وخارقةٌ من خوارقِ التقدّم التكنلوجيّ المعلوماتيّ، بما أنّها عبارةٌ عن نَمذَجةٍ لجوانب مرتبطة بواقع الإنسان من جهة، وهي أيضا تمثُّلٌ ميتافيزيقيّ للواقع المثاليّ كما يجب أن يكون من جهة أخرى.

ولقد وقع إطلاق «حياة ثانية» أوّل مرّة على شبكة الانترنيت في عام 2003 فجسّمت فضاءً افتراضيّا ثلاثيّ الأبعاد يحرّكه برنامج معلوماتيّ يسمح للمتطلّع إلى «حياة ثانية» بابتكار دروب جديدة للوجود في مغامرة استثنائيّة يسبر العقل البشريّ أغوارَها بخياله المجنَّح.

وتتميّز «حياة ثانية» من سائر الشبكات الاجتماعيّة مثل «الفايسبوك» و»التويتر» بكونها شبكةً اجتماعيّة ولعبةَ فيديو في آنٍ واحدٍ لا يكونُ المستعملُ خلالها مجرّد علامة أو رمزًا أو حائطا فايسبوكيّا، وإنّما يصير المشترِك في «حياة ثانية» إنسانا افتراضيّا جديدا بديلا عنك يُسمّى «آفاطار».

«آفاطار» هو محور الحياة الثانية، وهو بطل لعبة الفيديو، كائنٌ حَيّ تتحكّم فيه عن بُعدٍ، هو أنتَ لكن مع بعض التحوير المستجيب للطراز الكامن في أغوارك اللاواعية، هو كائنٌ حَيّ تَهواه نفسُكَ، هو «أناكَ» المنشود، لَه وجود أنطولوجيّ مستقلّ عن ذاتكَ. هو رغبتكَ تراها مجسّدة رعناء بلا قيد أو شرط. وهو من هذا الوجه شخصيّة وفيّة للتصوّر الأفلاطونيّ الّذي يعتبر المثال أكثر واقعيّة من الكائنات الفرديّة الحسّيّة.

يستهلّ «جيرار دي نرفال» كتابَه «أوريليا» بهذه العبارة «أحلامنا حياتنا الثانية». ومازالت الحكاياتُ الدينيّةُ والمعتقدات والأساطير والخرافاتُ تتشوّفُ إلى حياة أخرى بديلة عن الأولى تلوح كَحُلمٍ مُغوٍ ساحرٍ نَفُورٍ. وفي هذا المساق يمكن قراءةُ هذه الشبكة الاجتماعيّة باعتبارها تجلّيًا من تجلّياتِ هذا الحلم القديم المراوِدِ للإنسان، وضربًا من «الفانطازما التكنلوجيّة» تُدخلُكَ الحلمَ من بوّاباتِه العريضة.

وتدعوك «حياة ثانية» إلى إنشاء «آفاطار»كَ إنشاء حرًّا خالصا: تختار لون بشرتك وعينيك وتحدّد طولك وملامحك وتبدّل طريقة مشيتك وألوان انفعالك ومُيولك وتخرج من شَرنقة المكتوب على الجبين والمُقَدَّرِ من السماء والمَوروث عن السلف الصالح لتمتطي صهوة الخَلقِ وتجرّب الممنوعات وتكسر الحدودَ.

ويعتنق أصحاب «حياة ثانية» ديانة جديدة ويَدُكّون أصولهم الاجتماعيّة وينشؤون أخرى بديلة بحسب الهَوَى والخاطر ويستعيرون عاداتٍ وتقاليد لا صلة لها بذاكرة آبائهم وأجدادهم ويعلنون عن التزامهم السياسيّ وعقائدهم الفكريّة ويخلقون أشياءهم وممتلكاتهم من قصور ودورٍ ومؤسّسات وشركات وأموال وأرصِدَةٍ بنكيّة وملابس وحيواناتٍ، علما أنّ حقوقهم محفوظة في كلّ ما يبتكرون داخل حياتهم الثانية، فَهُم محميّون ببرنامج عتيّ يسجّل أملاك كلّ آفاطارٍ في حياته الافتراضيّة الجديدة ويدفع كلّ مُعتَدٍ ويحرس الخصوصيّات ويعرّض كلَّ مُفسِدٍ مخالفٍ إلى التتبّعات العدليّة والعقوبات القانونيّة.

وتوفّر «حياة ثانية» فضاء للتلاقي الافتراضيّ، بل قد تدعوك إلى اختيار حبيبة خياليّة وتشجّعك على نحتها نحتا حرّا حتّى تستحيل آفاطارًا من صنع يديكَ يسلّيكَ في علبتك التكنلوجيّة. وتنظّم لكما «حياة ثانية» مواعيد غراميّة بحسب أوقات فراغك السامحة وتترك لك المجال وسيعا لاختيار زمانِ الموعد الغراميّ ليلا أو نهارا صباحا أو مساءً، ومكانِه إمّا في أعالي الجبال السامقة وإمّا على أشهر السواحل العالميّة.

يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.