في أول نشاط فكري له نظم حزب البديل الديمقراطي مؤخرا ندوة فكرية حول كتاب الدكتور عبد الجليل بوقرة «فصول من تاريخ اليسار التونسي» تحت عنوان «اليسار التونسي المرجعية والمسار». الكتاب كان في الأصل موضوع بحث جامعي ناقشه المؤلف عبد الجليل بوقرة لنيل شهادة التعمق في البحث في التاريخ المعاصر في جوان 1990 بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس تحت إشراف الدكتور علي المحجوبي.
وتضمن هذا الكتاب قسمين عنون الأول «الحزب الشيوعي التونسي ومرحلة العمل السري» من خلال فترتين الأولى بين سنتي 1963 و 1970 والثانية بين سنتي 1970 و1981، أما القسم الثاني فقد تحدث فيه عن حركة «آفاق» أو ما تعرف ب«برسبكتيف» من النشأة إلى التجذّر (1963 1975) «من تجمع طلابي للدراسات والفكر الاشتراكي إلى منظمة تحريضية ماوية (1963 1967)، فيما عنون الفصل الثاني من هذا القسم ب«من تبني «الماوية» إلى «العامل التونسي» (1967 1975 ).
تاريخ من الصراع
«استقبلت تونس استقلالها الداخلي بانفجار صراع عنيف ودموي بين «رفاق الكفاح» محدثا قطيعة نهائية بين فريقين: سمي الأول آنذاك بجماعة «الديوان السياسي» وعرف في ما بعد باسم «البورقيبيين» وسمي الفريق الثاني حينها بجماعة «الأمانة العامة» وعرف أيضا باسم «اليوسفيين» فريقان جمعهما الاحتلال والاضطهاد الاستعماري وفرّقهما الاستقلال و«غنائمه» المفترضة... هكذا وصف الدكتور بوقرة تلك الفترة في تشخيصه للصراع البورقيبي اليوسفي الذي اعتبره «حدثا مفصليا في تاريخ تونس المعاصر ومحددا لمستقبل البلاد ولملامح النظام السياسي الجديد على اعتباره أحد الدوافع الرئيسية لاختيار نظام الحزب الواحد بداية من 1963 وعلى اعتبار تأثيره في توجه قسم من نخبة الستينات إلى معارضة النظام البورقيبي.
وذكّر بوقرة بأن نظام بورقيبة قرر تحجير نشاط الحزب الشيوعي التونسي ومنع جريدته «الطليعة» من الصدور وبرّر بورقيبة تلك القرارات في حديث مع صديقه الصحفي والمؤرخ الفرنسي جون لاكوتير بأنّ «تونس في حاجة إلى مجد بورقيبة وهالته لكن الشيوعيين لم يتقنوا سوى تكدير هذا المجد وتشويه صورتي وترويج الحكايات السخيفة». وأذن بورقيبة بشن حملة اعتقالات لم يسلم منها حتى المحايدين ويكفي أن يكتب أحدهم مثلا على الجدار لا مجاهد أكبر إلا الشعب حتى ينال السجن المؤبد وسجن العديد لأنهم احتجوا على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين».
واعتبر الدكتور بوقرة أن بورقيبة إلى جانب استبداده وبطشه الشديد ضد الشيوعيين في تونس فإنه «شخصية مليئة بالتناقضات اتسمت بالانفصام فرغم أنه درس في فرنسا وتأثر بالدولة اللائكية فإنه لم يمارس الديمقراطية والتعددية بل كان دكتاتورا وتظاهر بتضامنه مع المرأة في وقت أنه تزوج فرنسية وطلقها ثم تزوج تونسية وكانت له دعما وسندا ولكن طلقها ومات أعزب».
نقاش ثري
إلى جانب أنصار حزب البديل وبعض الوجوه اليسارية فقد كان من بين الحاضرين بعض الوجوه الحزبية الأخرى كالأمين العام للتكتل الشعبي المنصف الوحيشي وعلي لخشين أمين عام الخضر الديمقراطي ومحسن الشاوش العضو بالمكتب الجهوي لحزب نداء تونس وبعض النقابيين كالهاشمي لكحل والتومي تنجال إلى جانب بعض الوجوه المهتمة بالشأن السياسي.
وقد شارك العديد من هذا الحضور في هذه الندوة القيمة بنقاشات ثرية عمقت الموضوع المطروح وأخرجت هذا الحزب من التنظير الجاف حيث تساءل الهاشمي الأكحل قائلا «لماذا من 1956 إلى اليوم لم يتجاوب الفكر العلمي مع الطبقات الشعبية»، مؤكدا المنهج النقدي والعقلي في التعامل مع الأحداث التاريخية فيما تساءل آخرون عن الدوافع الحقيقية في تأخر الديمقراطية في بلادنا.
واعتبر محسن الشاوش (نداء تونس) أن «اليسار التونسي لم ولن ينجح بسبب القيود الإيديولوجية التي كبلته والصبغة البراغماتية التي تغلب عليه والبعيدة كل البعد عن الواقع التونسي إضافة إلى ابتعاده عن الطبقة الشعبية» معرجا على قراءته للواقع السياسي التونسي بالقول «إن تونس مقبلة على شتاء دموي»، فيما اعتبر الأمين العام للتكتل الشعبي أن «حزب اليسار لا يزال مستهدفا وكأن التاريخ يعيد نفسه» داعيا إلى ضرورة إيجاد ثقافة سياسية في تونس.