«الهوية والحداثة مقاربات وتصورات» هو محور الندوة الفكرية التي نظمتها دار الثقافة بالقلعة الكبرى وجمعية ابن رشد للفكر والإبداع نهاية الأسبوع الماضي بحضور الأستاذين جمال الدين دراويل والهذيلي منصر اللذين تناولا المسألة من زوايا متعددة. وقد تم تناول هذه الإشكالية وفق تصورات حاولت تنزيلها في سياقها التاريخي حيث تمحورت المداخلات حول سؤال الهوية وعلاقة هذا المبحث بالحداثة ومشروعية الطرح وتداعياته على الواقع الفكري والسياسي الذي تعيشه تونس.
وحاول الأستاذ منصر في مداخلته تفسير راهنية سؤال الهوية ومدى مشروعية طرح هذه الإشكالية وتحليل مرتكزاتها النظرية للخروج بالنتائج في النهاية. وأشار منصر إلى أهمية طرح تساؤلات مركزية في علاقة الهوية بالحداثة بما تعنيه من تنوع وتعدّد في المقاربات والتصورات، مما يوصلنا في النهاية إلى قبول الآخر وتكريس حق الاختلاف في الحراك الفكري المرتبط آليا بالحراك السياسي. وعرّج منصر على حالة الاحتقان القائمة اليوم في الساحة السياسية والفكرية مبرزا أهمية الحوار بين جميع الأطراف في الساحة ومؤكدا على ضرورة تقنين الحوار لنبذ افكار الإقصاء واحتكار المشهد من هذا الطرف أو ذاك.
ومن جانبه تحدث الأستاذ جمال دراويل، رئيس تحرير مجلة «الحياة الثقافية» في مداخلة بعنوان «التنوير مطلب إسلامي أصيل» عن المرتكزات الأساسية للتنوير في الفكر الإسلامي القديم والحديث والمعاصر وتحديدا مدنية الدولة والسلطة السياسية والديمقراطية وتكريس حق الاختلاف وقبول الآخر والإيمان بنسبية كل المقاربات في المجال الفكري والسياسي... وأسهب دراويل في تفسير هذه المفاهيم وتبسيطها للحضور معرجا على تجارب عدة شعوب خرجت من الحروب والصراعات عبر تكريس التنوير كقيمة أساسية في الخطاب الفكري والسياسي مقدما اليابان كمثال بارز. واستند دراويل كثيرا في مداخلته إلى آراء المفكر التونسي العربي الإسلامي الفاضل بن عاشور الذي ألف حوله الدكتور دراويل كتابا ضخما طُبع في بيروت منذ سنوات. وأكّد دراويل أنّ التنوير ليس وافدا من حضارات أخرى بل هو نابع من صلب الفكر العربي الإسلامي.
وأثارت المداخلتان ردودا من عدد من الحضور خصوصا الأساتذة نور بوفايد ومحمد بن عائشة وسمير بوقديدة ومعز الفقيه والناصر العوني حيث تمحور النقاش خصوصا حول علاقة الهوية بالحداثة وعلاقة هذه الإشكالية بالساحة السياسية راهنا وما تشهده الساحة من حراك واحتقان وما تتطلبه المرحلة الراهنة من فرض منطق الحوار ونبذ العنف ومنطق القوة.
وأكّد بعض المتدخلين أنّ مسألة الهوية باتت محسومة وأن الإشكالية الحقيقية هي علاقة الحداثة بالهوية رغم تأكيد البعض ان الحداثة ليست وافدة على الحضارة العربية الإسلامية بل هي متجذرة في هذه التربة ونابعة منها في حين تسعى بعض الأطراف على الساحتين السياسية والفكرية إلى احتكار تمثيليتها للهوية بما تعنيه من خصوصية حضارية وفكرية ترمز إلىالتمايز الحضاري مع الآخر.
وقد افتتح الندوة ونشطها الكاتب والشاعر البشير عبيد الرئيس الشرفي لجمعية ابن رشد للفكر والإبداع كما أكّد رئيس هذه الجمعية توفيق بوغدير العزم على تنظيم ندوات وملتقيات أخرى من أجل إنشاء حراك على الساحة الثقافية بالتنسيق مع دار الثقافة بالقلعة الكبرى بإدارة الأستاذ نجيب بن عائشة.