إلى منتظر الزيدي كان حُنين إسكافيا بالحِيرة. ذات يوم، دخل أعرابيّ دكّانه ليشتري خُفّين، وأخذ يساومه ويغالي في المساومة حتّى أغلظ في القول وغضب حُنينٌ فرفض أنْ يبيعه الخفّيْن. اغتاظ الأعرابيّ فسبّ حنينا سبّا فاحشا وأقذع في الشتم، ثمّ انطلق في حال سبيله.
أبى حُنين أنْ يبيت على ضيم، فصمّم على التنكيل بالأعرابيّ. فأخذ الخفّين وسبق الأعرابيّ من طريق أقرب، ثمّ ألقى أحد الخفّين في عرض الطريق، وسار مسافة ثمّ ألقى الخفّ الآخر. وكمن له ليرى ما يصنع. عثر الأعرابيّ على الخفّ الأوّل فالتقطه متعجّبا من شبهه بالخفّ الذي أمسكه عنه حُنين. وألقى به لأنّ خفًّا وحيدا لا نفع منه. ولكنّه، حين عثر على الخفّ الثاني، ندم لأنّه لم يأخذ الأوّل، فعاد ليلتقطه. وفي غمرة المسارعة قبل أن يلتقطه غيره من العابرين ترك راحلته واقفة، فخرج إليها حنين من مخبئه وساقها بما عليها. أمّا الأعرابيّ فعاد بالخفّين ولكنّه لم يجد راحلته، فقفل راجعا إلى أهله. ولمّا سألوه بمَ عدت من السفر؟ أجاب: بخفّيْ حنين !
وذهب قوله ذاك مثلا على الحرص واللّجاجة والعناد مع سوء التدبير والتقدير. وعلى كلّ، هذا ما يمكن أن يقال عن الرئيس الأمريكيّ السابق جورج بوش الصغير، وقد بدأ فترة حكمه مذعورا لمشهد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وودّعها مقذوفا بالنعال !
في مثل هذه الأيّام منذ أربع سنوات (وبالتحديد يوم 14 – 12- 2008) أمسك الشابّ العراقيّ والصحفي بقناة «البغداديّة» منتظر الزيدي بفردتيْ حذائه، وقذف بهما تباعا رئيس أكبر دولة في العالم. كان منتظر يشارك في مؤتمر صحفي يعقده رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين ضجّت بصدره دماء آلاف العراقيّين الذين قضوا تحت الآلة العسكريّة الأمريكيّة أو بتغطية منها على أيدي الميليشيات والإرهابيّين، فالتقط بخفّة فاجأت أمن قاعة المؤتمر، فردة حذائه وصوّبها نحو بوش الذي انحنى بسرعة يحسدها عليها أبطال الفن النبيل ليتجنّب الرمية التي استقرّت على العلم الأمريكي المعلّق في الخلفيّة. أمّا الفردة الثانية فتصدّى لها المالكيّ مظهرا موهبة في حراسة مرمى الأمريكان.
نهاية مهينة لرجل جعل من مطاردة الإرهاب أجندته المركزيّة، حتّى إذا جاء العراق ليطمئنّ على «التحوّل الديمقراطيّ» فيه اكتشف أنّ الكيمياويّ المزدوج الذي أعيى لجانَ التفتيش الأمميّة التنقيرُ عنه ليس إلاّ زوجين من الأحذية العراقيّة مقاس 43 بحسب روايته شخصيّا وهو ينحني ليمرّ حذاء منتظر الزيدي الصحفي العراقيّ في قناة البغداديّة قاب قوسيْن أو أدنى من رأسه في صالة المؤتمرات بالساحة الخضراء في بغداد. حادث عاديّ هو، لو جرى في البرّ الغربيّ حيث يقذف المواطنون زعماءهم بالبيض الفاسد والكعك في ساعات الضجر، ولكنّه غير ذلك في تقاليدنا العربيّة حيث لا يُلقَى أولو الأمر إلاّ بضرب الأكفّ وصيحات الفداء. لمنتظر الزيدي كانت السابقيّة حين رمى رئيس أعظم دولة بالشبشب، وعلى أثره سارت الجماهير العربية في قذف حكّامها بالنعال في مفتتح ربيعها العربيّ المنقلب يوما بعد يوم إلى خريف للشعوب. في المحصّلة، وإذا اطّرحنا نَعْل كُليْب، ثمّة ثلاثة أحذية دخلت التاريخ: خُفّا حُنين وحذاء خروتشوف وأخيرا وليس آخرا حذاء الزيديّ!
باختصار، وفي ليل عربيّ حالك، أخذ ذلك اليوم من شهر ديسمبر محلّه بين سائر أيّام العرب، ليتسمّى بيوم الحذاء تماما كيوم النِّسَار ويوم الجِفَار ويوم السِّتَار ويوم شَمْطَة ويوم ذِي قار ويوم جبلةَ ويوم الغَبِيط ويوم البَسُوس ويوم دَاحِس والغَبْرَاء..
أين «غُنْيةُ» الأعرابيّة التي ورد ذكرها في «البيان والتبيين» لتقول، في حذاء الزيديّ، أرجوزتها: أحْلِفُ بالمَرْوَةِ يومًا والصَّفا أنّك خَيْرٌ مِن تَفَاريقِ العَصَا