بقي موضوع اعتماد الشريعة الاسلامية كمصدر اساسي للدستور «الحاضر الغائب» في حيثيات الحياة السياسية في تونس, غائب باعتبار عدم حضوره في نص مسودة الدستور, وحاضر باعتبار انه كان يؤثث بعض النقاشات داخل قبة المجلس في علاقة بمفاهيم محورية مثل شكل الدولة وطبيعة النظام. ملف الشريعة الاسلامية فُتح من جديد بعد مداخلة نائب المجلس التاسيسي عن حركة النهضة الصادق شورو الذي اكد انه يريد تبرئة ذمته امام الله وامام الشعب ,وكان لنا معه الحوار التالي:
لماذا يعود الجدل حول الشريعة الاسلامية مجددا في بداية مناقشة التوطئة ؟
طرحت موضوع الشريعة الاسلامية واردت ان ابرىء ذمتي امام الله وامام الشعب ,فالشريعة الاسلامية قضية يتعلق بها عمل المسلم وسيحاسب عليها وسيحاسبنا الشعب الذي انتخبنا على هذه المسألة اذا لم نثرها, انا اردت أن أبيّن للشعب موقفي فقلت ان الفصل الاول من الدستور ينص على ان تونس دولة عربية الاسلام دينها ,يعتبر شعارا عاما كان موجودا في الدستور القديم ولم يمنع النظام الاستبدادي ان يضرب به عرض الحائط ويسن قوانين تتضارب معه فيجب اضافة معنى لهذا الشعار العام, معنى اساسي وحقيقي, ويمكن ان نضيف عبارة «ومصدر تشريعها» لعبارة الاسلام دينها.على اساس اننا اذا كنا اقررنا ان الاسلام دين الدولة نقر بان الشريعة يجب ان تكون المصدر الاساسي لتشريعات الدولة فالاسلام عقيدة وشريعة والاقرار بان الاسم دين الدولة يقتضي بان تكون الشريعة هي شريعة الدولة.
هناك من يعتبر ان الشريعة لم تلغ وان التوطئة الحالية تتضمن تراكيب تحيل عليها مباشرة , فما رايك في هذه المقاربة؟
حسب الصياغة الحالية للتوطئة فانها لا تعطي اي ضمان بان القوانين تكون ملتزمة بالفصل الاول بل انها يمكن ان تفسح المجال للمشرع بان يقرر ويسن قوانين فيها تاويل مخالف لمقتضيات الفصل الاول وهذا حدث في الماضي, وهناك قضاة اوّلوا القوانين بشكل يتناقض مع روح الفصل الاول من الدستور وهذه مسألة يعرفها اهل القانون اقترحت بان يضاف فصل الى التوطئة ينص على ان كل قانون وقرار يتعارض مع الفصل الاول يكون لاغيا وباطلا.
هل ان اعتماد الشريعة كمصدر اول للدستور يعود الى قرار النواب او يستوجب استفتاء للشعب ؟
هناك الاف من الناس وجمعيات .. قاموا بوقفات احتجاجية امام المجلس التاسيسي وطالبوا بالتنصيص على الشريعة الاسلامية كمصدر اساسي للدستور ,اما اذا لزم الامر القيام باستفتاء شعبي لتحديد موقف الشعب التونسي من هذا فيجب القيام بذلك ,فالتوطئة تحيلنا على ان الشعب هو مصدر السلطات.
بعض الاطراف تقول ان موضوع الشريعة يعود الى الواجهة كلما قررت حركة النهضة التعتيم على موضوع ما ؟
موضوع الشريعة ليس وهميا وانما يطرحه الواقع وهو موضوع اساسي ومحاولة ابعاده عن انظار الناس الغاية منها التاكيد على التوجه العلماني للدولة, الصراع بين العلمانية والاسلام واقع وليس وهما.
ماذا سيكون موقفك اذا ما تم تجاوز موضوع الشريعة الاسلامية مثل المرة الماضية؟
اذا ما تم تجاوز موضوع الشريعة الاسلامية مثل المرة الماضية سأقول لهم «حسبنا الله ونعم الوكيل» وسابقى ادافع على هذه النقطة وستبقى قضية اساسية بالنسبة لي وسأعمل على الاقناع بها وضرورة اخذها بعين الاعتبار سواء على مستوى مؤسسات الدولة او الاطراف الاجتماعية او غيرها... لانني اضافة الى انني عضو في المجلس الوطني التاسيسي فانا داعية الى الله سبحانه وتعالى وانا ادعو الى الدين بما هو عقيدة وشريعة وخلق ,وادعو الناس الى اتباع كل ما جاء في كتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم,وهذا هو المخرج الصحيح لمعالجة كل قضايا الامة الاسلامية.
من اكثر النعوت التي تطلق على بعض الحركات الاسلامية وحركة النهضة هي «ثنائية الخطاب», ما تعليقك على هذا؟
ليس هناك خطاب ثنائي لكن بعض الناس تفهم من خطابات قادة حركة النهضة او شيخها انهم يسعون الى تأسيس دولة اسلامية وهذا ليس صحيحا , فرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في كل خطاباته يؤكد على الدولة المدنية وحتى لو فرضنا انه تحدث على الدولة الاسلامية فهذا ليس بالمعنى الكهنوتي مثل ماهو موجود في اسرائيل وايران او في بعض الدول المرتبطة بالكنيسة ليست هذه المعاني المقصودة بالدولة الاسلامية بل هي دولة مدنية مرجعيتها الاسلام فلا وجود لتناقض بين الاسلام والدولة المدنية.
ماهو مفهوم الدولة المدنية في فكر النهضة؟
الدولة المدنية كما نفهمها في حركة النهضة هي الدولة القائمة على مبادئ فكرية اسلامية وقائمة على اساس بناء الدولة على مؤسسات سياسية لها جملة من الخصائص منها الشورى والعدل و الحرية وكرامة الناس ,وهذه مبادئ كونية ,فالدولة التي بناها رسولنا عليه الصلاة والسلام قائمة على اساس مؤسسة الشورى حتى وإن لم تكن واضحة المعالم في ذلك الوقت فأهل الحل والعقد الذين يرجع لهم المؤمنون في قضايا العدل دليل على ذلك اضافة الى ان مبدا العدل اساسي في الدولة الاسلامية والدولة في مفهومها الاسلامي لا تتناقض مع الدولة المدنية.
من هو الصادق شورو؟ الصادق شورو من مواليد عام 1952، حصل على دكتوراه في الكيمياء من كلية العلوم بتونس، وعمل مدرسا بكلية الطب إلى أن تم اعتقاله سنة 1991، وهو الى جانب ذلك كان عضوا بلجنة البحث العلمي في تخصصه بالمركز الجامعي للبحث العلمي بمنطقة برج السدرية في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، وعضوا بنقابة التعليم للاتحاد العام التونسي للشغل.
وقد عرف الصادق شورو بتأييده للنضال الطلابي، وحضر المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للطلبة، وهو حافظ للقران، ، وقد انضم لعضوية مجلس الشورى المركزي لحركة النهضة الإسلامية منذ بداية الثمانينيات، وانتخب في مؤتمر 1988 رئيسا للحركة وواصل القيام بمهامه حتى اعتقل في 17 فيفري 1991، وقد تعرض لتعذيب شديد نقل على إثره أكثر من مرة للمستشفى في حالة خطيرة، كما خاض عدد من الإضرابات عن الطعام .
حوكم شورو أمام المحكمة العسكرية سنة 1992على رأس 265 من قيادات النهضة، وقد طلب الادعاء العام إعدامه، ولكن تحت ضغط المنظمات الحقوقية والإنسانية اكتفى النظام السابق بإصدار حكم في حقه بالسجن مدى الحياة، ونقل بعد ذلك لأكثر من سجن،
افرج عنه يوم 6 نوفمبر2008 ضمن آخر مجموعة من قيادات النهضة، وذلك بعد ثمانية عشر عاما قضاها في سجن «المرناقية» . أمضى ثمانية عشر عاماً قضاها قيد الاعتقال منها 13 عاما كاملة في سجن انفرادي. تم اعتقاله مرة أخرى بعد شهر من إطلاق سراحه على خلفية مداخلة أجراها لقناة الحوار و التي استند عليها النظام السابق ليسند له تهمة إعادة تنظيم حركة النهضة. وقد أصدرت المحكمة، حكما يقضي بحبسه سنتين. ولم يتم إطلاق سراحه إلا في شهر أكتوبر 2010.