هناك سوء تفاهم خطير كنت قد نبّهتُ اليه في عهد السبسي يتعلق بمسألة التجمعيين وأريد أن أعود الى الموضوع من جديد بعد الإثارة السخنة له وما جدّ من أحداث خطيرة.. ما لفتُ النظر اليه أننا نجد أنفسنا أمام صنفين من التجمعيين والدساترة ايضا: رموز قادت المليشيات وتسببت في مآسي أصحاب الرأي المخالف بل أضرت بالمصالح العليا للوطن لأنها سعت الى الحفاظ على هيمنة الحزب الواحد ومصالح المنتفعين منه الانتهازيين ومارسوا الجهوية الى أقصى الحدود وشرّعوا للرشوة والمحسوبية.. والغريب في الأمر أن بعض القنوات التلفزية قد سمحت لبعضهم بالحديث والتبرير والتعليل.
أما الصنف الثاني من التجمعيين فهم مواطنون عاديون من العاطل عن العمل الى المثقف ورجل الأعمال والفلاّح.. الخ.. وهؤلاء يشكّلون قاعدة عريضة انخرطت عن حسن نية وعن نزعة وطنية مثل كل قواعد الأحزاب الواحدة الحاكمة في عدة بلدان في طريق النمو أو حتى النامية...
والواجب، ما بعد الثورة المجيدة، أن لا يُسهم رموز التجمع في المسار الديمقراطي على الأقل لمدة زمنية معينة لأنهم كانوا ضدّه بل تجاوزوا الحدّ الى التآمر ضد الوطن.. فهل من المعقول مثلا أن يترشح عبد ا& القلال أو بن ضياء او عبد الوهاب عبد ا& او عبد الرحيم الزواري؟؟ الخ.. وقد خدموا الديكتاتورية وعمّقوا مآسي الشعب؟؟..
إن الذين يؤيّدون ترشحهم باسم حقوق الانسان كأني بهم يدعمون أعداء الشعب للعودة الى استغلاله.. ويجب عزلهم بصفة قانونية تشريعية وهذا واجب وطني... أما بقية التجمعيين فلا ذنب لهم وهل ممكن عمليا اقصاؤهم اي اقصاء جزء هام من المجتمع التونسي؟؟.. هل نحاسبهم بسبب بطاقة انخراط هم أحرار في نهاية المطاف في اقتنائها؟؟.. هؤلاء يمكن ان يدلوا بأصواتهم واختياراتهم ويمكن أن يجنحوا لهذا الحزب او ذاك.. ومن باب العبث التصدي لهم والتشهير بهم لأن ذلك سيزيد في تضخيم ردود فعلهم حاضرا ومستقبلا... عملية اذن مستحيلة ولا تحتاج الى لجان تأديب خاصة أو سواعد مفتولة...
ماذا بقي إذن في الواجهة الديمقراطية؟؟
إن ما ننبّه الى خطورته وخاصة بعض الاتجاهات الحزبية التي قد تكون داعمة لظاهرة انشاء هياكل موازية للاحزاب مهما كانت شعاراتها «كاللجان الشعبية لحماية الثورة» أي ما يعادل مليشيات النظام البورقيبي والمخلوع... لقد كانت هذه المليشيات تصنع كل شيء: تصنع الموتى والجرحى والتيتّم والبطالة والألم والدموع والانتحار والجوع... وضمّت الانتهازيين وقطّاع الطرق... لأنهم يبدؤون بالتحمّس للقناعات السياسية، دون فهمها غالبا، ثم ينتهون الى الحصول على رخص ومنح مالية خاصة وامتيازات رهيبة أحيانا، ويصبحون عصابات نهب واعتداءات واجرام...
وسقطت هذه العصابات فجأة أمام أمواج الشعب ولم يبق واحد منها يوم 14 جانفي 2011 واقفا ليدافع عن مقرّ الحزب الذي غذّاه ورعاه... ولعلّ من المفيد للوطن اصدار قانون يمنع ويقاضي من يتجرّأ على ذلك بعد التثبّت بالطبع... من الأدلّة والبراهين... بل ليتعدّى القانون الى منع الأحزاب المتّهمة من ممارسة نشاطها والاسهام في الانتخابات لفترة معيّنة أو بصفة دائمة.
إن من يلتجئ الى مثل هذه التنظيمات والهياكل هو عاجز سياسيا عن خوض غمار اللعبة الديمقراطية ويحتكم الى التسلّط والاجرام لفرض نفسه... إن السلطة الوحيدة التي تحافظ على الأمن وحقوق المواطنين والأحزاب هي الدولة... وإن سلطة الشعب تمارس عن طريق صناديق الاقتراع... عودوا الى التاريخ البعيد والقريب واهتدوا به واتّقوا ا&.