سجل الفيلم الجزائري «عطور الجزائر» للمخرج رشيد بلحاج حضوره في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة لأيام قرطاج السينمائية عشية السبت وسط حضور جماهيري هام جاء لتجديد العهد مع السينما الجزائرية التي ولدت من رحم ثورة التحرير... عطور الجزائر جمع بين عدد من الممثلين الجزائريين : شافية بوذراع سيد أحمد أقومي، ريم تكوش (الحائزة على جائزة أفضل ممثلة واعدة في دورة أيام قرطاج السينمائية دورة 2008) أحمد بن عيسى ويوسف مزياني وعديلة بن ديمارد... إلى جانب الممثلة الايطالية مونيكا فريتور...
هذا العمل السينمائي الجديد في مسيرة رشيد بلحاج سعى فيه المخرج إلى العودة للماضي برؤية الحاضر...عاد رشيد بلحاج في «عطور الجزائر» إلى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر... عشرية القتل والهدم والأفكار المتشددة وما عرفته الجزائر من متغيّرات على الصعيد الاجتماعي الجزائري.
هي الجزائر الأمة تظهر وتتراءى للمشاهد من خلال أسرة بن سعدي الذي يفقد ابنته كريمة بالفرار إلى باريس خوفا من بطشه وجبروته لتمارس مهنة التصوير الفوتوغرافي وتكسب شهرة كبيرة... كريمة ترفض الجزائر لأنها عنوان الارهاب والعنف وقتل الأبرياء وكبت الحريات في تلك السنوات... إلا أنها تعود إليها مكرهة استجابة لإلحاح أمها التي تطلب منها المساعدة بعد صدور حكم الاعدام في حق شقيقها مراد المتشدد الديني.
تحطّ كريمة الرحال بالجزائر بعد غياب دام عشرين سنة... وتعود معها الذكريات المؤلمة مع الأب المتغطرس الذي يحتقر الجيل الجزائري الجديد ويرى فيه عدم القدرة على إنجاز ما قدمه جيله أثناء حرب التحرير... جيل حسب هذا الأب المتغطرس لا يملك الامكانيات للدفاع عن الجزائر.. تعود كريمة التي أعلنت القطيعة مع اللغة العربية إلى لحظات الألم والقسوة التي كان يمارسها الأب في حقها وحق شقيقها مراد...وهي ذكريات ألم ودموع بطلها الأب المتعجرف الذي نجده مريضا في غرفة الانعاش وترفض كريمة زيارته.. تكتشف كريمة مجتمعا جزائريا متغيرا مختلفا...مؤلما...بنات صغيرات يرتدين الحجاب منهن إبنة شقيقها المسجون مراد وزوجته سامية... وتعيش لحظات رعب وهي تشاهد عملية اقتحام المتشددين لحفل عائلي... فيكفّرون الجميع ويهشمون الآلات الموسيقية... تنجح كريمة في الحصول على تصريح لزيارة أخيها في السجن بمساعدة عمها... سجن وسط الصحراء...تصعقها أصوات التعذيب وهي تصعد مدارج السجن...يصدمها موقف شقيقها الذي يرفض النظر إليها بل لم يقف الأمر عند هذا الحد فهو يقدم لها قناعاته التي تصب كلها في إتجاه الجهاد المقدس..
...تتواصل الصور أكثر ألما ومأساة بمقتل سامية...فاجعة في حياة كريمة التي تحتضن مولودتها لتشارك في تسجيل مظاهرة نسائية ضخمة تنادي بالحرية وتندد بالارهاب.
«عطور الجزائر» إدانة للإرهاب وفضح لممارسات المتشددين والمتسترين لتنفيذ عمليات إجرامية بشعة في حق الانسان العربي بصفة عامة...وانتصار للجزائر الجديدة... جزائر الحرية والفكر المستنير...
عطب فني
متعة متابعة مختلف تفاصيل «عطور الجزائر» نغصّها عطب فني طرأ على جهاز البث مما أحدث تململا لدى الحضور الذي تسلح بالصبر حتى تم تجاوز هذا العارض... وما يلفت الانتباه أنه في ذات الوقت تم إلغاء عرض فيلم «مانموتش» للنوري بوزيد لذات السبب!!؟