بعد انتصار غزة جاء دور الديبلوماسية حيث كان الموعد يقترب لذهاب الرئيس الفلسطيني أبو مازن ومعه شخصيات فلسطينية فاعلة الى نيويورك لحضور الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة وتقديم طلب الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في هذه المنظمة. ذهب الوفد الفلسطيني مدعوما بإرادة الشعب الفلسطيني في وطنه وفي بلدان الهجرة والشتات ومخيمات اللجوء لكسب حق الاعتراف بدولته رغم أن ذلك بدرجة دولة مراقب.
ولو لم يكن الشعب الفلسطيني واثقا بأن أمم الدنيا تقف معه مادام الفيتو الأمريكي لا يصل مداه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد قال مثلنا العربي «ما ضاع حقّ وراءه مطالب»، والمطالب هذه المرة مطلبه يتجدّد وهو الشعب الفلسطيني الذي مرّ على قرار الأممالمتحدة بمنحه دولة 64 سنة، وهذا الكيان الصهيوني المغروس ظلما واغتصابا يتمرّد ويلتهم المزيد من الأرض الفلسطينية ويجلب المستوطنين من شتى بقاع الدنيا ويكدس الأسلحة ويبني جدران العزل العنصري لا على الأرض فقط بل حتى في السماء إذ دفعه الرّعب الذي يعيش فيه هذا الكيان الى نصب قبّة لتحمي مدنه من الصواريخ الفلسطينية! كان بإمكان هذا الكيان الإرهابي الذي لم يترك وسيلة إلا وسلكها لإخافة الآخر ومع هذا ظلّ خوفه وهو المدجّج أكبر من خوف عُراة الصدور لأنهم في وطنهم، متجذّرون في أرضهم، والدخلاء هم الذين يعيشون في الرّعب. وهكذا صوّتت أم الأرض للشعب الفلسطيني، لدولته، لإرجاع حقّه، لإعادة ثقة الشعوب بهذه المنظمة الأممية التي كانت متهمة بأنها تناصر الأقوياء، ولا تقف مع إرادة الشعوب.
انتصر الحقّ الفلسطيني رغم أن هذا الانتصار كان ناقصا بصيغته هذه فدولة فلسطين يجب أن تكون كاملة العضوية و«اسرائيل» هي المراقب لأنها كيان بني على الغزو وأثّثه شتات شعوب. ولكن كخطوة أولى ما جرى انتصار للعرب كلهم وليس لشعب فلسطين فقط، فالقضية الفلسطينية لم تغب وكانت دوما حاضرة في الضمائر وفي الفعل السياسي وبرامج الأحزاب وسياسات أغلب الدول العربية. أرادت أمريكا أن تفشل المشروع من بدايته يوم خاطب الرئيس الأمريكي أوباما الرئيس أبو مازن مطالبا إياه بعدم الذهاب الى الجمعية العامة للأمم المتحدة وطرح الطلب الفلسطيني، كما هدّدت «اسرائيل» على لسان وزير خارجيتها العنصري ليبرمان بأن كيانه سيلغي السلطة الفلسطينية. كان انتصار أمم الأرض للشعب الفلسطيني كاسحا ولعل موقف بريطانيا التي اقترفت جريمة تشريد الشعب الفلسطيني منذ وعد وزير خارجيتها سيّئ الصيت بلفور الذي وعد اليهود بأرض فلسطين، أقول موقفها بعدم التصويت لصالح الطلب الفلسطيني رغم أن بريطانيا أخلاقيا وسياسيا وتاريخيا أولى بأن تقدم الاعتذار للشعب الفلسطيني وأن تدفع التعويضات لكل الذين نالهم الحيف وظلم بريطانيا التي صارت تابعا مطيعا بعد أن كانت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
كأنّ ما فعلته بريطانيا في جريمتها بحق شعب فلسطين أرادت أن تجدّده بدعمها اللامحدود لكل ما تفعله، وها هي تصرّ على عدم ذهاب الحكومة الفلسطينية الى محكمة الجنايات الدولية لرفع قضايا ضد قادة الكيان الصهيوني، هذا عدا اشتراطها بالعودة الى المفاوضات بدون شروط مسبقة والاعتراف بيهودية كيان الصهاينة. كأن بريطانيا لم يكفها ما فعلت وها هي تريد ضمان حماية مجرمي الكيان الصهيوني الذين لم يكفوا عن اقتراف المجازر وإبادة البشر الآمنين.
مجرمو الحرب الصهاينة لن يبقوا في مأمن لأن جرائمهم لا تسقط أبدا، يكفي أن نشير الى أنهم قتلوا أكثر من 140 مواطنا عربيا فلسطينيا في غزة في حربهم الأخيرة عليها، فهل تذهب دماء هؤلاء هباء؟! أما أمريكا فكانت ترفض تماما منح الشعب الفلسطيني هذا الحق، وهو مجرد خطوة في مسلسلهم النضالي الذي لم يتوقّف، والسبب الخوف من ذهاب الفلسطينيين الى محكمة الجنايات الدولية، ومن الواضح جدا أن هذا الأمر سيظل عامل خوف ل«اسرائيل» وحماتها لكونهم متأكدين بأن قادة هذا الكيان كلهم أياديهم ملطخة بالدم وأن كيانهم بني على جماجم وأنقاض قرى ومزارع شعب كان على هذه الأرض منذ بداية التاريخ
من حق الشعب الفلسطيني أن يزفّ إليه أشقاؤه وأصدقاؤه التهاني بهذه المناسبة لأن الزمن دائما لصالح الشعوب ولن يكون أبدا لصالح القتلة والغزاة والمجرمين. وفي تونس العزيزة تجمعنا يوم الخميس الماضي أمام مبنى سفارة دولة فلسطين لنتجه بعد ذلك مع الأخ سفير دولة فلسطين الأستاذ سلمان الهرفي وأركان السفارة وعدد من الشخصيات الوطنية الفلسطينيةوالتونسية الذين حضروا وهم يحملون العلم الفلسطيني ويضعون «الحطة» الفلسطينية على رقابهم ومضى الموكب باتجاه ممثلية الأممالمتحدة في تونس،وكان الهتاف بحياة فلسطين وشعبها يتجدد على الشفاه وهناك قدم السيد السفير نسخة من الطلب الفلسطيني الذي حمله الأخ الرئيس أبو مازن الى نيويورك.
وهكذا صارت فلسطين دولة في هذه المنظمة الدولية في انتظار استكمال الخطوات النضالية اللاحقة لتكون فلسطين دولة عضوا في الأممالمتحدة، لها حدود معروفة وعاصمتها القدس الشريف التي لا عاصمة لها إلاّها. الحياة لفلسطين وشعبها وهذه خطوة كبيرة حقّقها الإصرار ومازال الطريق طويلا.