مرت «زوبعة 23 أكتوبر» بأخف التداعيات والأضرار على الساحة السياسية وبدأ معها العمل على واجهة مهمّة وهي مناقشة مشروع الدستور التي تتطلب جهدا كبيرا ومناخا من الثقة المتبادلة وجوا من التهدئة حتى لا يضيع وقت طويل في نقاش ما لا ينبغي أن يُناقش وحتى لا تتكرّر أخطاء المرحلة المنقضية التي وصل فيها التشنج حدّ العنف المادي وبدت فيها الرؤى متنافرة ومتباعدة. الوفاق... الوفاق
وتبدو الساحة السياسية في تونس مقبلة على مواعيد مهمة خلال ما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية بدءا بمناقشة مشروع الدستور وتعديل ما ينبغي تعديله والاتفاق على خطوطه الكبرى وعلى فصوله فصلا فصلا وصولا إلى المصادقة على بعث الهيئات الخاصة بالقضاء والعدالة الانتقالية والانتخابات والإعلام. وتحتاج هذه الخطوات بلا شك إلى قدر عال من المسؤولية والتعالي على التجاذبات الحزبية والحدّ من التصريحات المثيرة وتبادل الاتهامات وتسييس ما لا يمكن تسييسه وبالتالي فإنّ «كلمة السر» لهذه المرحلة هي الوفاق أولا والوفاق آخرا والابتعاد عن كل أشكال المنغصات وتوتير الأجواء وتجنب القيام بالحملات الانتخابية قبل أوانها. وفي هذا السياق قال رئيس كتلة حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بالمجلس التأسيسي المولدي الرياحي إنه «بعد مرور هذه الأزمة المفتعلة حول موضوع انتهاء شرعية المجلس التأسيسي والسلطات المنبثقة عنه وما سببته من إرباك للشارع التونسي وما نجم عنها من إدخال الحيرة في نفوس التونسيين والتونسيات في المدة الأخيرة، نعتبر أنه لا مناص لنا جميعا على اختلاف رؤانا وتوجهاتنا من أن نبحث عن التوافق لأننا كلنا مسؤولون امام الشعب وعلينا ألّا نخيب انتظاراته».
وأكّد الرياحي أنّ «الحوار الهادئ والرصين والمسؤول بحثا عن التوافقات وخاصة بين العائلات السياسية الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي ينبغي أن يكون وسيلتنا في التعامل مع النصوص القانونية الأساسية المطروحة علينا: الهيئة المؤقتة للقضاء وهيئة الإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقانون العدالة الانتقالية».
وأضاف الرياحي «علينا في أسرع وقت ممكن وبأفضل السبل أن نهتدي إلى هذه التوافقات حتى لا يطول أمد المرحلة الانتقالية الثانية، ونحن جميعا في الائتلاف الثلاثي حريصون كل الحرص على ذلك وينبغي أن تعبّر الأطراف الاخرى عن نفس الاستعداد ونفس العقلية لا أن تكتفي بالانتقاد المتواصل والتصعيد والتهديد والتشكيك».
واعتبر القيادي في التكتل أنه «من المطلوب كذلك أن يرتفع نسق التنمية في الجهات وهذه مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى ولكنه مرتبط ايضا بالمناخ العام وبدور الأحزاب ومكونات المجتمع المدني... فنسق التنمية لا يمكن أن يرتفع في ظروف امنية متوترة وفي غياب الاستقرار، فالاعتصامات والاحتجاجات الفوضوية وقطع الطرق وما إلى ذلك تبقى حاجزا أمام هذا الهدف وخاصة الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي».
وأكّد الرياحي أنه «علينا جميعا أن نعمل على تهدئة الأوضاع، فهذه مسؤولية وطنية لأن إنماء الجهات الداخلية التي ظلت محرومة طوال نصف قرن لا يمكن ان يكون محل مزايدة سياسية لأنه يمثل مع الحرية والكرامة أهم انتظارات الفئات المحرومة والجهات المنسية وانتظارات شعبنا بصفة عامة».
في المقابل اعتبر القيادي في حزب حركة «نداء تونس» محسن مرزوق أنّ المؤشرات الموجودة حاليا في الساحة السياسية لا تبشر بخير بل تنذر بالأسوإ، وأعرب مرزوق عن أمله في أن يكون العيد مناسبة وانطلاقة حقيقية لإعادة الوفاق والتسامح بين كل الفرقاء السياسيين.
واتهم مرزوق «الترويكا» الحاكمة بأنها تسعى بكل السبل إلى البقاء في السلطة وأن خطابها تجاه من تسميهم «المنهزمين» لا يساعد على خلق أجواء ملائمة للحوار والتوافق...فهل أنّ الوضع السياسي قابل للإصلاح وهل أنّ مختلف الأطراف مستعدّة لتصحيح اخطائها؟
أخطاء المعارضة
الأستاذ خالد المحجوبي اعتبر أن «المتتبع لمواقف المعارضة مما يحدث في البلاد يتأكد وبكل موضوعية وحياد أنها حادت عن أهدافها وعما تعارفت عليه النظم الديمقراطية في هذا المجال فهي ما انفكت تقفز على الأحداث فتضخمها وتوظفها لصالحها فتجعل منها مشكلة وقضية وطنية ذات أولوية مطلقة في محاولة منها لإبراز دفاعها المستميت عن مصالح الشعب متظاهرة بانها مجندة لخدمته والحال انها مجندة لفائدة مصالح الأحزاب التي تنتمي إليها تمهيدا للوصول الى الحكم عملا بالمقولة المعروفة: «الغاية تبرر الوسيلة».
ويضيف الأستاذ المحجوبي المحامي لدى التعقيب قائلا «ما ألاحظه في تصرف المعارضة تأكيدها الكلي والمطلق على إظهار الحكومة في مظهر العاجز والفاشل والايحاء من خلال خطاب تحريضي بأن البلاد سائرة نحو الانهيار وهذا الايحاء من شأنه أن يبث الرعب واليأس في نفوس المواطنين وهو الهدف المنشود الذي ترمي اليه المعارضة عموما في محاولة منها لكسب مزيد من الأصوات يوم الانتخاب وسحبها من منافسيها الآخرين وخاصة «الترويكا».
واعتبر المحجوبي أنّ «هذا الأسلوب غير الديمقراطي اتبعته المعارضة في حملاتها الانتخابية والدعائية بمناسبة انتخابات 23/10/2011 لكنها فشلت فشلا ذريعا ويبدو أنها لم تفهم الدرس جيدا ومازالت تسير في نفس الدرب وتتعامل مع خصومها بنفس الآليات المنافية لأبسط القواعد الديمقراطية والأخلاقية والتنافس النزيه».
وتابع أن «جل المعارضة التونسية سواء كانت أحزابا أو منظمات أو جمعيات مصرّة على إظهار الوطن في صورة سوداء قاتمة بسبب ما تعتبره فشلا ذريعا للحكومة ولم تر أي دور ايجابي من شأنه أن ينصف هذه الحكومة ويمنح المعارضة نزرا يسيرا من المصداقية والموضوعية».
وفي السياق ذاته قال رئيس حركة اللقاء الديمقراطي الدكتور خالد الطراولي إن «دور المعارضة أساسي في هذه المرحلة الانتقالية ومفصلي، وهي مسؤولية تاريخية ووطنية وأخلاقية لا يجب الاستهانة بها... فمسؤولية الوطن مسؤولية جماعية يتقاسمها الحاكم والمحكوم، يتقاسمها شعب ومجتمع مدني، تتقاسمها نخب وقواعد، تتقاسمها سلطة ومعارضة، ولكن للمعارضة دورها الاستثنائي والرمزي في فترة استثنائية رمزية وحاسمة... مرحلة لها ما بعدها، يذوب فيها كل طموح شخصي وحسابات حزبية وممارسات سياسوية من أجل تونس للجميع ومن أجل وطن آمن ومستقر.»
وتبدو المعارضة على اختلاف ألوانها وتوجهاتها مدعوّة اليوم إلى العمل بروح مسؤولة بعيدا عن التشنج وتصفية الحسابات ومهاجمة خصومها في الحكم أملا في كسب انتخابي قد لا يأتي وأن تضع المصلحة العليا للبلاد ومهمة إنجاح المرحلة الانتقالية فوق كل الاعتبارات والحسابات الحزبية الضيقة.