كتاب آخر يصدر للدكتور عبد الجليل بوقرة يرصد من خلال نضال الشيوعيين واليسار بشكل عام ضد ثقافة الحزب الواحد. فصول من تاريخ اليسار التونسي.. كيف واجه الشيوعيون وبرسبكتيف نظام الحزب الواحد؟ 1963 1981، هذا الكتاب يرصد الأسباب والخلفيات التي قادت تونس إلى «ثقافة الحزب الواحد» منذ حدوث الانشقاق في الحزب الدستوري على خلفية اتفاقيات الاستقلال الداخلي عندما قررت قيادة الحزب في مؤتمر صفاقس في شهر نوفمبر 1955 طرد صالح بن يوسف وقد تطورت الأحداث منذ ذلك المؤتمر لتصل إلى صراع درامي سماه بوقرة بليالي السكاكين الطويلة وقد انتهى باغتيال بن يوسف في ألمانيا سنة 1963 بعد ان تم اجتثاث اليوسفيين لتكتمل بالحلقة وبمنع الحزب الشيوعي من العمل السياسي بداية من جانفي 1963 عندما قرر الزعيم الحبيب بورقيبة منع التعددية الحزبية على اثر محاولة الانقلاب الفاشلة ل«بقايا اليوفسفيين» وقد تم منع التعددية السياسية بعد ان تم «تأطير» المنظمات الوطنية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل عندما تم التخلص من أحمد التليلي لتمسكه بالديمقراطية والتعددية واتحاد العام لطلبة تونس واتحاد الفلاحين واتحاد الصناعة والتجارة تحت الشعار الكبير الذي أقنع به بورقيبة التونسيين وهو «الوحدة الوطنية الصماء».
المتمردون
نزوع الزعيم بورقيبة نحو نظام الحزب الواحد واجهه الشيوعيون بالعمل السري بالنسبة للحزب الشيوعي كما ترتبت عنه معطيات سياسية جديدة منها انشقاق مكتب باريس للاتحاد العام لطلبة تونس وولادة حركة آفاق التي انطلقت في باريس تحت اسم تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي التونسي وقد رصد الدكتور عبد الجليل بوقرة الخلفية الفكرية والايديولوجية للحركة ومحاولات «تونسة» الفكر الشيوعي توقف عند مختلف المراحل التاريخية التي عاشها الشيوعيون والمحاكمات التي تعرضوا لها بداية من سبتمبر 1968 و1974 و1975 وتضمن الكتاب قائمة اسمية في كل أعضاء التنظيم الذين شملتهم محاكمات أمن الدولة إلى جانب قائمة المتبرعين.
ذاكرة
عبد الجليل بوقرة الذي تخصص في كتابة تاريخ اليسار التونسي نجح في هذا الكتاب في جمع شتات ذاكرة تنظيم سياسي يساري كان له تأثير واضح في الحركة الثقافية والديمقراطية في تونس فاليسار التونسي الذي أصبح اليوم ينعت ب«الصفر فاصل» كان أول من شق عصا الطاعة في وجه ثقافة الحزب الواحد والزعيم الواحد على اعتبار أن صراع أنصار بورقيبة وأنصار بن يوسف كان صراعا على الحكم بين شقين في حزب واحد في حين ان الشباب اليساري سواء في الحزب الشيوعي المحظور من 1963 إلى 1981 أو حركة آفاق كانت مطالبه ونضالاته من أجل الديمقراطية والتعددية وليس الوصول للحكم وقد عانى اليساريون من القمع وسكنوا السنين الطويلة في السجون وناضلوا من أجل تونس الديمقراطية.
صدور هذا الكتاب وفي هذا الوقت بالذات مثل لفتة مهمة لتاريخ اليسار الذي حافظ على فعاليته في المنظمات والجمعيات والشارع السياسي والثقافي لكنه فقد الكثير من عمقه الشعبي بعد حملات التشويه المنظمة التي عاناها اليساريون طيلة سنوات.
الكتاب صدر في 423 صفحة وهو ليس دراسة لتاريخ اليسار فقط بل دراسة لتاريخ تونس في ظل نظام الحزب الواحد المهيمن على كل شيء ورغم ثورة جانفي 2011 مازالت تونس مهددة بهيمنة الحزب الواحد وما يمكن أن ينجر عن ذلك من مآسي وخيبات.