دخلت العديد من الأطراف المحسوبة على المعارضة في تونس مباشرة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في سباق محموم من أجل تفادي حالة التشتت وعدم القدرة على المنافسة السياسية وفي هذا الاطار شهدت الساحة عديد المحاولات لإعادة البناء. وفي الاتجاه ذاته تزعم الحزب الديمقراطي التقدمي مسارا آخر لتوحيد عدد من الأحزاب لكن ما ان انتهت عملية التوحيد حتى انقسم الحزب فعاد عدد كبير من إطارات الحزب ونوابه إلى إحياء الحزب الذي من المفترض انه اندمج في الحزب الجمهوري، وعلى الضفة الأخرى دخلت أطراف قومية في محاولة لتشكيل جبهة موحدة أو إحياء جبهة 14 جانفي التي لم تتمكن أيضا من إعادة تجميع كل القوى التي أسستها في البداية وذالك نتيجة خلافات بين عدد من مكوناتها الأولى وأبرزهم حركة الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمال الشيوعي التونسي وحزب العمل الوطني الديمقراطي.
كما فشلت الأحزاب الدستورية في محاولات التوحيد التي ظهرت إلى جانب مبادرة الأستاذ الباجي قائد السبسي، وبذلك تكون ساحة المعارضة اليوم كما كانت عليه تقريبا بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي فما الذي يمنع محاولات البناء «أحزاب كبيرة أو جبهات» في المعارضة؟.
محمد الكيلاني : المعارضة لم تتجاوز عقدة الحزب الكبير
اعتبر محمد الكيلاني رئيس الحزب الاشتراكي اليساري ان أحزاب المعارضة مازالت في أول الطريق ما يجعلها بعيدة عن الاتحاد في حزب معتبرا ان تشكيل جبهات سيكون أسهل في المرحلة الراهنة، وأضح ان «الأحزاب هي مراكز ومسؤوليات لذلك الأمر صعب لا يمكن ان نحكم علي المعارضة بالفشل فهي مازالت في أول الطريق ويكفي ان تتجاوز عقدة تكوين الأحزاب الكبيرة وتتجه نحو تشكيل جبهة».
وأشار الكيلاني الى ان الجبهة أيضا في حاجة الى نقاش معمق في تعليقه على جبهة 14 جانفي التي رأى انها تشكلت سريعا وتكونت بين أطراف «بينهم خلافات فكرية كبيرة في وجهات النظر ولا يمكن ان يتجاوزوها بسرعة ... الساحة حبلى بالأحداث لذلك تؤدي دائما إلى ظهور خلافات جديدة».
وتابع «لا بد من الوقت لكل شيء لكن الخطأ الذي يهدد المعارضة هو إنها لم تتجرأ بعد على تشكيل مجلس حوار يضم كل أطراف المعارضة والا فإنها لا يمكن الا أن تكون حزبين كبيرين والباقي يحافظ على التشتت وفي الانتخابات القادمة سنجد أنفسنا في نفس الموقف الذي مررنا به في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي».واعتبر الكيلاني أنه على الأقل يجب ان يبعث مجلس للحوار «ولو غير رسمي لنفهم وجهات النظر لكن القوى السياسية غير واعية بهاته الضرورة ما يجعل كل طرف متمترس في مكانه ويتصور ان البقية سيلتفون حوله وكل مرة يأتي حزب ويتصور انه سيكون قاطرة للبقية».
وأكد رئيس الحزب الاشتراكي اليساري انه إذا لم يتم النقاش لن تصل قوى المعارضة إلى شيء كبير «نحن نرتكب خطأ عدم التحاور لكن الفشل مرتبط بإنجاز مهامنا من عدمه وحينها اذا لم نكن حاضرين للاستحقاقات القادمة يمكن ان نقول ان المعارضة فشلت لكن الأمر الأساسي اليوم هو ان إمكانية الإنقاذ وإيجاد المخرج مازالت قائمة لكن يجب ان ينزل الجميع من عروشهم ويلاقوا الآخر للتفاوض والتحاور ورسم طريق مستقبلية مشتركة وكنا دعونا كل الأطراف الى فتح حوار وعقد ندوة وطنية للتحاور حول مستقبل البلاد والبحث عن بدائل لكن لم نجد ردودا من أي طرف».
وختم الكيلاني قائلا «يمكن ان نخرج من المأزق إذا عدنا إلى الحوار وإلا فان مآلنا الفشل من جديد وحركة النهضة ستكون متواجدة مع تحالفات أخرى في السلطة القادمة».
خالد الكريشي : التوحيد من أجل السلطة والكرسي لن ينجح
اعتبر الأستاذ خالد الكريشي العضو المؤسس لحركة الشعب أنه من الثابت ان المعارضة تعاني من رواسب التاريخ وتعطل التواصل فيما بينها الى جانب عدم قراءتها للمرحلة الانتقالية الحالية بصورة جيدة.
وأوضح قائلا «لقد وضعت نفسها في خانة المعارضة مباشرة بعد الانتخابات والحال ان هذه المرحلة تتطلب توافقا بين مختلف قوى الثورة والتصدي لقوى الثورة المضادة وليس التعامل مع الواقع على أساس سلطة ومعارضة أو أغلبية وأقلية ، المعارضة مازالت تعاني أيضا من قوى الثورة المضادة في داخلها والتي تسعى إلى الحيلولة دون إيجاد معارضة جدية وموحدة وقوية وانها لم تتخلص بعد من خطاب الاحتجاج ولم تتحول الى قوة اقتراح وبرنامج ومشروع وحافظت على جانبها الاحتجاجي».
وأضاف الكريشي قائلا «ثم هناك عدة أحزاب تسمى الآن بالمعارضة وهي امتداد للنظام السابق وبقايا النظام تصدروا المشهد السياسي لأن السلطة منحتهم التراخيص وهناك عدد من الأحزاب التي كانت موجودة والتي كانت عبارة عن أحزاب أجهزة تابعة للداخلية باستثناء التجديد والديمقراطي التقدمي وشوهت الحياة الحزبية وأعطت صورة سيئئة للمعارضة هي مازالت موجودة الى اليوم وتصنف كأحزاب معارضة ولم يتم حلها».
واعتبر انه من أسباب تردي أداء المعارضة غياب الأفق السياسي المستقبلي وكذلك المرجعية العقائدية الموحدة «مثلا في حركة الشعب لم نشهد صعوبات في عملية التوحيد لكن عندما تغيب المرجعية العقائدية تطغى الرهانات الشخصية، نحن غلبنا مصلحة البلاد ومستعدون لحل الحزب في سبيل التوحيد وايجاد بديل وقد انجزنا مؤتمرا ديمقراطيا في حين اعتمدت عدة أحزاب على الماحصصة ثم وقع الانشقاق عنها ففشلت عملية التوحيد».
وأضاف «هذه الأحزاب تستعجل الوصول الى الكرسي والسلطة دون تقديم تضحيات والعمل من أجل ذلك ما يعني افساد الحياة السياسية ونحمل الحكومة السابقة مسؤولية اغراق الساحة السياسية ب120 حزبا وكان يمكن الاكتفاء بالترخيص للتيارات لكن المرسوم عدد 87 الصادر في 24 سبتمبر 2011 والذي عوض قانون الأحزاب لم يدرج مسألة اندماج الأحزاب وبالتالي أعطى الذريعة القانونية لتشتت المعارضة».
وأشار الأستاذ خالد الكريشي الى ان المرسوم جاء في فترة استثنائية ليفتح الباب لتأسيس «دكاكين على غرار ما كان يقوم به النظام السابق من تأسيس لأجهزة حزبية كنا دعونا الى حلها قبل 14 جانفي وتواصلت تلك السياسة بالمرسوم الأخير الذي عقد المسار التوحيدي لأحزاب المعارضة».وطالب محدثنا بالغاء المرسوم المذكور متسائلا «ما معنى ان يؤسس وزراء بن علي وأيضا وزراء بورقيبة أحزابا كما ان أجهزة بن علي الحزبية مازالت موجودة الى اليوم».وقال انه على المعارضة ان تغلب المصلحة العامة وان تحل بعض الأحزاب نفسها لفائدة أحزاب أخرى وتندمج معها مثلما حصل في حركة الشعب الى جانب ان تخرج المعارضة بخطابها من خطاب احتجاج الى خطاب يقدم برامج ومشاريع من اجل تجاوز الواقع الحالي «الذي تتحمل فيه المسؤولية السلطة في تسرب قوى الثورة المضادة الى المشهد السياسي فالبدعة الموجودة في تونس هي ان قوى الثورة المضادة موجودة في السلطة وفي المعارضة.
عثمان بالحاج عمر (حركة البعث) : هناك من يغذي الصراعات من الخارج
اعتبر عثمان بالحاج عمر الأمين العام لحركة البعث ان سبب عجز المعارضة عن تكوين أحزاب أو جبهات واسعة يعود الى سببين أولهما عدم وضوح الرؤية في المشهد السياسي التونسي واستعصاء المستقبل القريب عن القراءة «فتعادل القوى جعل الرؤية غير واضحة» والسبب الثاني هو انه يمكن ان تكون هناك جهات داخلية أو خارجية وربما لها وكلاء داخليين يساعدون على تغذية الصراعات وانعدام الثقة بين الأطراف حسب قوله.
وتابع «ربما الى حد الآن ظهرت جبهة 14 جانفي والتي رغم ان أدائها لا يسير بنفس الوتيرة الا انها تقوم بفعاليات سياسية في عديد الجهات منها صفاقس وسوسة ومنوبة وكذلك المسؤولين في الأحزاب الخمسة المكونة لها يلتقون عند حصول أي اشكال والصدق بينهم قادر على تجاوز كل اشكال يحصل».
وأضاف بالحاج عمر ان السبب الثالث هو غياب تقاليد العمل الجبهوي والساحة وعديد الأحزاب تكونت حديثا وليس لها تقاليد في العمل الجبهوي معتبرا ان ذلك يشكل صعوبة كبيرة موضحا انه «الأحزاب التي لا تواجه مشاكل هي الأحزاب العقائدية مثل حركة النهضة وحزب العمال وحركة البعث التي بغض النظر عن صغرها كأحزاب هناك تناسق وتناغم بين القيادات والقواعد ولا يعوزنا الا الامكانات المادية واللوجستية لنتحول الى حزب كبير».
عبد الحميد الجلاصي (حركة النهضة) : هكذا نرى أسباب عجز المعارضة عن «إعادة البناء»
اعتبر الأستاذ عبد الحميد الجلاصي القيادي في حركة النهضة ان مسألة صعوبة البناء في المعارضة مسألة معقدة وان أسبابها عديدة منها ان الثورة ستغير بالضرورة التضاريس السياسية للبلاد «فعديد الأطراف التي كانت موجودة في السابق فقدت اليوم مبررات وجودها وأخرى بصدد لملمة وضعها في حين تبحث أطراف أخرى عن تموقع جديد».
وتابع «البناء السياسي يحتاج الى التقاء في البرامج لكن هذا أيضا تحكمه نزعات شخصية ... المشهد ناتج عن محاولة بناء بنزعات وباستراتيجيات قديمة» مضيفا ان البناء يحتاج الى فلسفة ايجابية وليس فلسفة هدم وضد «أي نحتاج الى ثقافة سياسية جديدة ففي الدكتاتورية يمكن للمنطق الاحتجاجي ان يكون برنامجا سياسيا لكن في حالة التعددية والديمقراطية الاحتجاج لا يمكن ان يكون برنامجا».
وأوضح الجلاصي ان هناك عديد الأطراف التي تغلب ما يفرق على ما يجمع على خلاف البناء «فمثلا البناء الأوروبي الذي ثمن المشترك وحيّد المختلف تمكن من بناء لأن ذلك ما يجعلنا نخطو خطوات عملية الى الأمام وبالتدريج يتعزز رصيد المتفق عليه، لكن للأسف هناك أطراف تبالغ وتهول وتختلق أحيانا مجالات اختلاف وهمية مثلا لدينا نخبة سياسية متفقة على الديمقراطية والتعددية والهوية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني والامتداد الحضاري وهذا رصيد كبير مشترك يمكن ان يشكل أرضية توافق بين أطياف سياسية كبيرة في البلاد لكن بدل ذلك نسعى الى عزل عدد كبير من الأطراف فمثلا هناك بعض الاطراف التي مازالت تناقش مدى وجوب ادماج حركة النهضة في الحكم في حين ان الحركة في الحكم، هذه رموز وعقليات قديمة وجب التخلي عنها».
وختم قائلا «هناك أيضا عدم الوعي باستتباعات الثورة وباستتباعات الانتخابات التي حصلت في 23 أكتوبر وعديد الاطراف مازالت لم تهضم بعد انه حصلت ثورة في البلاد وانه حصلت بعدها انتخابات ديمقراطية ونزيهة ولازالت لم تهضم وضع المعارضة في ظل نظام ديمقراطي وتعددي في البلاد».
فوزي اللومي (الحزب الوطني التونسي) : الزعاماتية وفقدان الثقافة الديمقراطية سبب البلية
أكد الأستاذ فوزي اللومي الناطق باسم الحزب الوطني التونسي ان صعوبة البناء اليوم في المعارضة تعود الى أمرين الأول هو الزعامات التي تخاف ان تخسر مواقعها «لأنهم لم يتحصلوا عليها بطريقة ديمقراطية وهم يعلمون انه في ظل انتخابات ديمقراطية قد يفشلون وبذلك يجدون انفسهم وكأنهم مقبلون على المجهول».
واشار اللومي الى ان التونسي لم يتعود بعد بالديمقراطية لذلك عندما يفشل في الانتخابات في الحزب ينشق عنه ليشكل حزبا جديدا، مضيفا ان ذلك ما حصل مع الحزب الديمقراطي التقدمي «الأمر يتطلب وقتا أطول لكي نتعود أما الآن فمن يفشل يأسس حزبا جديدا».
وختم قائلا «هاته المشاكل لا تحصل في حركة النهضة وان كانت تخشى المؤتمر لأنه قد يظهر الخلافات داخلها كما ان العديد من الأحزاب أيضا لم تنجز مؤتمراتها لنفس السبب لكن يجب ان نعلم ان الفشل في الانتخابات ليس عيبا».