حالة من الاحتقان تعيش على وقعها عاصمة الجنوب صفاقس في هذه الفترة: خلافات حول النيابات الخصوصية الجديدة، صراع حول الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بصفاقس، مسيرات تطالب بالأمن في جبنيانة، إضراب جوع بالصخيرة من أجل الانتدابات. ومن حالات الاحتقان في الجهة نذكر طرد المعتمد الأول بقرقنة واحتجاجات على الوزير بمنطقة الشعال ورشق موكبه بالحجارة.. مالحكاية ؟.
بداية لا بد من التذكير أن صفاقس التي ثارت يوم 12 جانفي وأرعبت المخلوع بن علي بمسيرة ضخمة جعلته يفر يوم 14 جانفي، شهدت حالة من الاستقرار على جميع المستويات، فلم تسجل الجهة بعد الأيام الأولى للثورة حالات استثنائية تستحق التسجيل باستثناء الحراك السياسي الذي تفرزه الحالة الثورية..
المؤسسات والمصانع والمعامل التي سجلت حراكا اجتماعيا من أجل بعض المطالب المشروعة سرعان ما تم تطويق أكثرها بتفهم من أصحاب المصانع والعمال وبتدخل جدي من الاتحاد الجهوي للشغل الذي نجح في حسم وضعية ما يقارب ال126 مؤسسة.. حالة الاستقرار النسبية التي تم تسجيلها بصفاقس بعد الثورة كانت في الواقع نتيجة توافق معلن وغير معلن بين جميع الأطراف وبتدخل من اتحاد الشغل بالجهة بعد ان لعب دورا مركزيا في التهدئة وبالدفع إلى العمل سواء داخل المصانع والمعامل أو حتى داخل المرافق العمومية ونعني بها البلديات التي تشكلت نياباتها الخصوصية وانطلقت في تقديم خدماتها للمواطن رغم ضعف الأداء في بعض الأحيان والذي يفسر هشاشة الوضع الأمني والحالة الانتقالية..
حالة «الاستقرار» هذه والتي عرفت العديد من الهزات التي وصفت بالخفيفة، كانت وراء توجه المواطنين إلى عملهم رغم الخلافات التي حصلت داخل منظمة الأعراف بصفاقس وداخل الغرفة التجارية والصناعية للجهة والتي سرعان ما تم تطويقها مع هذه الأخيرة بتوافق مهزوز قد ينفجر في أية لحظة، ومع ذلك حصل «توافق» يمكن وصفه بالهش لكنه لم يوقف سير العمل والنشاط داخل هذه المنظمة..
مركز الأعمال بصفاقس لم يتأثر بهذه الحالة «الثورية»، وواصل في نشاطه المعتاد وسد الفراغات الحاصلة في ظل الخلافات المسجلة بالغرفة الجهوية وخاصة منظمة الأعراف التي تأجل مؤتمرها السادس عشر للسبب ذاته في الأسبوع الفارط.
حالة «السكون» هذه، والتي يمكن التعبير عنها بالرماد الذي يخفي نارا، سرعان ما تأججت من جديد بعد قرار تغيير 4 نيابات خصوصية بالولاية هي بلدية صفاقس الكبرى وساقية الدائر والشيحية والنيابة الخصوصية لجزيرة قرقنة.
القرار قوبل بردود فعل قوية، فمع تمسك عدد من أهالي قرقنة بنيابتهم الخصوصية، تمسك عدد من ممثلي المجتمع المدني بصفاقس بالنيابة الخصوصية لبلديتهم الكبرى مما خلق حالة من الإحتقان حركت مشاكل كانت «نائمة».
حدة الخلافات هذه بين عدد من ممثلي المجتمع المدني وبعض الأحزاب وخاصة منها المحسوبة على اليسار من ناحية، ووالي صفاقس من ناحية ثانية تجلت يوم تنصيب النيابة الخصوصية ببلدية صفاقس الكبرى وهو اليوم الذي احتجز فيه الوالي ما يقارب نصف الساعة في سيارته بعد أن قضى 3 ساعات داخل مقر البلدية ليعلن عن التنصيب.
ولئن أعلن الوالي عن تنصيب النيابة الخصوصية وسط أجواء متوترة ومشحونة بلغت مرحلة قطع الكهرباء المخصص لمضخمات الصوت، فإن البعض لم يعترف بهذا التنصيب أصلا محملا الوالي المسؤولية الكاملة في تعيين كل النيابات الخصوصية الجديدة والتي تم تركيزها ببلدية الشيحية وساقية الدائر رغم الاستقالات المسجلة بهذه الأخيرة خلافا لبلدية قرقنة التي لم تتمكن الولاية إلى حد صياغة هذا الموضوع من تنصيبها..
حالة الاحتقان المسجلة بجزيرة قرقنة يمكن تلخيصها في زيارة وزيرة البيئة إلى الجزيرة يوم السبت من الأسبوع الفارط مرفوقة بالمعتمد الأول للإشراف على تظاهرة علمية، فلئن سمح للوزيرة الدخول إلى الجزيرة، فإن المعتمد الأول منع بميناء سيدي يوسف لا احتجاجا عليه، بل احتجاجا على الوالي الذي حاول تنصيب النيابة الخصوصية بقرقنة مما اضطر المعتمد الأول إلى مغادرة الميناء تحت وابل من الاحتجاجات والشعارات..
هذا التوتر الشديد المسجل بمعتمديات الولاية، أثر حتى على زيارات الوزراء للجهة، فوزير التشغيل الذي هو من صفاقس قوبل بمنطقة الشعال يوم الأحد باحتجاجات بلغت مرحلة رشق موكبه بالحجارة.. أهالي جبنيانة نفذوا اضرابا عاما تلاه إضراب ثان بمعتمدية العامرة، ولئن طالب الأهالي في جبنيانة والعامرة بالأمن والتنمية، فإنهم انتقدوا الوالي حتى ان أحدهم وفي نشرة الأخبار قال حرفيا «يجب على الوالي أن يعلم أن العامرة تابعة لولاية صفاقس»..
الانتقادات الموجهة إلى الوالي تكاثرت في هذه الفترة في جبنيانة، في المحرص، في الصخيرة، في العامرة ، في قرقنة وغيرها من الجهات وتزامنت مع موسم جني الزيتون الذي أثار هو الآخر اشكالا جديدا تجلى في سرقة الزياتين بشكل غير مسبوق وكان سببا في عديد الاحتجاجات..
ومع هذه المشاكل العامة، توجد مشاكل خاصة برزت مثلا مع تلك المرأة التي صعدت فوق مبنى الولاية وهددت بالانتحار لأن الوالي رفض مقابلتها.. عاملة أخرى تابعة للحضيرة، دخلت في إضراب جوع للسبب ذاته تقريبا وهي حالات نشرناها في أعداد سابقة كما نشرنا احتجاجات المعطلين عن العمل بقرقنة والذين نصبوا الخيام مدة 6 أيام أمام الولاية لأن الوالي رفض مقابلتهم.
قد يكون الوالي فتحي الدربالي لا يملك حلولا لكل هذه المشاكل التي تفاقمت في هذه الفترة، وقد يكون الضغط وكثرة الملفات ضيَق عليه ساعات العمل وجعله لا يجد متسعا من الوقت لمقابلة المواطنين، لكن رغم هذا، يرى مواطنو الجهة ان كثرة الشواغل لا تمنع المسؤول الأول من الاستماع إلى المشاكل، فهذا واجبه ودوره.. هو صوت الأهالي لدى الحكومة وليس صوت الحكومة لدى الأهالي..
والي صفاقس، وفي ندوة صحفية نظمها في الفترة الأخيرة، حمَل المسؤولية لاتحاد الشغل بالجهة سواء في النيابات الخصوصية وقضية مصحة «ميناي» المغلقة منذ أكثر من شهرين أو القضايا العالقة بمستشفى الهادي شاكر والحبيب بورقيبة، وغيرها من المشاكل المطروحة اليوم بصفاقس والتي خلقت حالة من التوتر والاحتقان تستوجب تدخلا عاجلا من الوالي الذي يرى البعض من مواطني الجهة انه يدفع فاتورة تراكمات سابقة وتعيين جاء في فترة انتقالية صعبة في ولاية تعد من أكبر ولايات البلاد..