بمحاذاة غابة الفرنان الجميلة ووسط ظروف قاسية تتحدّى منطقة الحمراء بمعتمدية عمدون قساوة الطّبيعة وهي الّتي تعاقدت على امتداد سنوات طويلة مع الفقر واللاّمبالاة فغدت سمة بارزة لها، فهل تتدخل السلطات المسؤولة لإنقاذها؟ على بعد قرابة 30 كيلومترا من معتمدية عمدون تقع منطقة الحمراء التي تضم ما يزيد عن 300 أسرة تكابد وتتحمّل مرارة العيش وترضى بأحكام القدر وهي تتوزّع بين أربع تجمّعات سكنيّة غير متباعدة.
عزلة المنطقة وغياب حركة التنقّل بينها وبين مقرّ المعتمدية إلاّ من بعض الفترات المتباعدة جدّا لقلّة من سيّارات النّقل الرّيفي سببه حالة الطّريق الّتي أضحت خطرا يتربّص بكلّ مستعمليه وخاصّة من المربّين الّذين يعانون يوميّا الأمرّين من أجل الوصول إلى المدرسة ينتظرهم 121 تلميذا متعطّشين لطلب المعرفة.
وقد تحدّث إلينا السيّد جمال الوسلاتي مدير المدرسة بكلّ أسف عن حالة الطّريق فقال درّست بهذه المدرسة لمدّة أربع سنوات منتصف التّسعينات وعدت إليها على رأس إدارتها وخلال طول هذه المدّة لم يتحسّن وضع الطّريق كثيرا رغم ما عرفته من أشغال بدت غير مجدية واليوم أجد نفسي رفقة زملائي أمام تأدية الواجب المهني إلى قطع مسافة قرابة 10 كيلومترات وسط الغابة وعلى طريق في حالة كارثيّة نتيجة كثرة حفرها وتآكل أجزاء كبيرة منها فغدت خطرا كبيرا يهدّد حياتنا..
التّلاميذ يجاهدون من أجل الوصول إلى المدرسة بعد أن يعبروا مسالك وشعاب أودية خطيرة كثيرا ما توقّف سيرهم في منتصف الطّريق ليعودوا أدراجهم إلى منازلهم دون أن يتمكّنوا من تخطّي عوائق سيول الأمطار حين تندفع من أعالي الجبال لتجرف معها كلّ ما يعترض طريقها ممّا أجبرهم في النّهاية على ترك مقاعد الدّراسة مبكّرا ، والمتساكنون عجزوا عن التحوّل إلى المدينة للتسوّق لندرة وسائل النّقل وحالة الطّريق المتردّية ليحرموا من قضاء شؤونهم..
منطقة بلا مستوصف
المنطقة لا تعاني فقط من الفقر والنّسيان الّذي تواصل على امتداد عقود طويلة بل تحمّلت وضعا صحيّا معقّدا إذ لا يوجد بها مستوصف يؤمّن للمواليد الجدد والشّيوخ والنّساء والأطفال أبسط متطلّبات الرّعاية الصحيّة.
يقول خميس الحمراوي وهو من عملة الحضائر بالمدرسة وربّ أسرة نحن نعاني من مشكلة غياب مستوصف بالمنطقة حيث نضطرّ إلى التنقّل إلى مستوصف الجوزة أو هنشير الدّغرق وهو الّذي يبعد عنّا قرابة 4 كيلومترات. وهو ما أكّده زهير الحمراوي أصيل المنطقة الّذي أضاف أنّ غياب وسائل النّقل صعّب في أكثر من مرّة الوصول إلى المستوصف عبر الطّريق المتردّية لنتحمّل تبعات عدم معالجة المرض في الإبّان. وقد تدخّل إسماعيل الحمراوي وهو عامل بالمدرسة ليسرد لنا عدّة روايات حول وفاة مرضى ونساء حوامل إمّا بسبب عدم إمكانيّة توفّر وسيلة نقل لإيصالهم إلى المستوصف أو لصعوبة نقلهم خاصّة عند تهاطل الأمطار وتنقطع الطّرق وتفيض الأودية والشّعاب وهو ما دفع بالعديد من المتساكنين إلى النّزوح إلى مدن أخرى تاركين وراءهم أقاربهم وأرزاقهم وممتلكاتهم رغم وجود رغبة قويّة من أحد المتساكنين لتخصيص قطعة أرض لبناء مستوصف.
وعود في مهبّ الرّياح
بعد مرور سنة كاملة تأكّد لأهالي المنطقة أنّ تلك الحملات الانتخابات الفارطة الّتي أطلّت على المنطقة من عديد الأحزاب وتلك الوعود الجميلة لم تكن سوى سمفونيّة رائعة تابعوا استماعها ، كما أنّهم ملّوا من وعود السّلط المحليّة ويئسوا من البرامج الّتي تنتهي لتبقى حقيقة واحدة أنّ حال المنطقة لم يتغيّر وأنّ قدرها هو أن يبقى الطّريق على تلك الحالة ووجود مستوصف بها هو ضر من الخيال.