«فدّينا نحبو تعملوا حفلة حتى متاع فنون شعبية... يزينا من السياسة»... هذا ما قالته سيدة على أمواج اذاعة «موزاييك». هذا الكلام العفوي الذي يشير الى تهميش الفن والثقافة عموما خلال العام المنصرم ليس بعيدا عن الواقع وحقيقة ما تعيشه الساحة الثقافية والفنية منذ 14 جانفي 2011 الى اليوم... فما أسباب هذا التراجع في النشاط الثقافي والفني ببلادنا؟ وقبل ذلك هل صحيح أننا نعيش تصحّرا ثقافيا؟
الثابت ان النشاط الثقافي والفني تراجع بشكل لافت في جميع ولايات الجمهورية، فلم نعد نسمع عن تنظيم حفلات أو جولات مسرحية أو أمسيات شعرية وندوات فكرية، حتى تونس العاصمة التي كانت تتميز بحركة ثقافية نشيطة تعطّل نشاطها واقتصر على بعض التظاهرات التي أقيمت بمبادرات شخصية. وكذلك بعض العروض المسرحية التي قدمت بمجهودات ذاتيةلأصحاب العمل، وما كساد نشاط قاعة الفن الرابع ودار الثقافة ابن رشيق وكذلك تعطّل حركة الانتاج للمسرح الوطني التونسي وفرقة مدينة تونس للتمثيل، اضافةالى غياب كلّي للفرقة الوطنية للموسيقى والاوركسترا السنفوني التونسي، الا دليل صارخ على هذا الفراغ الثقافي والفني، يضاف الى توقف شبه كلّي لعجلة الانتاج الغنائي التونسي.
تصحّر ثقافي فما أسباب هذا الكساد الفني والثقافي الذي ميّز السنة الثقافية الماضية؟
في مداخلة قدمها بمناسبة افتتاح الموسم الثقافي الجديد بمدينة الكاف تحت عنوان «حرية لابداع، الضمانات والحدود»، نبه رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان الاستاذ عبد الباسط بن حسن الى مدى خطورة التصحّر الثقافي الذي قال «إنه أصبح يميّز كل المدن التونسية ويهدد مستقبل الابداع في البلاد»... الأستاذ عبد الباسط بن حسن فسّر ذلك بالقول «ان عمليات الترهيب والاعتداء على المثقفين والمبدعين أحدثت مناخا من الارباك والخوف نتيجة لقلب المفاهيم»...
في ذات السياق قال الممثل لطفي العبدلي إنه فقد نكهة العرض والعمل نظرا لما تعرّض له من ضغوطات خلال الصيف في اشارة الى الأحداث التي حفت بعرضه في منزل بورقيبة والحمامات وخلافاته مع المؤسسة الأمنية ومجموعات سلفية...
لكن هل يبرر كل هذا حالة الارباك التي تعيشها الساحة الثقافية؟
لا نعتقد فكثير من الفنانين بادروا بتقديم عروض واستقطبوا الجماهير على غرار محمد علي النهدي وجمال مداني، كذلك لا ننسى المهرجانات الصيفية التي وان شهدت إلغاء ما لا يقل عن 80 عرضا، فإن مهرجانات مثل قرطاج والحمامات تمت في ظروف طيبة.
باعتقادنا ان على الفنانين والمثقفين ان يتمسكوا بحقهم في الوجود وان لايدعوا أحداثا مثل حادثة «العبدلية» او اعتداء شارع الحبيب بورقيبة الذي كان ضحيته المسرحيون، ان تفقدهم القدرة على الابداع والعطاء، فالثورة كما قال الاستاذ عبد الباسط بن حسن هي ثورة قيم، وتدافع أساسا عن حقوق الانسان وحرياته ومنها حرية الخلق والابداع.