شارك في معركة الجلاء وساهم في طرد المستعمر الفرنسي، وبعد نصف قرن من نضاله، يعود الى النضال مرة أخرى يحارب من أجل لقمة العيش. مكان اقامته محطة توقف الحافلات قبالة استعجالي مستشفى ابن الجزار بالقيروان. يطرق باب المسؤول يبحث عن مساعدة عاجلة، يتمسّك بحقوقه وبحق التعويض عن نضاله، في ذكرى الجلاء هذا العام، يسأل عن اسم الرئيس التونسي الحالي مؤكدا ان حياته لم تكن سعيدة خلال حكم النظامين السابقين ويخشى تواصل تجاهله.
تحول الشيخ جمعة بن عثمان الجهيناوي (73 عاما)، من مناضل ضد المستعمر الى مناضل من أجل حقوقه في الحياة يطالب بحقه في سكن لائق. حقه في جراية تحفظ كرامته، حقه في حياة طيبة وآمنة ويذهب الى ابعد من ذلك فيؤكد على حقه في مواصلته حياته وسط أسرة دافئة.
«الشروق» التقت المناضل الجهيناوي، كان يفترش «كردونة» وضعها فوق سدة محطة الحافلات قرب استعجالي مستشفى ابن الجزار بالقيروان. يتوسد كيسا صغيرا، أخرج منه لفافة أوراق ونشرها. يقف جمعة على قدميه الحافتين. جسمه يرجف في رعشة مرضية، تكسوه ملابس أشبه بالخرق البالية. يكاد يفقد بصره كما فقد شعره لون السواد.
ويحدثنا عن مشاركته في معركة الجلاء قبل خمسين عاما. كان شابا يافعا. لبى نداء الوطن. اطرد المستعمر الغاصب ثم عاد مرفوع الرأس. لم يكن يفكر في التعويض ولا في رد الاعتبار ولا في حقوق مالية أمام واجب الذود عن حمى الوطن. بعد سنوات تقدمت السن بجمعة الجهيناوي. كبر الابناء تزوّجوا وتقدمت به السن. فجأة وجد نفسه في منزل على وجه الكراء يعجز عن دفع ايجاره. جسمه لم يعد يتحمل أتعاب العمل.
مأساة
تفاصيل مأساوية يرويها جمعة الجهيناوي تتعلق بأسرته. زوجته توفيت. وأبناؤه لم يتمكنوا من كفالته بسبب ظروفهم الصعبة. البنتان رفض زوجيهما قبول والديهما. والولد انحرفت به السبل ولم يستطع بناء حياته.
بسبب عجزه عن العمل ودفع ايجار المسكن، خرج الجهيناوي الى الاشرع هائما على وجهه. هو من قلة المشردين الذين لا يحملون أمتعة كثيرة، وهو أيضا من بين قلة المشردين المثقفين. بدا عارفا بعديد التفاصيل والقضايا. ما عدا مسألة واحدة بقي يجهلها وهي من هو رئيس الجمهورية الحالية. «المنصف المرزوقي» أجبناه فتساءل هل هو ذلك الطبيب؟ ثم قال إن الرؤساء متشابهون. وتحدث عن معاناة وتهميش واجههما قبل الثورة خلال حقبتي النظامين السابقين. وتواصل التهميش بعد ثورة 14 جانفي. حيث توجه الجهيناوي الى السلط الجهوية من والي ومعتمد وادارة الشؤون الاجتماعية آخرتها كانت يوم 28 أوت 2011 حسبما يذكر التاريخ. وبين انه لم يتلق أية اجابة مطمئنة وهو ينتظر تدخلا عاجلا.
سكن وجراحة
يطالب المناضل بالسكن اللائق والجراية المحترمة. وقام بمقارنة بين وضعه ووضع جرحى الثورة متحدثا عن احقيته في الحصول على تعويض وفاء لما قدّمه من نضال ضد المستعمر الفرنسي.
عندما اقترحنا على السيد جمعة الجهيناوي التوجه الى مركز رعاية المسنين بالقيروان، رفض وقال انه يريد ان يعيش حرا دون قيود في دار المسنين. وقال ان ما يتطلبه هو جراية تقاعد وأنه ينتظر تدخل الشؤون الاجتماعية مبينا ان المرشد الاجتماعي التقى به ووعده بالتدخل لفائدته لكن دون جدوى وهو ينتظر تدخلا من السلط الجهوية. من المؤسف ان نجد في تونس مناضلا اطرد الاستعمار ويحصل على لقمة عيشه من التسول ويعيش مشردا في الشارع بلا مأوى. بأي معنى نحتفل في تونس بذكرى الجلاء وتونس تواصل إهانة أبنائها ومثل هذا الشيخ المشرد كثيرون وهم صامتون لا يطالبون ولا يحتجون لأنهم فقط بلغوا أرذل العمر ونحن نتمتع بثمار نضالهم دون اعتراف بالجميل.