كما كان متوقعا، اضطرت السلطات المالية والبنكية في بلادنا إلى التفكير في اتخاذ جملة من الاجراءات «التضييقية» على المنظومة الاستهلاكية للتونسيين.. تضييقات على اسناد القروض الاستهلاكية وقروض السيارات والتقليص من توريد مواد اخرى غير غذائية.. فهل سيقدر التونسيون على التعايش مع هذا الواقع الجديد؟. قررت السلطات المالية والبنكية التفكير في اتخاذ جملة من الاجراءات ستضيق حتما من نسق المنظومة الاستهلاكية المنفتحة والمرنة التي تعود عليها التونسيون طيلة السنوات الماضية.
ومن بين الاجراءات المتخذة ، التي ستكون ظرفية وقد ينطلق العمل بها خلال الفترة القليلة القادمة، نذكر التقليص من توريد بعض المنتوجات وحث البنوك على التقليص من قروض الاستهلاك وقروض السيارات.
تقليص التوريد
أقر مجلس وزاري مؤخرا جملة من الإجراءات من أبرزها بالخصوص التقليص من توريد بعض المواد والمنتوجات التي تراها الحكومة من الكماليات. وحصل شبه اجماع على أن هذه الكماليات الموردة ترهق رصيد البلاد من العملة الصعبة المُقدّر حاليا بأقلّ من 100 يوم توريد. ويُذكر انه الى حدود يوم 26 سبتمبر 2012 بلغت الموجودات من العملة 9810 مليون دينار أي ما يعادل 96 يوما من التوريد مقابل 10582 مليون دينار او 113 يوم توريد موفى 2011 و13003 مليون دينار أو ما يعادل 147 يوم توريد في العام 2010.
ومن المنتظر أن تقوم وزارة التجارة قريبا بضبط قائمة في المنتوجات المعنية بالتقليص من التوريد ومن بينها وفق ما تسرّب من معلومات عدة مواد استهلاكية غير الغذائية على غرار السيارات الفاخرة والعطورات والموز والتفاح والملابس الجاهزة وعدة منتوجات أخرى غير أساسية قد يقع الإعلان عنها لاحقا.
قروض الاستهلاك
من أبرز القرارت المتخذة في هذا المجال حث البنوك على عدم إسناد قروض الاستهلاك لحرفائها وإجبارها على إيداع احتياطي وجوبي لدى البنك المركزي بقيمة توازي على الأقل نصف قيمة قرض الاستهلاك الذي يتم منحه. وهذا الاجراء سيدفع بالبنوك إلى التشدد في اسناد قروض الاستهلاك المُسندة لحُرفائها والتقليص من عددها ومن المبالغ المسندة لأن ذلك يعني بالنسبة إليها تأمين مبالغ مالية كبرى لدى البنك المركزي بعنوان الاحتياطي الوجوبي (نصف قيمة القرض) وهو ما قد لا تقدر عليه عدة بنوك. وبالتالي فان مستوى المعيشة في تونس بالنسبة لكثيرين أصبح مهددا بالتراجع خاصة أن قروض الاستهلاك كانت تمثل إلى حدود الاشهر القليلة الماضية عنصرا أساسيا لتأمين النفقات الاساسية ونفقات الكماليات (الترفيه) بالنسبة لعدة عائلات تونسية، وهو ما قد لا يقبله كثيرون بسهولة.
قروض السيارات
سيشمل التضييق أيضا قروض السيارات التي تفوق سعة اسطوانتها 4 خيول وبالتالي فهو لن يشمل القروض الموجهة لاقتناء السيارات الشعبية ذات قوة أربعة خيول. حيث سيتواصل العمل بالنسبة للسيارات الشعبية بطريقة 20 بالمائة تمويل ذاتي و80 بالمائة تمويل بنكي. لكن بالنسبة للسيارات التي التي تتجاوز قوتها الأربعة خيول، سيقع الترفيع في نسبة التمويل الذاتي إلى 40 بالمائة (من قيمة السيارة) والحط من التمويل البنكي إلى مستوى 60 بالمائة.
ومثل هذا الاجراء سيحد حتما من اقبال التونسيين على شراء السيارات (أكثر من 4 خيول) لأن كثيرين لا يقدرون على توفير تمويل ذاتي يساوي 40 بالمائة من ثمن السيارة وهو ما سيعتبره كثيرون تضييقا كبيرا على نسق الاستهلاك الذي ظل إلى السنوات الاخيرة مرتفعا في تونس . وهذا التضييق سيؤثر كذلك على نشاط وكلاء بيع السيارات في تونس كما سيؤثر على عجلة الدورة الاقتصادية برمتها باعتبار أن سوق السيارات (الجديدة والقديمة) يمثل نشاطا هاما ويوفر مواطن شغل عديدة.
تعايش
يرى كثيرون أن التونسيين قد لا يقبلون مثل هذه الاجراءات التضييقية على النسق الاستهلاكي بسهولة. لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن المواطن مطالب بضرورة التعايش مع مثل هذه القرارات التي وصفوها بالظرفية حتى يتمكن الاقتصاد التونسي من تجاوز هذه الفترة واستعادة نسقه العادي في أقرب الأوقات.