أيّام قليلة تفصلنا عن عيد الاضحى المبارك لذلك برزت عديد نقاط بيع خروف العيد التي لم تجد اقبالا ملفتا وتوقّفت عند حدود السّؤال عن الثمن من قبل الشاري نتيجة الصّعود الجنونيّ للأسعار التي لا يقدر المواطن على مجابهتها. وتشهد أسعار الخرفان في مدينة باجة غلاء فاحشا, فالمتجوّل بين سوق الدّواب أو نقاط البيع الّتي بدأت تنتصب على أطراف المدينة يصطدم منذ الوهلة الأولى بارتفاع غير متوقّع لأسعارها اذ أنّ أغلبها تراوح بين 380 دينار و600 دينار .
تكلفة باهظة
تذمّر الفلاّحين من تكلفة ما يستهلكه الخروف على مدار السّنة دفع بالعديد منهم الى التعبير صراحة عن عدم مواصلة تربية «العلوش» وذلك لعدّة أسباب فسّرها السيّد نور الدّين النّفزي وهو فلاّح ومربّي ماشية حيث تحدّث عن غلاء أسعار مادّتي الصّوجا والقطانيا وهما مكّونان أساسيان للعلف حيث بلغت نسبة زيادتهما 120 % اذ قفز سعر الطنّ الواحد من 550 دينارا الى 1200 دينار .
أمّا العلف المركّب فوصل الى 72 دينارا للقنطار بعد أن كان يباع ب 44 دينارا خلال السّنة الفارطة كما ارتفع سعر « القرط « ليصل الى 7 دنانير وفي باجة بالذات الّتي تعتبر أوّل منتج لهذه المادّة فما بالك بالولايات الأخرى.
ويواصل محدّثنا قائلا انّ موجة البرد وتساقط الثّلوج الّتي شهدتها المنطقة خلال الشتاء الماضي أتت على صغار القطعان وبالتالي لم يتطوّر كثيرا عدد الخرفان خلال هذا الموسم اضافة الى كلّ هذا فانّ الدّولة لم تتكفّل بخلاص تلقيح الخرفان حيث تمّ التفويت في التّلاقيح لفائدة الخواصّ الّذين ألهبوا أسعارها وكان من الأجدى أن تحافظ الدّولة على مجانيتها ، واذا أضفنا الى كلّ هذا غياب الوحدات الانتاجيّة الّتي وقع التّفويت فيها الى أشخاص ليست لهم دراية بالفلاحة أصلا ولم يلتزموا بكرّاس الشّروط من حيث الالتزام بتربية الخرفان وذلك لغاية الرّبح السّريع اذ كانت هذه الوحدات توفّر نوعا من الخرفان يطلق عليها «أسود تيبار» وأمام هذا النّقص يلتجئ الفلاّح الى بيع قطيعه من أجل تزويد السّوق باللّحوم وعند حلول عيد الاضحى لن يبقى لدية شيء من الخرفان .
أمّا السيّد نزار الطبوبي وهو مربّي أغنام فتحدّث بدوره عن ارتفاع أسعار مادّة الفول الّتي تعتبر مادّة أساسيّة في تركيبة العلف حيث كان يقتنيها خلال السنة الماضية ب 50 دينارا واليوم أصبح سعرها 80 دينارا للقنطار كما أنّ مادّة «السدّاري » المدعّمة من قبل الدّولة قد سقطت بأيدي المضاربين وتباع اليوم ب 50 دينارا عوضا عن 34 دينارا كسعر مرجعي لها . كما أنّ المربّي مطالب لتأمين قطيعه من الأمراض بالقيام بتلقيحه مرّتين في السّنة ضدّ مرض «بومريرة» و«تروجان» ولكن ما يجب التّأكيد عليه أنّ التّلقيحين المذكورين زادت أسعارهما بشكل كبير ليصل التّلقيح الواحد منها الى 1500 ملّيم .
الجزّار يشتكي
الطّرف الثاني ونعني به الجزارة لم يخف كذلك تذمّره من ارتفاع سعر «العلوش» بأسواق الدّواب بباجة حيث ذكر السيّد مراد بوترعة ما يعانيه أصحاب المهنة من صعوبات حيث تعرّض الى مسألة نقص الخرفان وغياب الوحدات الانتاجية الّتي وقع حلّها والتّفويت فيها دون دراسة موضوعيّة وهي الّتي كانت بالأمس قبلة المهنيين من القطاع وهو ما ساهم في ارتفاع أسعار الذّكور من الخرفان ليصل تكلفتها بعد ذبحها الى 30 دينارا للكيلوغرام الواحد لنبيعه بنصف التّكلفة وهو ما فرض على العديد منّا اللّجوء الى بيع لحم «البرشني» أمّا آخرون منّا فقد كان الحلّ بالنّسبة اليهم ذبح اناث الخرفان وهو أمر يهدّد مستقبل قطيع الأغنام ويستنزف مدخّراته . المواطن في باجة وفي باقي ربوع الوطن تعاظمت مخاوفه من عدم امكانية توفير ثمن شراء «علوش» العيد بعد أن تضرّر جيبه كثيرا . السيّد عماد الجربي أب لأسرة من أربعة أفراد وصاحب مطعم يقول انّ امكانياته لا تسمح بتوفير 400 دينار لشراء خروف متوسّط الحجم فما بالك بواحد يسرّ النّاظر وهو ينتظر فرصة قد تأتي أولا تأتي لينال مبتغاه ويفرح أطفاله .
أمّا السيّد عبد اللّه الصّولي فيبدو أوفر حظّا اذ بادر منذ أشهر الى شراء خروفين ووضعهما بمستودع على ملكه غير أنّ تكلفة العلف كانت مرتفعة ورغم ذلك فقد ضمن جودة الأضحية ولم تقلقه مصاريفهما اذ كانت بالتّقسيط المريح .
ينتظر عديد المواطنين فتح نقاط البيع بالتفصيل لما تتضمّنه من شفافيّة بخصوص النّوعية والسّعر والّتي انطلق العمل بها وقد حدّد سعر الكيلوغرام من «العلوش» الحيّ لهذا العيد بعشرة دنانير متجاوزا رقم السّنة الماضية بعد أن كان في حدود 8500 مليم ولدى سؤالنا للسيّد عماد الريابني أجابنا بأنّ تكلفة العلف وخلاص الرّعاة وراء ارتفاع سعر خروف العيد ورغم ذلك نحاول أن نبقي أسعارنا في حدود امكانيات أغلب الفئات ولم تكن الزيادة مشطّة فاذا سلمنا بأن تكلفة الخروف اليومية تبلغ دينار واحد لذا فانّ سعره سيكون هذه السنة بين 360 و400 دينار هذه السنة وهوأمر مقبول عموما. الادارة الجهوية للتجارة توضح السيّد قيس اليازيدي المدير الجهوي للتجارة أفادنا بأنّ ولاية باجة وحسب آخر الاحصائيات المتوفّرة تشير الى وجود 34200 رأس بين «علوش» و«بركوس» وماعز بالاضافة الى ما سيتمّ جلبه من أعداد اضافيّة من ولايات أخرى خاصّة القيروان وسيدي بوزيد خلال الأيّام الّتي تسبق عيد الاضحى كما تبلغ الحصة الشهرية للولاية من مادّة «السدّاري» والموجّهة للعلف ما يقارب 505 طن شهريّا وذلك لفائدة المزوّدين والفلاحين وهي كميّة لا تكفي لتلبية الحاجبات والطّلبات المتزايدة وهو ما نتج عنه تسجيل عمليات احتكار لهذا النّوع من العلف . وعن سؤالنا حول ارتفاع أسعار الخرفان خلال هذا الموسم قال السيّد قيس اليازيدي انّ أسعار مادّتي الصّوجا والقطانيا شهدت ارتفاعا كبيرا على المستوى العالمي وتعتبر بلادنا مورّدا أساسيّا لهما وهما يمثّلان العمود الفقري لتركيبة العلف كما أنّ تهريب قطاع الماشية بعد الثورة باتّجاه القطر اللّيبي بالخصوص والجزائري قد ساهم في ارتفاع أسعار «العلوش» بصفة ملحوظة . الحلول الّتي اقترحها أغلب المستجوبين لتجاوز ازمة غلاء اسعار الخروف كانت تصبّ في اتجاه واحد وهو عودة الوحدات الانتاجية للعب دورها الّذي من أجله بعثت وهو توفير الخرفان لتزويد الأسواق باللّحوم وكذلك التصدّي لعمليات الاحتكار الّتي يمارسها بعض المزوّدين والتجّار من أجل تحقيق الرّبح السّريع كما أنّ تدخّل الدّولة أصبح أكثر من ملحّ ليحظى موضوع توفير العلف بدعم أكبر حتّى لا يتضرّر الفلاّحون الصّغار اضافة الى منع تهريب القطيع نحو أقطار مجاورة . وقد أكّد السيّد قيس اليازيدي المدير الجهوي للتجارة بباجة أنّه تمّ بالتّنسيق مع وزارة الفلاحة وبمشاركة الجيش والأمن والصحّة القيام بزيارات ميدانيّة لمتابعة أسواق الدّواب غير المنظّمة وهو يدخل ضمن البرنامج الجهوي للتحكّم في الأسعار ويهدف الى مراقبة حالة التزويد والأسعار ...